" الشَّمَــاتَة "
" الشَّمَــاتَة "
ذَمُّ الشَّمَاتَة في الكتاب والسنة:
#### أولًا: في القرآن الكريم:
- قال تعالى: " قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " [الأعراف: 150].
أي: فلا تفعل بي ما هو أمنيَّتهم مِن الاستهانة بي والإساءة إليَّ، وقُرِئ: (فلا يَشْمَت بي الأعداء) على نهي الأعداء عن الشَّمَاتَة، والمراد أن لا يحلَّ به ما يَشْمَتون به لأجله [الكشاف،للزمخشرى].
- وقال تعالى: " إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا " [آل عمران:120].
وهذا الفَرَح شماتة، والحسد والشَّمَاتَة متلازمان [انظر: مفاتيح الغيب،للرازى].
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يتعوَّذ مِن سوء القضاء، ومِن درك الشَّقاء، ومِن شَمَاتَة الأعداء، ومِن جهد البلاء) قال عمرو في حديثه: قال سفيان: أشكُّ أنِّي زدت واحدة منها [رواه البخارى ومسلم واللفظ له].
قال النَّوويُّ: (شماتة الأعداء: هي فَرَح العدوِّ ببليَّةٍ تنزل بعدوِّه، يقال منه: شَمِت بكسر الميم، وشَمَت بفتحها) [شرح النووى على مسلم].
وقال المناويُّ: (إنَّما حَسُنَ الدَّعاء بدفع شَمَاتَة الأعداء؛ لأنَّ مَن له صِيْتٌ عند النَّاس وتأمل، وَجَدَ نفسه بينهم كبَهْلَوان يمشي على حبلٍ عالٍ بقُبْقَاب، وجميع الأقران والحُسَّاد واقفون ينتظرون متى يَــزْلَق فيَشْمَتُون به، ومِن أشقِّ ما على الزَّالق أن يُغْلَب عليه رعاية مقامه عند الخَلْق؛ فإنَّه يذوب قهرًا، بخلاف مَن يراعي الحقَّ؛ فإنَّ الأذى يَخِفُّ عليه، ولو أَظْهَروا كلُّهم الشَّمَاتَة) [فيض القدير،للمناوى].
#### أقوال السَّلف والعلماء في الشَّمَاتَة:
- عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى قال: جاء أبو موسى إلى الحسن بن علي يعوده، فقال له عليٌّ: أعائدًا جئت أم شامتًا؟ قال: لا، بل عائدًا، قال: فقال له عليٌّ: إن كنت جئت عائدًا، فإنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا عاد الرَّجل أخاه المسلم، مشى في خِرَافة الجنَّة حتى يجلس، فإن جلس غمرته الرَّحمة، فإن كان غُدْوَة صلَّى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن كان مساءً صلَّى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح) [صححه الألبانى فى صحيح سنن ابن ماجه].
وعن عمر بن عبد العزيز: (ما رأيت ظالـمًا أشبه بمظلوم مِن الحاسد؛ غمٌّ دائمٌ، ونفس متتابع، وقيل: إذا رأى الحاسد نعمةً، بُهِت، وإذا رأى عثرةً، شَمَت) [انظر: بريقة محمودية،لأبى سعيد الخادمى].
- وقال آخر: (عِبْتُ شخصًا قد ذهب بعض أسنانه، فذهبت أسناني، ونظرت إلى امرأة لا تحلُّ لي، فنظر زوجتي مَن لا أريد) [الآداب الشرعية،لابن مفلح].
