فقه التعبد بأسماء الله وصفاته (١)
قال الله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥)} [البقرة: ١٩٥].
وقال الله تعالى: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٦)} [الزمر: ٦٦].
وقال الله تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢)} [النور: ٢٢].
الله عزَّ وجلَّ له الأسماء الحسنى، والصفات العلا، وله الكمال المطلق في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، أنزل القرآن تبياناً لكل شيء، فله الملك كله، وله الحمد كله، وله العزة كلها، وهو الغفور الرحيم، يُطاع فيشكر، ويُعصى فيغفر، ويتوب على من استغفر، ويرحم إذا استرحم.
ولا يصلح لولاية الرحمن من لم يتأدب بآداب القرآن، ولم يتعبد بصفات الرحمن حسب الإمكان.
فالله سبحانه محسن أمر بالإحسان، رحمان أمر بالرحمة، عفو أمر بالعفو، غفور أمر بالمغفرة، جبار أمر بالجبر، حليم أمر بالحلم، عليم أمر بالعلم، شكور أمر بالشكر، سلام أمر بالسلام.. وهكذا في باقي الأسماء والصفات.
فمن تعبد بصفاته صلح لولايته ورضوانه، وفاز بدار كرامته.
فبالأبصار نرى آياته ومخلوقاته، وآلاءه ونعمه.
وبالبصائر تشاهد القلوب ذاته وأسماءه وصفاته وإحسانه، فتعامله بما يليق بجلاله وجماله وإحسانه، ثم تأمر الجوارح بأن تعامله بما يليق بعظمته وكماله وعبوديته.
فالقلوب بحضرته تعظمه.. والجوارح على أبواب القلوب توقره وتطيعه وتعبده.. والله يعلم ويسمع ويرى.
فلا يصلح أحد منهم لموالاته إلا أن يتعبد بآدابه، ويتصف بصفاته، تذللاً بعبادته، ومحبةً لطاعته، وتجملاً بصفاته.
وأفضل العباد في ذلك أكرمهم عليه، وأقربهم إليه، وأحبهم إليه.
وصفات الله عزَّ وجلَّ نوعان:
صفات ذاتية كالحياة والعلم ونحوهما.
وصفات فعلية كالخلق والرزق ونحوهما.
والصفات الذاتية نوعان:
أحدهما: ما لا يمكن التعبد به، وهما الحياة والقدرة، إذ لا يمكن اكتسابهما، لكن يجب حفظهما، وحفظ سائر منافع البدن وأعضائه، لنستعمل ذلك في طاعة الله ورضوانه.
وثمرة معرفتهما: التوكل على الله سبحانه، والالتجاء إليه، وإجلاله ومهابته، ورجاء إنعامه، وخوف انتقامه.
الثاني: ما يمكن التعبد به من سائر صفات الذات، فنتعبد بها على حسب الإمكان وهي:
١ - العلم: فالله بكل شيء عليم.
والتعبد به: بأن تعرف ذات الله وأسماءه وصفاته، وأحكامه وأيامه، وحلاله وحرامه، وما يقربك إليه، وما يجعلك محبوباً لديه.
وثمرة العلم بذلك: الخوف من مولاك، وحياؤك منه في أقوالك وأفعالك وسائر أحوالك، فإنه بكل شيء عليم.
٢ - الإرادة: فالله مريد لكل شيء.
والتعبد بها: يكون بأن نتعبد بكل إرادة حثنا الشرع عليها، وندب إليها كإرادة الطاعات كلها، والعبادات بأسرها، وإخلاص العمل، وإرادة التقرب به، خوفاً من عقاب الله، أو رجاء لثوابه، أو حياء منه، أو محبة له، أو مهابة له.
وثمرة معرفة ذلك: الخوف والوجل الموجبان لاجتناب الزلل، وإصلاح العمل.
٣ - السمع: فالله سميع عليم لا يخفى عليه شيء.
والتعبد به: يكون بأن نسمع كل ما فرض الله علينا سماعه أو ندب إليه كسماع كتابه وسنة رسوله، والعمل بموجبه.
وثمرة معرفة سمع الله: خوفك وحياؤك ومهابتك أن يسمع منك ما زجرك عنه من الأقوال، واجتناب كل قول لا يجلب نفعاً، ولا يدفع ضراً.
٤ - البصر: فالله بصير لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
والتعبد به: يكون بالنظر في ملكوت السموات والأرض، والنظر للآيات الكونية، وعجائب المخلوقات نظر تدبر وتفكر، والنظر للآيات القرآنية والشرعية، وما فيها من الأحكام والعبر والسنن، والعمل بموجب ذلك.
وثمرة معرفة بصره: خوفك منه، وحياؤك ومهابتك أن يراك حيث نهاك، أو يفقدك حيث أمرك.
٥ - الكلام: فالله سبحانه يتكلم بما شاء في أي وقت شاء.
والتعبد به: يكون بذكره وشكره، وتلاوة كتابه، وتعليم دينه وشرعه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إليه.
وثمرة معرفة كلام الله: معرفة ذاته وأسمائه وصفاته، ومعرفة أمره ونهيه، وما يحبه وما يكرهه.
مختارات