كيف تعثر على وقت للحفظ والمراجعة؟!
سأفترض هنا أنك فعليا مشغول لرأسك، وأنك تُريد أن تحفظ القرآن الكريم، وأن تكون متقنا له حفظا وتلاوة، وسأعطيك بعض النصائح العملية من خلال تجربتي الشخصية، وهدفي من هذا أن أقول لك إني ما دمت طبقت هذه الأمور ونجحت معي فليس ثمة ما يمنع أن تُطبقها أنت أيضًا وتنجح معك.
ولنشرع في المقصود مباشرة:
1- الوقت هو أنفس ممتلكاتك، وهو السلعة الوحيدة التي لا تشترى، اليوم الذي يضيع منك تعويضه مستحيل، ولن تستطيع إرجاعه أبدًا ولا بمليار دولار، وكذا الساعة والدقيقة. تعامل مع وقتك بهذه الفلسفة.
2- فوض غيرك، ليس من الضروري أبدًا أن تقوم بنفسك بكل شيء الأمور التي لا تستدعي أن تقوم بها بنفسك ففوّض من يقوم بها نيابة عنك، خاصة لو كانت تأخذ وقتا طويلا، حتى وإن كان غيرك سيأخذ مقابلا على ذلك، فالوقت الذي ستوفره إن أحسنت استغلاله فهو أنفس وأغلى.
3- اكتب مهامك اليومية من الحسن جدًا أن تكتب مهامك اليومية التي ينبغي عليك إنجازها، لا في بداية يومك، ولكن في اليوم الذي قبله، هذا يجعل الرؤية واضحة أمامك، ويجعلك تعرف من أول لحظة في يومك ما الذي ينبغي عليك فعله تحديدًا، ومن أعظم الأمور التي تعينك على ذلك الخدمة التي تقدمها شركة جوجل واسمها جوجل* كيب* يمكنك الاستفادة من هذه الخدمة في أمور كثيرة على رأسها كتابة قائمة مهامك اليومية، حيث تُتيح لك إعداد قائمة مهام، ويمكنك أن تحذف منها ما قمت بإنجازه، كما بإمكانك ترتيب المهام من حيث الأهمية، أو ضبط منبهات لها، ولها مزامنة مع الإنترنت، يعني كل ما تودعه عليها سيبقى محفوظاً حتى ولو سرق الجهاز الذي تفتح فيه الخدمة أو تلف، إلا لو قمت أنت بالحذف، كما أنه تابع لشركة جوجل، بالتالي يمكنك أن تكتب مهامك أو تحذفها أو تُعدِّل عليها من أي جهاز، سواء كان هاتفا محمولا (أندرويد أو أيفون) أو لاب بتوب، أو جهاز كمبيوتر، أو آيباد، أو غير ذلك.
ولو لم يكن في مسألة كتابة المهام اليومية إلا أنها تحد من تشتتك إلى حد بعيد جدا لكان حريًّا بك أن تجعل إعداد قائمة المهام بشكل يومي أولوية قصوى فعض على هذه بالنواجذ.
4- راقب مصارف وقتك، وكل ما لا تجد من ورائه فائدة تكافئ الوقت المصروف فيه فاحذفه فورًا. ربما تضبط نفسك متلبسا بتضييع الكثير من الوقت أمام التلفاز، أو على فيس بوك، أو يوتيوب، أو حتى على الكافيهات مع أصدقائك، أو غير ذلك، لا بأس أن تفعل كل هذه الأمور، لكن باعتدال دون إفراط، وإلا ندمت ندامة الكسعي.
