اسم الله الباسط 2
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( الباسط ) :
أيها الأخوة الأكارم ، لا زلنا في اسم " الباسط " .
الحالة الداخلية للإنسان لها أثر كبير جداً في سعادته :
فاسم " الباسط " يتجلى عليك ، بيت صغير ، عنده آلاف المشكلات ، لكنه سعيد ، وإنسان آخر أعرض عن ذكر الله ، يعيش حياةً ضنكا ، يتجلى عليه اسم القابض ، فالقابض و " الباسط " من أوضح الدلالات هي الحالة النفسية الداخلية .فالمؤمن باسم " الباسط " المستقيم على أمره ، المقبل عليه ، يتجلى الله عليه باسم " الباسط " ينشرح قلبه بتوحيد الله .
الإنسان يسعد بطاعة ربه ويشقى بمعصيته :
الله عز وجل يقبض القلوب بإعراضها عنه ، ويبسطها بإقبالها عليه ، بالكون حقيقة واحدة ، إن تقربت من الله سعدت بأي ظرف تعيشه ، وإن ابتعدت عنه تشقى بأي ظرف تعيشه ، هذا ملخص ملخصِ الملخص .فالمؤمن يتقلب بين نوازع الخير ، قرينه من الملائكة يأمره بالخير ، يهتف له بطاعة ربه ، حتى يصبح قلبه مثل الصفا ، لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض ، وهذا هو البسط الحقيقي .
التهنئة الحقيقية تكون بطاعة الله وامتثال أمره :
والله أيها الأخوة ، لا أجد أن كلمة هنيئاً لك يستحقها إلا من عرف الله ، نحن ألفنا أن نهنئ إنساناً بشراء بيت ، بشراء مركبة ، بتأسيس شركة ، بالزواج ، ألفَ الناس أن يهنئ بعضهم بعضاً بهذه المناسبات ، لكن الحقيقة الصارخة أنه لا يمكن أن تكون التهنئة حقيقية وصحيحة إلا بطاعة الله .
إن لم تقل بعد أن تبت إليه ، وأقبلت عليه ، إن لم تقل أنا أسعد الناس إلا أن يكون أحد أتقى مني لا تكون مؤمناً بالمعنى الكامل ، أنت حينما تقبل عليه يقذف الله في قلبك نوراً ترى به الحق حقاً ، والباطل باطلاً ، والخير خيراً ، والشر شراً ، هذا النور في نصوص قرآنية تؤكده : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ " [الحديد:28] .فقد كان رسول الله يقول في دعائه : " اللهم اجعل في بصري نوراً ، واجعل في سمعي نوراً ، واجعل في لساني نوراً ، واجعل في قلبي نوراً ، واجعل عن يميني نوراً ، واجعل عن شمالي نوراً ، واجعل أمامي نوراً ، واجعل من خلفي نوراً ، واجعل من فوقي نوراً ، واجعل من أسفل مني نوراً ، واجعل لي يوم لقاءك نوراً وأعظم لي نوراً " [البخاري] المؤمن يرى ، له رؤية .
بطولة المؤمن أن تكون رؤيته صحيحة : أيها الأخوة ، ما من عمل تقوم به من دون استثناء إلا قبله رؤية .
مرة أتيت من مدينة في الشمال ، في منتصف الليل بمركبة عامة ، وصلنا إلى الشام الأمطار لا تحتمل ، أمطار كأفواه القرب ، وفي أحد الشوارع الكبيرة شارع العدوي إنسان يركض كرياضي ، قلت : الشام فيها خمسة ملايين ونصف ، كلهم وراء المدافئ يأكلون ويشربون ، ما الذي في عقل هذا الإنسان من قناعة بالجري ؟ في رؤية أمامه ، رأى أن سلامة قلبه في المستقبل منوطة بهذا الجري اليومي ، في رؤية .
ما من إنسان يتحرك حركة ، يتكلم كلمة ، يبتسم ، يمنع ، يقطع ، يصل ، إلا وراء عمله في رؤية ، فبطولة المؤمن أن تكون رؤيته صحيحة ، أن الله نوّر قلبه ، أنه ينظر بنور الله ، ينطق بتوفيق الله .
" في قلبي نوراً ، في بصري نوراً " .
إنسان قد يجد بيتاً راقياً جداً ، فخماً جداً صاحبه تاجر مخدرات، مثلاً ، لا يقول هنيئاً له ، يرى هذا البيت بعين المؤمن ، هذا يبني رفاهه على دمار الشباب ، فينبغي أن ترى رؤية إيمانية ، أنا قد أُعجب بإنسان بسيط جداً دخله حلال ، مستقيم ، ولا أُعجب بإنسان دخله فلكي ، لكن جمع هذا المال من حرام .الفتن في آخر الزمان كقطع الليل المظلم :
في بعض الأحاديث : " أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم " [الحاكم] .الآن في فتنة المرأة في الطريق ، كل مفاتنها ظاهرة ، فتنة المحمول ، تنقل عبر المحمول أفلام إباحية ، ومشاهد ساقطة ، فتنة الشاشة ، قدروا أنه في ثمانمئة محطة فضائية أربعمئة محطة إباحية ، ثلاثة وعشرون مليون موقع إباحي بالانترنيت ، الانترنيت فتنة ، الشاشة فتنة ، المحمول فتنة ، المرأة في الطريق فتنة ، المجلة فتنة ، الصحيفة فتنة ، الجامعة فتنة .
