فقه أحكام الأسماء والصفات (٤)
والصفات الثبوتية لله جلَّ جلاله صفات مدح وكمال، وكذا الصفات السلبية، لكن الصفات الثبوتية التي أخبر الله بها عن نفسه أكثر بكثير من الصفات السلبية التي لم تذكر غالباً إلا لبيان عموم كماله سبحانه كما قال عزَّ وجلَّ: {لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)} [الشورى: ١١].
أودفع توهم نقص من كماله فيما يتعلق بأمر معين كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨)} [ق:٣٨].
وصفات الله عزَّ وجلَّ من الأمور الغيبية التي يجب على العبد أن يؤمن بها على ما جاءت، إذ لا يمكن في الأمور الغيبية أن يدركها العقل، وحينئذ لا نصف الله بما لم يصف به نفسه، ولا نكيف صفاته، لأن ذلك غير ممكن، وإذا كان نعيم الجنة، أو الروح كلاهما موصوف بصفات معلومة المعنى، ولا تعلم حقيقتهما، فكيف بالخالق جل جلاله.
وصفات الله تبارك وتعالى نوعان:
صفات ذاتية.. وصفات فعلية.
فالصفات الذاتية هي التي لم يزل ولا يزال الله متصفاً بها، وهي ملازمة للذات لا تنفك عنها أبداً، وهي نوعان: معنوية.. وخبرية.
فالمعنوية كالحياة والعلم، والقدرة والحكمة، والعزة والغنى، وما أشبه ذلك، وهذا على سبيل المثال لا الحصر.
والخبرية مثل الوجه واليدين والعينين والقدمين، وما أشبه ذلك.
فهذه الصفات الذاتية، المعنوية والخبرية كلها ملازمة للذات لا تنفك عنها.
أما الصفات الفعلية، فهي الصفات المتعلقة بمشيءته، إن شاء فعلها، وإن شاء لم يفعلها، وهي نوعان:
صفات لها سبب معلوم مثل الرضا والسخط، والحب والكره، ونحو ذلك، فالله عزَّ وجلَّ إذا وجد سبب المرض رضي كما قال سبحانه: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: ٧].
وإذا وجد سبب السخط من أحد سخط الله عليه كما قال سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (٢٨)} [محمد: ٢٨].وصفات ليس لها سبب معلوم كالنزول إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يَتَنَزَّلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتعالى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى سَمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْألُنِي فَأعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأغْفِرَ لَهُ» متفق عليه (١).
ومن الصفات ما هو صفة ذاتية وفعلية باعتبارين كالكلام، فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية، لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال متكلماً، وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية، لأن الكلام يتعلق بمشيءته، يتكلم متى شاء، بما شاء كما قال سبحانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)} [يس: ٨٢].
وكل صفة تعلقت بمشيءته فإنها تابعة لحكمته، سواء أدركنا الحكمة أو جهلناها، لكننا نعلم علم اليقين أن الله عزَّ وجلَّ لا يشاء شيءاً إلا وهو موافق للحكمة كما يشير إليه قوله سبحانه: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (٣٠)}... [الإنسان: ٣٠].
وأسماء الله عزَّ وجلَّ وصفاته توقيفية لا مجال للعقل فيها، فلا نثبت لله تعالى من الأسماء والصفات إلا ما دل الكتاب والسنة على ثبوته، فنثبت لله من الأسماء والصفات ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله، إثباتاً يليق بجلاله بلا تمثيل ولا تشبيه ولا تكييف ولا تمثيل.
فأسماء الله وصفاته لا يماثلها شيء من أسماء المخلوقين وصفاتهم، وكما لا نعلم كيفية ذاته عزَّ وجلَّ، فكذلك لا نعلم كيفية أسمائه وصفاته: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)}... [الشورى: ١١].
ولا علم لأحد بكيفية صفات الله عزَّ وجلَّ، لأنه عزَّ وجلَّ أخبرنا بها، ولم يخبرنا عن كيفيتها.
فيجب الكف عن التكييف تقديراً بالجنان، أو كلاماً باللسان، أو تحريراً بالبنانكما قال سبحانه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤)} [الإخلاص: ١ - ٤].
والله عزَّ وجلَّ هو الملك الذي له ملك السموات والأرض، لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، له الأسماء الحسنى، وله الصفات العلا، وأسماؤه وصفاته لا تحصى أنواعها فضلاً عن أفرادها.
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (١١٤٥)، واللفظ له، ومسلم برقم (٧٥٨).
مختارات