5- استغل الأوقات الجانبية والأوقات المُهدَرَة، كل دقيقة يمكن أن تكون مفيدة إن أنت قررت الاستفادة منها، ما الذي يمنع أن تمسك مصحفك تراجع فيه جزأين وثلاثة أثناء انتظار دورك عند الطبيب؟ وجزءًا واثنين أثناء انتظار دورك عند الحلاق ؟ وجزءًا وجزأين أثناء المواصلات الداخلية، أما لو على سفر فيمكنك أن تقرأ ربع القرآن ونصفه بمنتهى السهولة. عندي طلبة في الدورة يسمعون علي بين المحاضرات، ومهندسون يسمعون في وقت راحة العمل، وموظفات يفعلن نفس الشيء. الوقت قبيل نومك وأنت بين اليقظة والنوم يمكن أن تستمع فيه لنصف جزء إلى حين يباغتك النوم، أثناء ممارستك للرياضة يمكن فعل نفس الشيء وأضعافه. لو أنتِ ربة منزل فأثناء غسل الأواني والثياب، وأثناء طهي الطعام. هذه الأوقات الضائعة وغيرها ستعطيك في كل شهر عشرات الساعات المستغلة إن أنت قررت الاستفادة منها.
6- لا تصاحب الفارغين، فإنهم إن لم يجعلوك مثلهم بقولهم، جعلوك كذلك بحالهم، والطبع لص، والمرء على دين خليله، واعلم أن العبرة في الأصدقاء ليست بعددهم، ورُبَّ صديق واحد أو صديقين تنتخبهما يكونان أنفع لك من ألف صديق، وأحفظ لوقتك ودينك، فإن الصداقة لها متطلبات، وكلما استكثرت من الأصدقاء ازدادت متطلباتهم منك، فازداد وقتك الضائع ضياعا.
يقول مؤلف كتاب (معجزة الصباح) هال الرود: «أظهر البحث أننا ننتهي جميعا عمليا إلى التشابه مع خمسة أشخاص في المتوسط نقضي معهم معظم الوقت، ويُمكن لأقرب الأشخاص لكم أن يكونوا أهم العوامل المؤثرة في نوعية حياتكم والشخص الذي تصيرونه. فإذا كنتم محاطين بأشخاص كسولين محدودي الذكاء ويبحثون لأنفسهم باستمرار عن أعذار سينتهي بكم المطاف إلى التشبه بهم بالتأكيد انتهى.
7 - لا تُسوّف أبدًا نهائيًا مطلقًا البتة، بغض النظر عن كون ما تسوفه يمكن تسويفه أو لا، الفكرة هنا هي أن يُصبح عدم التسويف عادة لك، جميع المهام تنجز أولا بأول، دربت نفسي علي ذلك منذ أعوام طويلة، فوصل بي الحال أبي
ربما أكون مستلقياً على سريري ليلا فأتذكر أن البقال له عندي عشرة جنيهات فأرتدي ثيابي خصيصًا لأسددها له، ما أدراني أني أعيش للصباح ؟!
8- ليست العبرة هي توفير الوقت، هذا في حد ذاته لن يفيدك في شيء، وإنما العبرة بإعماره، ضع خططًا وجداول وسر عليها، أمامك ألف شيء لتنجزه خلاف حفظك للقرآن الكريم تعلم لغة جديدة، اقرأ كتابًا، طور مهارة عندك ذاكر لكليتك، إلخ إلخ، والقاعدة في ذلك إن عشت عشت ناجحًا، أو من فقد كنت يوما قدوة لصديق أو زوجة أو ابن أو ابنة.
9- تعلم أن تقول لا، ليس كلما طلب أحدهم منك شيئًا تُلبي، وكلما طلب أحدهم منك خدمة أديتها، وكلما طلب منك أحدهم مرافقته رافقته، هكذا ستنصهر في حيوات الغير، وأين حياتك أنت يا رجل ؟ لا أقول لك أن تمتنع عن قضاء حاجات غيرك، لكن أقول لك: تعلم أن يكون لك وقتك الخاص بك مع القرآن الكريم، وكل ما يعترض هذا الوقت فقل له: لا، سواء أكان صديقا يُريدك أن ترافقه، أم عميلًا يُريد منك سلعة تقوم عليها، أم أحدا من الأسرة يريدك في قضاء حاجة للبيت ما دامت غير عاجلة وغير ضرورية، لو كل من يطلب منك ستجيبه بنعم فصدقني لن تفلح في شيء، وأنصحك بمطالعة كتاب: كيف تقول لا، لـ د. سوزان نيو مان. فقد ذكرت في هذا الكتاب 250 طريقة تقول بها «لا» إذا ما طلبت منك أشياء لا تود فعلها، والجميل أن المؤلفة أصلا محللة نفسية اجتماعية، ففي كثير من الأحيان تشرح لك نفسية الشخص الذي يطلب منك شيئًا معينا، وتخبرك بكيفية الرد الأمثل عليه بالرفض، وقد انتفعت بهذا الكتاب كثيرا.