تعرض الشباب اليوم إلى تطرفين تطرف تشددي تكفيري وتطرف تفلتي يلغي القيم :
كل هذه الملايين المملينة : " تصير على قلبين : أبيضَ مثل الصَّفا ، فلا تَضرهِ فتنة ، مادامت السماوات والأرضُ ، والآخر : أسود مُرْبادا ـ يعني شدة البياض في سواد ـ كالكوزِ مُجَخِّيا " [مسلم] الكوز أي الإناء مقلوباً على فمه ، الآن إذا كان قلبته على فمه هل يقبل شيء ؟ أي شيء تصبه عليه لا يقبله .لذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال : " كيف بكم إذا تركتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ ـ صُعق الصحابة ـ قالــوا : يا رسـول الله إن هذا لكـائن ؟ قـال : نعـم وأشـد منـه كيـف بكـم إذا رأيتـم المنكـر معروفـاً والمعـروف منكـراً "[أبو يعلى] .
على المؤمن أن يشكر الله عند البسط ويصبر عند القبض :
لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فوالله مَا الْفقْرَ أخْشى عليكم ، ولكني أخشي أنْ تُبْسَط الدُّنيا عليكم كما بُسِطَتْ على من كان قبلكم ، فَتَنافَسُوها كما تَنافسوها وتُهْلِكَكُمْ كما أهْلَكَتْهُمْ " [البخاري] .عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كيف بكم إذ فَسَقَ فِتْيانُكم ، وطغى نِساؤُكم ؟ " [جامع الأصول] الفتيات حينما تبرز أجمل ما عندها لا لزوجها ، لمن في الطريق ، للشباب ، حينما تبرز كل مفاتنها ، أو حينما لا يبقى للزوج شيء يختص به ، كل مفاتن المرأة الآن في الطريق مبذولة .
" كيف بكم إذ فَسَقَ فِتْيانُكم ، وطغى نِساؤُكم ؟ قالوا : يا رسول الله ، وإنَّ ذلك لكائن ؟ قال : نعم ، وأشدُّ ، كيف بكم إذا لمْ تأمروا بالمعروفِ ولم تَنْهَوْا عن المنكر قالوا : يا رسول الله ، وإنَّ ذلك لكائن ؟ قال : نعم ، وأشدُ ، كيف بكم إذا أمرتُم بالمنكر ونهيُتم عن المعروف ؟ قالوا : يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن ؟ قال : نعم ، وأَشدُّ كيف بكم إذا رأيتُمُ المعروفَ منكرا والمنكرَ معروفا " .
علة خيرية الأمة المسلمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
تقسيم الأمة إلى أمتين ؛ أمة الاستجابة وأمة التبليغ :
هذه المفارقة الحادة بين قوله تعالى : " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ " وبين واقع المسلمين ، اضطر العلماء إلى تقسيم الأمة إلى أمتين ، أمة الاستجابة ، وهي الأمة التي وصفها الله في القرآن الكريم ، بأنها خير أمة أخرجت للناس ، استجابت لله .
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ " [الأنفال:24] فالأمة التي استجابت وطبقت منهج الله ، وطبقت منهج رسول الله ، في بيوتها ، وفي أعمالها ، وفي كسب أموالها ، وفي إنفاق أموالها ، وفي مناسباتها ، وفي علاقاتها ، الأمة التي طبقت منهج الله هي الأمة التي " خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ " أما حينما لا تأمر بالمعروف ، ولا تنهى عن المنكر .
مثلاً : رجل مسلم صائم مصلٍّ ، تزوره ابنة أخيه ، شابة طالبة في الجامعة ثيابها فاضحها ، كل خطوط جسمها ظاهرة ، كل مفاتنها ظاهرة ، يستقبلها ، ويرحب بها ويثني على ذكائها ، وعلى دراستها ، ولا يخطر في باله لثانية واحدة أن يعاتبها على هذا التفلت ، ما سبب هلاك بني إسرائيل؟ قال: " كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ " [المائدة:79] فلذلك الوضع المؤلم للأمة الإسلامية ، التي هي الآن لا تأمر بالمعروف ، ولا تنهى عن المنكر ، بل التي تأمر بالمنكر ، وتنهى عن المعروف ، بل الأمة أصبح فيها المعروف منكراً ، والمنكر معروفاً ، هذه الأمة ليست أمة الاستجابة ، وليست من الأمة التي وصفها الله بالخيرية ، بل هي أمة التبليغ ، وهي أمة كأية أمة خلقها الله عز وجل .الله عز وجل لا يحابي أحداً ويحاسب كل إنسان على عمله :
لذلك الله عز وجل قل ما تحب أن تقول ، لكن الله لا يحابي أحداً ، يعامل كل إنسان على عمله .
نحن ينبغي أن نصحو من غفلتنا ، وأن نعود إلى رشدنا ، وأن نطيع ربنا ، وأن نعتقد جازمين أننا إذا طبقنا منهج رسول الله لا يمكن أن نُعذب .أيها الأخوة ، لابدّ من أن نرجع إلى ربنا ، لابدّ من أن نأمر بالمعروف ، وأن ننهى عن المنكر ، لابدّ من ألا تأخذنا في الله لومة لائم ، لعل الله سبحانه وتعالى يتجلى علينا باسم " الباسط " .