فقه أحكام الأسماء والصفات (١٢)
والإيمان بأسماء الله وصفاته معناه فهمها، والاعتراف بها، والتعبد لله بها، والعمل بمقتضاها، وهذا توحيد الأنبياء والمرسلين:
فأوصاف العظمة والكبرياء والمجد والجلال تملأ القلب هيبة لله وتعظيماً له.
وأوصاف العزة والقدرة والجبروت تجعل القلوب تخضع وتذل وتنكسر بين يدي ربها.
ومعرفة أوصاف البر والرحمة، والجود والكرم تملأ القلب رغبةً وطمعاً في فضل الله وإحسانه وجوده.
ومعرفة أوصاف العلم والإحاطة توجب للعبد مراقبة الله في حركاته وسكناته، والحذر من معصيته، والحياء منه.
ومعرفة مجموع هذه الصفات تملأ القلب محبة لله، وشوقاً إليه، وتعظيماً له، والتعبد والتقرب إلى الله بالأقوال والأفعال.
وصفات الكمال ترجع إلى ثلاث صفات:
العلم.. والقدرة.. والغنى.
وهذه الثلاث لا تصلح على وجه الكمال إلا لله وحده، فهو الذي أحاط بكل شيء علماً.. وهو على كل شيء قدير.. وهوالغني عن العالمين.
وقد أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يبرأ من دعوى هذه الثلاثة بقوله: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (٥٠)} [الأنعام: ٥٠].
وينال الناس من هذه الثلاث بقدر ما يعطيهم الله منها، والله سبحانه أعلم بمن يصلح لهذا أو ذاك أو ذلك، فالله أعلم حيث يجعل رسالته، وهو بعباده خبير بصير، حكيم يضع كل شئ في موضعه اللائق به.
ومفعولات الرب المتنوعة دالة على إرادة الفاعل وقدرته، وعلمه وحكمته.
وما فيها من المصالح والحكم والغايات المحمودة دال على حكمته تعالى.
وما فيها من النفع والإحسان والخير دال على رحمته سبحانه.
وما فيها من البطش والانتقام والعقوبة دال على غضبه.
وما فيها من التقريب والإكرام والعناية دال على محبته.
وما فيها من الإهانة والإبعاد والخذلان دال على بغضه ومقته.
وما فيها من ابتداء الشيء في غاية النقص والضعف، ثم سوقه إلى تمامه ونهايته، ثم موته، ثم حياته مرة أخرى دال على وقوع المعاد.
وما فيها من ظهور آثار الرحمة والنعمة على خلقه دليل على صحة النبوات.
وما فيها من الكمالات التي لو عدمتها كانت ناقصة، دليل على أن معطي تلك الكمالات أحق بها.
فمفعولاته ومخلوقاته سبحانه من أدل شيء على صفاته، وصدق ما أخبرت به رسله عنه كما قال سبحانه: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣)}... [فصلت: ٥٣].
والله تبارك وتعالى لكمال عظمته وكبريائه، وإحاطته بما سواه، وأنه أكبر من كل شيء، وأنه واسع عليم، يُرى في الآخرة ولا يحاط به إدراكاً، فالمخلوق لا يحيط بالخالق وإن كان يراه كما قال سبحانه: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٠٢) لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣)} [الأنعام: ١٠٢، ١٠٣].
فسبحان الحي الذي ليس كمثله شيء في حياته.
وسبحان القوي الذي ليس كمثله شيء في قوته.
«سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ» أخرجه أبو داود والنسائي (١).
ومخلوقات الله عزَّ وجلَّ دالة على ذاته وأسمائه وصفاته.. وأسماؤه وصفاته دالة على ما يفعله ويأمر به.. وما لا يفعله ولا يأمر به.
فاسمه القوي يدل على أنه على كل شيء قدير، ولا يعجزه شيء.
واسمه الغني يدل على كمال غناه، وأنه لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً.
واسمه الحميد يدل على أنه لا يأمر بالفحشاء والمنكر.
واسمه الحكيم يدل على أنه لم يخلق شيئاً عبثاً.
واسمه الملك يدل على ما يستلزم حقيقة الملك من قدرته، وحسن تدبيره وعطائه ومنعه، وثوابه وعقابه، وبث رسله في أقطار مملكته، وإعلام عبيده بأوامره ومراسيمه، واستوائه على سرير مملكته، الذي هو عرشه المجيد.
فسبحانه من ملك ما أعظمه.. ومن كريم ما أجوده.. ومن لطيف ما أرحمه.
وله الحمد على أسمائه وصفاته وأفعاله.. وعلى قضائه وقدره.. وعلى خلقه وأمره.. وعلى دينه وشرعه.. وعلى آلائه ونعمه.. وعلى ثوابه وعقابه.. وعلى عدله وإحسانه: {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٣٦) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣٧)} [الجاثية: ٣٦، ٣٧].
(١) صحيح: أخرجه أبو داود برقم (٨٧٣)، صحيح سنن أبي داود رقم (٧٧٦).
وأخرجه النسائي برقم (١٠٤٩)، صحيح سنن النسائي رقم (١٠٠٤).
مختارات