اسم الله الجميل 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( الجميل ) :
1 – يتجلى الله به على بعض مخلوقاته باسم ( الجميل ) :
أيها الإخوة الأكارم ، لا زلنا مع اسم ( الجميل ) وهذا الاسم أيها الإخوة ، يتجلى الله به على بعض مخلوقاته ، فإذا هو جمال أخّاذ ، فالذي ينظر إلى الورود والرياحين والنباتات يأخذه العجب العجاب ، إن الله سبحانه وتعالى يتجلى على هذه المخلوقات باسم ( الجميل ) .
هناك عصافير لها ألوان أخاذة ، ومهندسو الألوان يقتبسون ألوانهم مِن خَلق الله عز وجل .
2 – الله عزوجل أصلُ الجمال :
أيها الإخوة ، ( الجميل ) هو الله عز وجل ، هو أصل الجمال ، فإذا منح الله العبد مسحةً من الجمال تعلق الخلقُ به ، فكيف بأصل الجمال ؟
لذلك جاء تعريف العبادة : " هي طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية " .
في الدين عنصر جمالي ، وفي الدين عنصر معرفي ، وفي الدين عنصر سلوكي ، وفي الدين عنصر جمالي .
بلا مبالغة ؛ لو شققت على قلب المؤمن لرأيت في قلبه من السعادة ما لو وزعت على أهل بلد لكفتهم .
في صحيح مسلم من حديث أَبِي مُوسَى قَالَ : قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ ، فَقَالَ : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ ، حِجَابُهُ النُّورُ ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ " [مسلم] .
وحينما قال الله عز وجل : " وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ " [القيامة:22-23] .
ورد في بعض الكتب أن أهل الجنة ينظرون إلى وجه الله الكريم فيغيبون خمسين ألف عام من نشوة النظرة .
3 – لماذا يعصي الإنسان ربَّه من أجل الجمال الدنيوي ؟
الذي ينبغي أن يكون واضحاً أن هذا الإنسان حينما يجهل حقيقة الواحد الديان ، حينما يجهل أسماء الله الحسنى ، وصفاته الفضلى ، حينما يغويه جمال بعض المخلوقات ، ويعصي الله من أجل جمال امرأة ، أو جمال قصر ، أو جمال مركبة ، أو جمال موقع ، فيظلم نفسه ، ويستحق اللعنة ، والبعد عن الله عز وجل ، يُخاطب : " وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً " .
" وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً " [البقرة:165] .
وكلمة القوة هنا واسعة جداً ، هناك قوة الجمال ، هناك قوة العلم ، هناك قوة المال ، صاحب المال قوي ، وصاحب العلم قوي ، والجميل قوي يأخذ جماله الألباب ، هؤلاء الذين عصوا ربهم ، وخسروا آخرتهم من أجل جمال مخلوق لو عرفوا أن هذا الجمال مسحة من جمال الله عز وجل ولو أنهم تعرفوا إلى الله لكانوا مع أصل الجمال .
4 – تجلِّي الله على المؤمنين سعادة لهم ولو فقدوا الدنيا :
هناك من يتوهم أنّ المؤمن فاتته مباهج الدنيا ، أن المؤمن باستقامته حرم نفسه أشياء كثيرة ، لكن العكس هو الصحيح ، فإن الله يتجلى على قلب المؤمن تجلياً ، سمّه إن شئت رحمة ، وسمه إن شئت سكينة ، هذا التجلي يسعده ولو فقد كل شيء ، ويشقى بفقده ولو ملك كل شيء .
أيعقل أن يكون الذي في بطن الحوت نبي كريم ، وهو يناجي ربه بقوله : " رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي " [القصص:176] .
فيتجلى الله عليه وينقذه ، وأن النبي عليه الصلاة والسلام كان في أسعد حالاته وهو في غار ثور ، وأن إبراهيم تجلى الله عليه وهو في النار ، هذه السعادة التي تلقى في قلب المؤمن يشقى بفقدها الإنسان ولو ملك كل شيء .
5 – الأغنياء الشاردون أشقياء ولو ملكوا الدنيا :
في نفس الإنسان فراغ لا يملؤه المال ، ولا يملؤه جمال الأرض ، الأقوياء والأغنياء يعيشون حياة ناعمة جداً ، بيوتهم قطعة من الجمال ، مركباتهم ، مائدتهم ، مَن حولهم ، ومع ذلك هم أشقى الخلق ، لأنهم ابتعدوا عن الله عز وجل ، وحينما تؤمن أن كل السعادة باتصالك بالله تسعد .
" أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ " [الرعد:28] .
وأن كل الشقاء بالبعد عنه .
" وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ " [طه:124-126] .
حينما تؤمن أن سعادتك المطلقة باتصالك بالله ، لأنه جميل ، لأن الجمال جزء أساسي في حياة الناس ، وأن الشقاء كل الشقاء في البعد عن الله : " وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ".
قال بعض العلماء : ـ دققوا ـ " ما بال الأقوياء والأغنياء هم أشقياء ؟ فجاء الجواب : نعم ، شقاءهم ليس في نقص المال ، ولكن في ضيق القلب " .
أحياناً يتجلى الله على قلب المؤمن باسم ( الجميل ) فهو في جنة ، من هنا قيل : " في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة " و " مساكين أهل الدنيا ، جاؤوا إلى الدنيا وغادروها ، ولم يذوقوا أطيب ما فيها " .
