فقه صفات الله وأفعاله (١)
قال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٥٤)}.
.
[الأعراف: ٥٤].
وقال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (١٢)}.
.
[الطلاق: ١٢].
الله تبارك وتعالى له الأسماء الحسنى، وقد مرت بنا، وله جميع الصفات العلا، فله سبحانه صفات الكمال.
وصفات الجلال.
وصفات الجمال.
فهو سبحانه الحليم الذي لا أحد أصبر منه، فإنه يعافي العباد ويرزقهم، وهم يعصونه ويخالفون أمره، ويدّعون له الصاحبة والولد، فيؤخر عقوبتهم التي قدر لها وقتاً، وحدّ لها أجلاً محدوداً سبق به علمه.
ومن علم عظمة الله وما له من العزة والجلال، والجبروت والملكوت، والكبرياء والعظمة، وعلم كمال قدرته على ما يشاء، علم أنه لا أصبر من الله على إذاية من آذاه، وافترى عليه، وأشرك به.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا أحَدَ أصْبَرُ عَلَى أذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ، إِنَّهُ يُشْرَكُ بِهِ وَيُجْعَلُ لَهُ الْوَلَدُ، ثُمَّ هُوَ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُم» متفق عليه (١).
وهو سبحانه الحكيم الذي يقضي بالحق، ويقضي به بين العباد يوم القيامة، الذي يحكم في خلقه بما شاء، ويفعل ما يريد.
وهو سبحانه الرحمن الذي كتب على نفسه الرحمة، وكتب في الذكر كل شيء، وكتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء.
وهو سبحانه كاشف العذاب، وكاشف الضر، كما قال سبحانه: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧)}.
.
[الأنعام: ١٧].
وهو سبحانه المجيب الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ويستجيب للداعي إذا دعاه.
وهو سبحانه الذي ينادي من شاء من عباده، كما نادى الله موسى في الواد المقدس طوى: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠)} [الشعراء: ١٠].
وهو سبحانه الذي يدعو إلى دار السلام، ويدعو عباده لما يحييهم من الهدى، ويدعوهم ليخرجوا من قبورهم إلى يوم البعث.
وهو سبحانه الكريم الذي يغيث عباده، فمن استغاثه من المؤمنين استجاب له، وقضى حاجته كما قال سبحانه: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩)} [الأنفال: ٩].
وهو سبحانه الحفيظ، الذي يقي السيئات، ويقي المؤمنين من الشرور وعذاب النار كما قال سبحانه: {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (١١) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (١٢)} [الإنسان: ١١، ١٢].
وهو سبحانه الذي يصلي على عباده المؤمنين كما قال سبحانه: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (٤٣)}.
.
[الأحزاب: ٤٣].
وهو سبحانه الحفي، المبالغ في البر والألطاف والإكرام والإفضال كما وصفه إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - بقوله: {إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (٤٧)} [مريم: ٤٧].
وهو سبحانه الكريم.
الذي يبارك فيما شاء من الكلام والعباد والبلاد والأزمان والأشياء.
فكل خير من عنده.
وكل بركة من فضله سبحانه.
فجعل القرآن مباركاً.
وأنزل من السماء ماء مباركاً.
وبارك أرض الشام.
وبارك على أنبيائه ورسله كإبراهيم وإسحق.
وعيسى ويحيى وغيرهم.
وجعل بيته الحرام مباركاً.
وهو سبحانه فالق الإصباح، الذي شقه بعد ظلمة الليل سبحانه.
وهو سبحانه فالق الحب والنوى، الذي يشق الحب والنوى، فيخرج منه ورقاً وشجراً وثمراً.
وهو سبحانه الذي يخرج الحي من الميت، وبخرج الميت من الحي، من النبات والحيوان والإنسان.
وهو سبحانه الذي أنزل من السماء ماءً، فأخرج به نبات كل شيء، وأخرج الأطفال من بطون الأمهات، ويخرج الناس من القبور يوم القيامة: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (٥٥)} [طه: ٥٥].
