أنماط: (31) نمط الشمَّاعة
لا ننسى نمط الأخ الشماعة!
وهذا النمط مغرم بالشمَّاعات التي يهوى تعليق فشله أو تقصيره أو انتكاسه عليها..!
أكثر هذه الشمَّاعات التواكلية تكون عن البيئة والظروف المحيطة والعوائق التي تقف بينه وبين الصواب والحق
ويا ليته تدبر في شأن امرأة نوح وامرأة فرعون..
أما الأولى فقد عاشت في بيت من أطهر البيوت وأنقاها..
بيت مليء بالتقوى يقوده واحد من أفضل البشر وأعظمهم على الإطلاق..
بيت نبيٌ رسولٌ من أولي العزم من الرسل..
عاشت في بيت نوح عليه السلام..
بينما عاشت الأخرى في بيت طاغية من أظلم وأفسد الطغاة الذين عرفتهم البشرية..
عاشت في بيت فرعون..
ذلك الظلوم مدَّعي الربوبية ومنتحل الألوهية والمجتريء على كل قيمة توحيدية تخالف شرعته الأرضية الوضعية!
ورغم أن الظروف والأحوال المحيطة بكل منهما كان من المفترض أن توجهها إلى طريق يناسب ظروفها المحيطة ومآل يشابه بيئتها التي عاشت فيها إلا أن العكس هو ما حدث..
لقد كفرت الأولى وضلَّت..
بينما آمنت الثانية وأحسنت..
لم تنفع الأولى بيئتها الصالحة ولم تقف البيئة الفاسدة حائلًا بين الثانية وبين بشاشة الإيمان التي خالطت قلبها فصارت الأولى مع أختها وشبيهتها -امرأة لوط- مثالًا قرآنيًا يُضرَب للذين كفروا، وأضحت الثانية قدوةً ومثلًا للذين آمنوا..
يقول ربنا في سورة التحريم: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التحريم:10]..
ويقول أيضًا: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:11]..
هذان المثالان القرآنيان من أوضح الأمثلة على تلك الحقيقة التي يتجاهلها كثيرٌ من الناس.. حقيقة أن الشمَّاعات التي يُعلِّق عليها البعض فشلهم أو انتكاس فطرتهم ليست كافية أبدًا..
شمَّاعات الظروف والبيئة المحيطة والعوائق الصادة والصعوبات التي تفصل بينه وبين الهداية..
حقيقة أن المرء مُكلَّفٌ أن يبذل وسعه للوصول إلى الحق وأن يثابر ويصابر مهما كانت الظروف المحيطة قاسية ومانعة..
لا شك أن البيئة المحيطة عامل لا يُستهانٌ به وعنصر ينبغي اعتباره لكنها وأُكرِّر ليست العامل الوحيد..
لم تشفع البيئة الصالحة والبيت الطاهر لامرأة نوح ولا لامرأة لوط ولم تقف حائلًا بينهما وبين الكفر..بينما صمدت امرأة فرعون في ظروف صعبة وبيئة بشعة قاسية..
وهل من بيئة أسوأ من تلك التي عاشت فيها؟
هل من ظروفٍ أقسى من تلك التي عانت منها هذه المرأة المؤمنة وهي تواجه طاغية لا يستنكِف أن يُذبِّح أطفالًا رُضَّع ويستحيي نساءً ويستعبِد أُمّةً بأسرها؟
لو كانت البيئة والظروف هي العامل الوحيد الذي يحلو للبعض أن يركنوا إليه عند تبرير تقصيرهم؛ لكانت تلك المرأة الصالحة أولى الناس بالتعذُّر به والركون إليه، وقد ورد في بعض الآثار أنها قد ذاقت الأمرَّين مُتجرِّعة عذاب فرعون حتى قتلها..
لكنها لم تفعل..
بل صمدت وصبرت..
ونالت ما طلبت..
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].. وهكذا الصادق في طلب الحق والاستهداء بنوره لا يلفته عنه شيء ولا يثنيه عائق أو تؤخره ظروف أو تُعطِّله علائق..
لا يُعلِّق تقصيره على شمَّاعاتٍ ومبرِّرات واهية؛ بل يسعى ويجتهد ويعلم علم اليقين أن نور الحق نافذ ولو غلظت سحائب الباطل وكثرت غيومه..
هذه هي الحقيقة التي ينبغي أن تعيها..
أنت صاحب القرار والخطوة الأولى منك أنت فلا تُعلِّق مآلاتِ أحوالك واختياراتك على البيئة والظروف، فأنت من تختار لنفسك وتُحدِّد طريقك والله لا يضيع أجر من أحسن عملًا وإن يعلم الله في قلبك خيرًا يؤتك خيرًا..
فدع عنك المبرِّرات واكسر تلك الشمَّاعات.
مختارات