اسم الله المولى 2
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
مع اسم الله ( المولى ) :
أيها الإخوة الكرام ، لازلنا مع الاسم العظيم من أسماء الله الحسنى ( المولى ) أيْ أن الله عز وجل يتولى عباده المؤمنين ، يتولاهم بالرعاية ، يتولاهم بالتربية ، يتولاهم بالمعالجة .
" اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ " [البقرة:257] .
" ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ " [محمد:11] .
المعية العامة والمعية الخاصة :
لذلك أيها الإخوة الكرام ، فرّق العلماء بين معية الله العامة ومعيته الخاصة ، فإذا قال الله عز وجل : " وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ " [الحديد:4] أي : معكم بعلمه ، مع أيّ مخلوق ؛ مع المؤمن ، ومع الكافر ، معكم بعلمه ، أما إذا قال الله عز وجل : " وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ " [الأنفال:19] هذه المعية الخاصة ، أي هو معهم بالتأييد والنصر ، والحفظ والتوفيق ، وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد مَن فقدك ؟
المعية الخاصة تستلزم الولاية الربانية :
الحديث النبوي الشريف الذي يبين هذه المعية ، ويبين هذه الرعاية وهذا الحفظ هو قول النبي عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ قَالَ : " مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ... " [البخاري] ولم تَرِد كلمة الحرب إلا في موضعين ، في موضع في القرآن الكريم ، وموضع في الحديث الشريف ، الموضع الأول :
" فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ " [البقرة:279] في موضوع الربا ، وما من معصية توعد الله في القرآن مرتكبها بالحرب إلا الربا ، وفي الحديث الشريف الصحيح : " مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ... " قبل أن تقف في خندق مُعادٍ للحق ، هل تعلم مَن هو الطرف الآخر ؟
إن الإنسان في الحياة المدنية قبل أن يتطاول على إنسان يمثل الحكومة هل تعلم من هو الطرف الآخر في حياتنا اليومية ؟ فإذا تطاول الإنسان على دين الله ، وعلى شرع الله ، ووصل إلى الأشياء التي هي مقدسة في حياة المسلمين فلينتظر الحرب من الله عز وجل : " مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ... " .
المفهوم القرآني للولي :
1 – الوليُّ هو المؤمن بالله : مَن هو الولي ؟ المفهوم القرآني للولي :
" أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ " [يونس:62-63] إنَّ أيَّ مؤمن يجب أن يكون ولياً لله .
2 – الوليُّ هو المتَّقي الله :
تعريف الولي في القرآن الكريم :
" الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ " [يونس:63] لو ضغط الدين كله في كلمتين لكانت الكلمة الأولى : أنك آمنت بالله ، والكلمة الثانية : تتقي أن تعصيه ، لذلك يمكن أن تضغط رسالات الأنبياء كلها في كلمتين :
" وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ " [الأنبياء:25] لذلك قال العلماء : " نهاية العلم التوحيد ، ونهاية العمل التقوى " فإذا وحدت الله ، واتقيت أن تعصيه فقد حققت الهدف من وجودك ، وقد وضعتَ يدك على حقيقة الدين .
هذا الراعي الذي امتحنه سيدنا عبد الله بن عمر ، قال له : " بعني هذه الشاة، وخذ ثمنها ، قال : ليست لي ، قال : قل لصاحبها : ماتت ، أو أكلها الذئب ، قال : والله إنني لأشد الحاجة إلى ثمنها ، ولو قلت لصاحبها : ماتت ، أو أكلها الذئب لصدقني ، فإني عنده صادق أمين ، ولكن أين الله ؟ .
هذا الراعي وَضع يده على جوهر الدين .
في أيّة لحظة تقول : أين الله فقد وضعت يدك أيها الأخ الكريم على حقيقة الدين، لذلك يمكن أن يضغط الدين كله في كلمة واحدة ، وهي الاستقامة ، وما لم نستقم على أمر الله فلن نقطف من ثمار الدين شيئاً ، لذلك الحديث الشريف الذي جاء على صيغة حديث قدسي : " مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ... " .