10- احذر هاتفك أخطر شيء فى الدنيا على وقتك هو هذا الهاتف الذى في يدك، ما لم تكن مضطرا للنظر فيه فإياك أن تفعل، وحين تنظر فيه فليكن على قدر الحاجة وليس أكثر من ذلك، إنك إن تُطبق هذه #النقطة_فقط يتوفر لك في كل يوم - على الأغلب - ساعتان وثلاث ساعات، وربما أضعاف ذلك، وصدق مولانا الشيخ الدكتور أحمد عيسى المعصراوي حفظه الله إذ يقول في مثل هذا: لو انحنت رؤوسنا على القرآن كما تنحني على الجوال لختمنا القرآن أسبوعيا مرة أو مرتين».
11- يجب عليك وجوبًا عينيا أن تُدرب نفسك على الاستيقاظ مبكرا الاستيقاظ المبكر يتيح لك استثمار ساعات الصباح الأولى، وهي حرفيا ساعات ذهبية مباركة، كما أن هذه هي فطرة الله في خلقه، الليل للنوم، والصباح للعمل والسعي والكفاح، وكلما نمت مبكرا كنت أقدر على الاستيقاظ مبكرًا بسهولة ونشاط.
12- إياك أن تشرع في شيء ثم تتحول عنه قبل أن تتمه، هذه قاعدة عامة سواء أكان كتابًا، أم لغة أم درسا تذاكره، أم سورة تحفظها، أم مهارة تكتسبها، فضلا عن كون ذلك سيصبح مع الوقت عادة لك فتشرع في الأشياء ولا تتمها، فإنك أيضًا ستهدر الكثير من سنوات عمرك النفيسة في غير فائدة، تبدأ في الشيء، تقطع فيه شوطًا، ثم تتركه كلية ترجع إليه بعد شهر أو عام، ولأنك نسيت أصوله وما أحرزته فيه فإنك من جديد تبدأ من الصفر وهكذا في كل مرة.
13- لا تستهن بالدقيقة والدقيقتين، الدقيقة الواحدة يمكن فعل الكثير والكثير فيها، والله ما رأيتُ من يُحَقِّرُ استغلال الدقيقة والدقيقتين ثم يفلح في شيء في حياته.
14- احرص على أن تنام بين الظهر والعصر ولو عشر دقائق، ستفرق معك كثيرا، وستجد نشاطاً عجيبًا في بدنك وذهنك طوال اليوم.. واجعلها لك عادة، لها مفعول السحر.
وقد جربت الأمر بنفسي واختبرته، يوم آخذ نصيبا من القيلولة ولو عشر دقائق فقط أستطيع إن شئت أن أبقى يومين مستيقظا بشكل متواصل، وأتابع نشاطاتي، ويوم أدعها أحس بخمول وفتور باقي اليوم، وأظل أتثاءب من العشاء.
طبعا حديثي لمن ينامون قليلا، ست ساعات في اليوم فأقل، الأمر فعلا سيكون مدهشا بالنسبة لهم، أما من ينامون ملء جفونهم فلا أظن الأمر يختلف لديهم كثيرًا؛ لأنهم فعليا يأخذون كفايتهم من النوم وزيادة، على أن القيلولة فيها خير وبركة للجميع، وهي سنة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
15- أحسن إلى والديك، والزم قدميهما، وكن شديد البر بهما؛ فإن هذا من أعظم ما يمنحك البركة في مالك، ووقتك، هذا مُشاهد ومعلوم، والتجربة خير دليل عليه، وٱكد من التجربة نص حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث يقول كما في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رَضَ اللَّهُ عَنْهُ: (مَن سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ له فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنسأ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ). ومن من أرحامك له في عنقك حق كوالديك ؟!
عادل الجندي
مختارات