#### من آثار الشَّمَاتَة:
1- الشَّمَاتَة بالتَّعيير بالذَّنب أعظم مِن مُرْتَكِب الذَّنب:
يقول ابن القيِّم: (إنَّ تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثمًا مِن ذنبه، وأشدُّ مِن معصيته؛ لما فيه مِن صولة الطَّاعة، وتزكية النَّفس وشكرها، والمناداة عليها بالبراءة مِن الذَّنب، وأنَّ أخاك باء به، ولعلَّ كسرته بذنبه، وما أحدث له مِن الذِّلَّة والخضوع والإزراء على نفسه، والتَّخلُّص مِن مرض الدَّعوى والكِبْر والعُجْب، ووقوفه بين يدي الله ناكس الرَّأس، خاشع الطَّرف، منكسر القلب أنفع له، وخيرٌ مِن صولة طاعتك، وتكثُّرك بها، والاعتداد بها، والمنَّة على الله وخَلْقِه بها، فما أقرب هذا العاصي مِن رحمة الله، وما أقرب هذا المدِل مِن مقت الله، فذنب تَذِلُّ به لديه أحبُّ إليه مِن طاعة تدلُّ بها عليه، وإنَّك أن تَبِيتَ نائمًا وتصبح نادمًا خيرٌ مِن أن تَبِيتَ قائمًا وتصبح مُعْجَبًا؛ فإنَّ المعْجَب لا يَصْعَد له عملٌ، وإنَّك إن تضحك وأنت معترفٌ، خيرٌ مِن أن تبكي وأنت مُدِلٌّ، وأنين المذنبين أحبُّ إلى الله مِن زجل المسبحين المدِلِّين، ولعلَّ الله أسقاه بهذا الذَّنب دواءً استخرج به داءً قاتلًا هو فيك ولا تشعر، فلله في أهل طاعته ومعصيته أسرار لا يعلمها إلَّا هو، ولا يطالعها إلَّا أهل البصائر، فيعرفون منها بقَدْرِ ما تناله معارف البَشَر) [مدارج السالكين].
2- الشَّمَاتَة لها تأثيرٌ سلبيٌّ على الفرد والمجتمع؛ تربِّي الحقد والحسد والعداوة.
وهذا أمرٌ معلوم مشهود.
3- الشماتة تؤدي إلى قساوة القلب.
حُكْم الشَّمَاتَة:
لا يجوز الشَّمَاتَة بالمسلم؛ لكنها في حق الكفار المحاربين والمنافقين تجوز، قال تعالى: " قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ " [التوبة: 14-15].
قال السعدي: (فإنَّ في قلوبهم من الحنق والغيظ عليهم ما يكون قتالهم وقتلهم شفاء لما في قلوب المؤمنين من الغم والهم، إذ يرون هؤلاء الأعداء محاربين لله ولرسوله ساعين في إطفاء نور الله، وزوالًا للغيظ الذي في قلوبهم، وهذا يدل على محبة الله لعباده المؤمنين، واعتنائه بأحوالهم، حتى إنه جعل -من جملة المقاصد الشرعية- شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهم) [تيسير الكريم الرحمن].
#### من أسباب الوقوع في الشَّمَاتَة:
1- الابتعاد عن منهج الرَّسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
2- ضعف الإيمان.
3- حبُّ التَّشفِّي النَّاس.
4- حبُّ الدُّنيا والتَّعلُّق بها، ونسيان الآخرة.
#### شماتة المنافقين بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه:
- في غزوة أحد أظهر اليهود والمنافقون الشَّماتَة بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه:
فحينما وصل صلى الله عليه وسلم المدينة -بعد غزوة أحد- أظهر المنافقون واليهود الشَّمَاتَة والسُّرور، وصاروا يُظْهِرون أقبح القول، أي ومنه: ما محمد إلَّا طالب مُلْك، ما أصيب بمثل هذا نبيٌّ قطُّ؛ أُصيب في بدنه، وأُصيب في أصحابه، ويقولون: لو كان مَن قُتِل منكم عندنا ما قُتِل.
واستأذن عمر في قتل هؤلاء المنافقين، فقال له النبي: أليس يظهرون شهادة أن لا إله إلَّا الله وأنِّي رسول الله؟ قال بلى: ولكن تعوُّذًا مِن السَّيف، فقد بان أمرهم، وأبدى الله تعالى أضغانهم، فقال صلى الله عليه وسلم: نُهِيت عن قتل مَن أظهر ذلك، وصار ابن أُبَي - لعنه الله - يوبِّخ ابنه عبد الله - رضي الله تعالى عنه - وقد أثبتته الجراحة، فقال له ابنه: الذي صنع الله لرسوله والمسلمين خيرٌ[انظر:السيرة الحلبية،لعلى بن إبراهيم الحلبى].
مختارات