هنيئاً لمن وقف مع الحق ، والويل لمن وقف في خندق معادٍ للحق ، فالولي الذي آمن بالله واتقى ، أن يعصيه ، لأن نهاية العلم التوحيد ، ونهاية العمل التقوى ، فإذا وحّدتَ الله وعبدته فقد حققت الهدف من وجودك، لذلك قال تعالى : " مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا " [النساء:147] .
معرفةُ الله مقرونة بالتقرب إليه وطاعته :
الآن لا معنى لأن تعرف الله من دون أن تتقرب إليه :
" فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا " [الكهف:110] .
الآية : " قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ " [فصلت:6] كأن الله عز وجل أراد أن يلخِّص القرآن كله في كلمة واحدة : " قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ " [فصلت:6] .
"إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا" [الكهف:110].
لا تكن صاحبَ إيمانٍ إبليسيٍّ :
الإيمان من دون عمل قد يوصف أحياناً بأنه إيمان من نوع إيمان إبليس ، قال تعالى : " قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ " [ص:82] إبليس قال : رب ، آمن به رباً ، وآمن به عزيزاً ، وقال : "خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ"[الأعراف:12] آمن به خالقاً ، وقال : " أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ " [الأعراف:14] لذلك ترداد كلمات الإيمان من دون عمل لا قيمة لها إطلاقاً :
" فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا " [الكهف:110] .
مراتب التقرُّبِ إلى الله لنيلِ منزلةِ الولاية :
1 – وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ :
قد بينت من قبل أن الإنسان إذا استقام على أمر الله يَسلم ، أما إذا عمل الصالحات يسعد ، وفرق كبير بين السلامة والسعادة، مع أن كل إنسان على وجه يتمنى السلامة والسعادة، لذلك الحديث القدسي الشريف : " ... وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ... " [البخاري عن أبي هريرة] .
الفرائض أولاً ، أداء الفرائض مقدم على أي شيء ، أعظم قربة إلى الله أن تؤدي الفرائض : " ... وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ... " .
أيها الإخوة ، حينما يقول الإنسان : هذه فريضة ، ما معنى فريضة ؟ أي أن سعادتك تتوقف عليها .
للتقريب : كيف نقول : إن استنشاق الهواء فريضة ، لأن حياة الإنسان متوقفة على استنشاق الهواء .
شرب الماء فريضة ، لأن حياة الإنسان متوقفة على شرب الماء .
تناول الطعام فريضة ، لأن أي حياة الإنسان متوقفة على تناول الطعام ، فتناول الطعام ، وشرب الماء ، واستنشاق الهواء فرائض ، بمعنى أن حياة الإنسان متوقفة عليها .
أما الحرام فهو الذي يحرم النفس من سعادتها وسلامتها ، وحينما تفهم أوامر الدين أنها ضمان لسلامتك ، وليست حداً لحريتك تكون فقيهاً ، فإذا رأيت لوحة كتب عليها : " ممنوع التجاوز ، حقل ألغام " فأنت لا تشعر أن واضع هذه اللوحة أراد أن يقيد حريتك ، بل تعلم علم اليقين أنه أراد أن يضمن لك سلامتك ، لذلك في اللحظة التي تفهم أوامر الدين أنها ضمان لسلامتك وسعادتك تكون فقيهاً ، وحينما تفهم أن أوامر الدين قيد لحريتك تكون بعيداً عن فهم الدين الصحيح .
2 – وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ :
" وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ "
أول مراتب القرب من الله أداءُ الفرائض ، والفريضة ما تتوقف عليها سعادتك وسلامتك .
عندنا أشياء في الدين حدية ، وعندنا أشياء نسبية ، فتركُ المحرمات حديٌّ ، لا تفاوت في ذلك ولا تفاضل ، كما أن عندنا في اللغة العربية أفعالا لا تقبل التفاوت، كفعل ( مات ) لا تقل : فلان أموت من فلان ، الموت حدي ، له حالة واحدة ، ومن لم يمت بالسيف مات بغيره ، تنوعت الأسباب والموت واحد ، فهناك أفعال لا تقبل التفاوت بل هي حدية ، وهناك أفعال تقبل التفاوت ، تقول : أنا أكثر منك مالاً ، المال نسبي يزيد وينقص ، فالاستقامة ما فيها تفاوت ، الاستقامة حدية ، فالذي نهانا عنه النبي عليه الصلاة والسلام يجب أن ننتهي عنه كلياً .