وهو سبحانه الذي أخرج كل شيء من الأقوال والأعمال والأشياء من العدم إلى الوجود وأخرج الكلام من اللسان، وأخرج المعاني من الألفاظ، وأخرج الثمار من الأشجار، وأخرج النور من الشمس والقمر والنجوم.
وهو سبحانه القوي القادر، الذي خلق السموات والأرض فكانتا رتقاً، ففتق السماء إلى سبع سموات جل جلاله، وفتق الأرض إلى سبع أرضين، وشق السماء بالمطر، وشق الأرض بالنبات، وجعل من الماء كل شيء حيّ: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (٣٠)}.
.
[الأنبياء: ٣٠].
وهو سبحانه الذي أنزل الماء من السماء إلى الأرض، فأنبت به الزروع والأشجار والثمار: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥)} [الحج: ٥].
وهو سبحانه الملك، الذي يملك النفع والضر، فكل نفع وضرر في الدنيا والآخرة بيده، والخلق لا يملكون من ذلك شيءاً إلا ما شاء الله لهم.
فكل شيء في قبضته سبحانه، وهو كائن بحكم تدبيره ومشيئته، وكل أثر في الأسباب خلقه رب الأسباب، خلق كل شيء فقدره تقديراً.
استودع سبحانه الأدوية والأغذية المنافع والمضار، واستودع الألم في الضرب وجميع المؤلمات، واستودع الشبع والري في ذوات المطعومات والمشروبات، وبيده سبحانه ملكوت كل شيء، فلا يصدر نفع أو ضر منها إلا عن إرادته وحكمته وخلقه.
فكل نفع يدر على العبد في الدنيا فهو من الله تعالى، وكل عبد صدر منه منفعة فهو مسخر من الله تعالى بها، وكذلك الضر، فالدنيا مقسمة بين نفع وضر، والآخرة كذلك، فالجنة نفع صاف، والنار ضر خالص.
وهو سبحانه الكريم الحكيم، الذي يعطي ويمنع، وهو الذي يملك المنع والعطاء وحده، وليس منعه بخلاً منه، ولكن منعه حكمة، وعطاؤه جود ورحمة، يعطي من هو أهل للعطاء، ويمنع من هو أهل للحرمان، وهو الحكيم العليم بعباده: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢)} [فاطر: ٢].
فحق على من علم أن الله هو المعطي والمانع وحده، أن يقطع من قلبه من الخلق المطامع، وأن يقف مع الله بقلب راض قانع، فإن أغناه صرف في طاعته غناه، وإن منعه علم أنه لم يمنعه من بخل ولا عدم، بل ليكون منعه معقباً له ما هو أشرف من الغنى.
وإن أعطاه أحد من الخلق رزقاً، فليرد ذلك إلى الواحد المعطي الحق، وإن منعه أحد من الناس فلا يرى المانع إلا الله، فيرى الله وحده بيده كل شيء، وما سواه ليس بيده شيء، وكل موجود مع القدرة الإلهية كالظل لا حكم له في الفعل، فلا إله إلا الله، الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
وهو سبحانه العزيز، الذي يعز من يشاء، ويذل من يشاء، فأعز أولياءه وأظهرهم على أعدائهم، وأحلهم دار الكرامة في الجنة، وأذل أهل الكفر في الدنيا بأن ضربهم بالرق والشقاء، والجزية والصغار، وفي الآخرة بالعقوبة والخلود في النار.
وهو سبحانه رفيع الدرجات، الذي يرفع الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات، الذي يخفض القسط ويرفعه، ويرفع قدر من شاء، ويضع قدر من شاء، الذي يرفع بالقرآن أقواماً، ويضع به آخرين، يرفع من شاء بإنعامه كما رفع الحق وحزبه، ويخفض من شاء بانتقامه كما خفض الباطل وحزبه.
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٦٠٩٩)، ومسلم برقم (٢٨٠٤) واللفظ له.
مختارات