تقريباً : كمستودع الوقود السائل ، له صفة سلبية وصفة إيجابية ، الصفة السلبية أنه محكم ، والإحكام حدي ، هي حالة واحدة ، إذا قلت : محكم ، يعني أنه محكم ، تضع فيه ألف لتر ، وتغلقه بإحكام ، وتغيب مئة عام ، ترجع وتجده كما تركتَه ، لأنه محكَم ، إن لم يكن محكَماً فعدم الإحكام نسبي ، قد تقلّ الكمية بعد شهر ، أو بعد أسبوع ، أو بعد سنة ، أو بعد ساعة ، فعدم الإحكام نسبي ، أما الإحكام فحدي ، الاستقامة حدية ، لا تقبل التفاوت ، لذلك إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فأقلّ ممرض في المستشفى مع أعلى طبيب في المستشفى لابد من تعقيم الإبرة ، أما العلم فمتفاوت ، الفرق كبير جداً بين الممرض والطبيب ، أما من حيث تعقيم الإبرة فلو أراد طبيب متفوق جداً أن يعطي إنسانا حقنة فلا بد من تعقيمها ، ولو جاء ممرض ليعطيه هذه الحقنة فلا بد من تعقيمها بقواعد ثابتة وحدية ، فالاستقامة حدية ، والأعمال الصالحة متفاوتة ، هذا المستودع له صفة واحدة ، هي أنه محكم ، حدي ، أما إملاءه فبحسب الرغبة ، فإنسان وضع فيه مئة لتر ، وإنسان آخر وضع مئتين ، وإنسان آخر خمسمئة ، وهكذا .
لذلك أول قربة إلى الله حدية ، وهناك فرائض طوعية " وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ " .
بينَ عبدِ الشكر وعبدِ القهرِ :
بالمناسبة كلمة ( عبد ) تجمع على جمعين ، هناك عبد جمعه عبيد ، وعبد جمعه عباد ، والفرق كبير بين العبيد والعباد ، العبد عبد القهر يجمع على عبيد ، وعبد الشكر يجمع على عباد ، قال تعالى : " إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ " [الحجر: 42] .
هذا عبد الشكر ، وكل إنسان عبد لله ، بمعنى أنه مقهور ، كل إنسان سلامته متوقفة على سيولة دمه ، فأيّ إنسان تجمدت قطرة دم في أحد أوعية الدماغ أصيب بالشلل ، فالإنسان مقهور ، مقهور بخثرة في الدماغ ، مقهور بتشمع الكبد ، مقهور بفشل كلوي ، مقهور بورم سرطاني ، فكل إنسان عبدٌ لله ، عبد بمعنى أنه في قبضة الله ، فهذا العبد عبد القهر يجمع على عبيد : " وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ " [فصلت:46] .
أما العبد الذي عرف الله ، وأقبل عليه ، وانضبط بمنهجه فهذا العبد يجمع على عباد : " إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ " [الحجر:42] .
" نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " [الحجر:49] واللغة دقيقة جداً ، والفرق بين الجمعين واضح جداً ، لذلك : التقرُّب إلى الله سهلٌ جدا : " وَمَا يَزَالُ عَبْدِي " وهذه نسبة تشريف، فقد شرفنا الله عز وجل بأن نسبنا إلى ذاته العلية : " وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ " معنى ذلك أن العلاقة مع الله واضحة ، الله عز وجل يحب من يتقرب إليه ، وأحياناً يكون التعامل مع جهة صعب جداً ، جهة مزاجية ، ليس لها قاعدة تضبط تعاملها مع الآخرين ، التعامل مع إنسان مزاجي صعب جداً ، لكن التعامل مع رب العالمين سهل جداً ، الله يحب الصادقين ، يحب المتوكلين ، يحب التائبين ، وهناك عدد من الآيات تثبت هذا : " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ " [آل عمران:159] .
" وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ " [البقرة:222] .
" إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " [البقرة:195] .
" إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ " [البقرة:222] .
وهكذا فالتعامل مع الله سهل جداً
" وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ "
هناك صلاة نافلة ، وصيام النوافل ، وصدقة وقيام ليل : " وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ " .
هناك شيء دقيق جداً ، لو أن الإنسان مشى إلى الله خطوة مشى الله إليه خطوات ، لمجرد أن تفكر أن تتقرب إلى الله رأيت أن الله عز وجل قد ملأ قلبك سعادة ، ملأ قلبك طمأنينة ، ملأ قلبك رضى ، وهناك تجاوب سريع جداً من الله عز وجل ، بل إن الله ينتظرك ، وقد ورد في بعض الآثار : " لو يعلم المعرضون انتظاري لهم ، وشوقي إلى ترك معاصيهم لتقطعت أوصالهم من حبي ، ولماتوا شوقاً إلى ، هذه إرادتي بالمعرضين ، فكيف بالمقبلين " [ ورد في الأثر ] .
حينما تقبل على الله لا تدري أن الله أَفرَحُ بتوبة عبده من الضال الواجد ، والعقيم الوالد ، والظمآن الوارد .
النبي عليه الصلاة والسلام قدّم صورة رائعة جداً لأعرابي ركب ناقته : " لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ ، فَأَيِسَ مِنْهَا ، فَأَتَى شَجَرَةً ، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا ، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ : اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي ، وَأَنَا رَبُّكَ ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ " [مسلم] .
" لله أفرح بتوبة عبده من ذلك البدوي بناقته " [متفق عليه] .
فلذلك حينما ترجع إلى الله وتتوب إليه يفرح الله بك ، إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض : أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله .
" وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ "
وإذا أحبك الله فلا تعبأ بشيء آخر ، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ إذا أحبك الله ألقى محبتك في قلوب الخلق ، وهذا معنى قوله تعالى : " وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي " [طه:39] .
لذلك إذا أحبك الله خدمك أعداءك ، وإذا تخلى الله عنك يتطاول عليك أحبابك .
" وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ "
كيف تتجلّى ولاية الله للمؤمنين ؟
ما معنى أن الله ولي المؤمن ؟
1 – فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الّذِي يَسْمَعُ بِهِ : " فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ "
الآن بدأنا باسم الولي ، الإنسان يستمع إلى ملايين الموضوعات في حياته ، أما المؤمن فسمعه منضبط بالمنهج الإلهي .
بالمناسبة مستحيل وألف ألف مستحيل أن تستوعب الباطل ، حياتنا جميعاً ، حياة أهل الأرض لا تكفي لاستيعاب الباطل ، لأن الباطل متعدد ، تماماً كما في الهندسة ؛ بين نقطتين لا يمر إلا مستقيم واحد ، حاول أن تمرر مستقيما آخر يأتي فوقه تماماً ، لذلك الحق لا يتعدد ، والدليل أن الله عز وجل يقول : " وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ " [الأنعام: 153] .
بين نقطتين يمر مليون خط منكر ، يمر مليون خط منحنٍ ، لكن لا يمر إلا خط مستقيم واحد ، لهذا قيل : المعركة بين حقين لا تكون ، لأن الحق لا يتعدد ، والمعركة بين حق وباطل لا تطول ، لأن الله مع الحق ، أما المعركة بين باطلين فلا تنتهي ، وفرق كبير بين معركة لا تكون أصلاً ، وبين معركة لا تطول ، وبين معركة لا تنتهي .
الآن : " يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ " [البقرة:257] .
جمع : " إِلَى النُّورِ " [البقرة:257] .
مفرد : " وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ " [الأنعام:153] .
لذلك أيها الإخوة الكرام ، حياتنا جميعاً لا تكفي لاستيعاب الباطل ، الباطل متنوع ، ويمكن أن تمضي عشر سنوات أو عشرين سنة في دراسة فئة ضالة ، والفئات الضالة تنتظمها قواعد تأليه الأشخاص ، وتخفيف التكاليف ، واعتماد نصوص موضوعة ، ونزعة عدوانية ، فالباطل لا تكفي حياتنا لاستيعابه ، لكن الحق واحد ، من السهل جداً أن تستوعب الحق في عمر معتدل ، فصار كل شيء خلاف الحق باطلا ، لذلك الطريق سالك ، ويمكن أن تستوعب الحق .
" فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ "
الإنسان يستمع إلى ملايين المقولات ، فيغربلها ، استوعب الحق ، هذه الفكرة خلاف القرآن ، هذه الفكرة خلاف الحديث الصحيح ، هذه الفكرة خلاف المنهج ، هذه الفكرة خلاف ما في كتاب الله عز وجل ، فالأصل كتاب الله ، هو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
" فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ "
هناك كلمات لا معنى لها ، كلمات فيها تناقض مع القرآن الكريم ، لذلك قال تعالى : " يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ " [الشعراء:88-89] .
ما القلب السليم ؟ القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله ، ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله ، هذه من صفات القلب السليم ، السمع مضبوط بمنهج الله عز وجل ، إنسان يردّ مليون مقولة ، بل ويركلها بقدمه إن خالفت منهج الله عز وجل ، عنده حق ، عنده ميزان ، عنده مقياس .
2 – وَبَصَرَهُ الذِي يُبْصِرُ بِهِ :
قال : " وَبَصَرَهُ الذِي يُبْصِرُ بِهِ " لو أن إنسانا نظر إلى بناء يأخذ بالألباب ، لكن صاحبه تاجر مخدرات ، جمعه من مال حرام ، فإنه لا يحترم صاحب هذا البناء ، يحتقره لأن عنده ميزانًا ، لذلك المؤمن منضبط ، سمعه منضبط ، وبصره منضبط ، الأشياء لها صورة ولها حقيقة ، يمكن أن يحترم إنسان دخله محدود جداً من حلال ، ويحتقر إنسان بنى مجده على أنقاض الناس ، أو على حياة الناس ، أو على أمن الناس ، أو على خوف الناس ، فالآن تقييمه للأشياء مبني على نور ألقاه الله في قلبه ، فيقيّم الأشياء بميزان دقيق ، بمنظومة قيم رائعة جداً .
3 – ويَدَهُ التِي يَبْطِشُ بِهَا :
" فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الذِي يُبْصِرُ بِهِ ، ويَدَهُ التِي يَبْطِشُ بِهَا "
لا يتحرك حركة إلا وفق منهج الله ، إن أعطى أَعطى لله ، وإن منع مَنع لله ، وإن رضي رَضي لله ، وإن غضب غَضب لله ، وإن وَصل وصل لله ، وإن قطع قَطع لله ، هكذا .
4 – ورِجْلَهُ التِي يَمشِي بِهَا :
" ورِجْلَهُ التِي يَمشِي بِهَا " لا تقوده رجله إلا إلى عمل صالح ، أو أمر بالمعروف ، أو نهي عن المنكر ، أو لارتياد بيوت الله ، أو لإصلاح بين شخصين ، حركته كلها في سبيل الله .
5 – وَإِنْ سَأَلَني لَأُعْطِيَنَّهُ :
" وَإِنْ سَأَلَني لَأُعْطِيَنَّهُ " أصبح مستجاب الدعوة .
" اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ " [البقرة:257] .
هذا معنى الولي .
6 – وَلئِِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ :
" وَلئِِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ " إذا التجأ إنسان إلى الله عز وجل فإنّ الله يلبي فوراً ، أصبح مستجاب الدعوة .
" وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ " .
قرأت تاريخ سبعين صحابيا من الصحابة الأجلاء ، ما منهم واحد إلا كان في ساعة الموت في أسعد لحظات حياته ، قال تعالى : " قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ " [يس:26] .
ما معنى أن الله ولي المؤمن ؟ أن هذا المؤمن تحت رعاية الله ، وحفظه ، وتأييده ، ونصره ، يتولاه بالرعاية ، يتولاه بالحفظ، يتولاه بالتأييد ، يتولاه بالمعالجة ، فلذلك من أقرب أسماء الله الحسنى إلى المؤمن اسم الولي .