حينما ترى أناساً مجتمعين في ملهى اسأل نفسك سؤالاً عقائدياً : لماذا ؟ ما في هذا المكان ؟ فيه امرأة ، لعلها ترقص ، فيه مغنٍّ ، فيه طعام ، رأوا سعادتهم في هذا ، ولو كشف لهم لو أنهم إذا أقبلوا على الله كانوا في نشوة ما بعدها نشوة ، وفي سعادة ما بعدها سعادة ، لسفهوا أعمالهم ، ولاحتقروا ذواتهم .
إذاً : " حِجَابُهُ النُّورُ ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ "
لا شقاء في الدنيا مع معرفة الله :
أيها الإخوة ، قيل: حجبت الذات بالصفات ، وحجبت الصفات بالأفعال ، فما ظنك بجمال حجب بأوصاف الكمال ، وسُتِر بنعوت العظمة والجلال .
أنت تتعامل مع الله ، مع ذات كاملة ، مع قوي ، مع جميل ، مع غني ، مع قدير ، مع رحيم ، مع لطيف .
صدقوا أيها الإخوة ، مستحيل وألف ألف ألْف مستحيل أن يكون هناك شقاء في الدنيا مع معرفة الله ، لا يجتمعان أبداً ، ولا أقول : إن المؤمن إذا كان مع الله كان في بحبوحة ، قد يكون في يسر ، وقد يكون في عسر ، وقد يكون في فقر ، وقد يكون في مرض ، لكن لأنه مع الله فهو في سعادة لا توصف .
6 – جمالُ الله وكماله مطلق :
نحن في حياتنا قد نلتقي بإنسان عالم كبير ، أستاذ في الجامعة مثلاً ، لكن لا يرحم الطلاب ، يقسو عليهم ، يتفنن في إحراجهم في الامتحانات ، فالطلاب يكبرون علمه ، ولا يحبونه ، وقد تلتقي بإنسان تحبه كثيراً ، لكن لا تقدر علمه ، معلوماته محدودة جداً ، لكنه طيب جداً ، ففي حياة الإنسان إنسان يكبره ولا يحبه ، وإنسان يحبه ولا يكبره ، لكنك إذا أقبلت على الواحد الديان بقدر ما تعظمه تحبه ، بقدر ما تدهش بكماله ، وتدهش بجماله ، بقدر ما يرحمك بقدر ما ينتزع إعجابك .
فلذلك هذا المعنى ورد في قوله تعالى : " كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ " [الرحمن:26-27] .
قد يكون الشيء كبيراً وليس كاملاً ، و قد يكون كاملاً وليس كبيراً ، لكن الله سبحانه وتعالى في آية أخرى قال : " تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ " [الرحمن:78] .
إذاً : أيها الإخوة ، الإنسان إذا أقبل على الله وصل إلى كل شيء .
" ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء "
[ورد في الأثر] .
سعادة الدنيا غير متنامية ولا مستمرة :
حينما يختار الإنسان هدفاً محدوداً ، والإنسان في أصل تصميمه لا نهائي ، لا يملأ طموحه إلا الله ، فإذا اختار هدفاً أرضياً ؛ اختار المال ، يسعى إليه جاهداً ، فإذا حصله ، وأحاط به يكتشف حقيقة مُرّة ؛ أنه شيء ، و ليس كل شيء ، فإذا اقترب من مغادرة الدنيا يراه لا شيء .
قد يُقبل الإنسان على المرأة في مقتبل حياته ، إن كان شارداً عن الله يظنها كل شيء ، في منتصف حياته هي شيء ، وليست كل شيء ، في وقت مغادرة الدنيا يراها ليست بشيء .
سبحان الله ! ما من شيء في الدنيا يمكن أن يمد الإنسان بسعادة متنامية ، ولا بسعادة مستمرة ، بل بسعادة متناقصة ، والدليل : أن الإنسان قد يشتري بيتا يلفت النظر، بعد شهر أصبح كأي بيت عنده ، وقد يقتني مركبة من أعلى مستوى ، بعد حين تصبح هذه المركبة شيئاً عادياً ، كل ما يحيط بالإنسان من مظاهر الجمال المادي بعد حين هذا البريق يخبو ، وهذا الاهتمام يضعف، هذه الدهشة تقلّ إلا إذا أردت أن تعرف الله .
الأصل في الموضوع أنك تتمتع بنفس طموحة لا يملؤها إلا معرفة الله ، أما إذا اخترت هدفاً أرضياً فهذا الهدف ما إن تصل إليه حتى يبدأ الملل والسأم ، لذلك انظر إلى أهل الدنيا الناجحين في حياتهم ، بعد أن ينجحوا تصير حياتهم مملة ، لأن النجاح أصبح مألوفاً ، لكنهم إذا اختاروا الذات الكاملة ، إنهم إن اختاروا الله عز وجل فهم في شباب دائم .
أنا أؤكد لكم أن المؤمن في شباب دائم ، لسبب بسيط، لأنه اختار هدفاً يفوق كل إمكاناته ، لذلك ، إن أردت أن تعرف الله فأنت في طريق السعادة ، من هنا نؤمن أن المؤمن لا يشيخ أبداً ، بل هو شاب دائماً .
والله كان في الشام رجل من علماء دمشق ، بلغ السن السادسة والتسعين ، وكان منتصب القامة ، حاد البصر ، مرهف السمع ، أسنانه في فمه كاملة ، وكأنه شاب ، يُسأل من حين إلى آخر : يا سيدي ، ما هذا ؟ قال : " يا بني ، حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر ، من عاش تقياً عاش قوياً " .
7 – على المسلم أن يتجمَّل ماديًّا :
أيها الإخوة، النقطة الدقيقة : أن الإنسان ما موقفه من هذا الاسم ؟ لمَ لا يكون جميلاً في ثيابه ؟ في بيته ؟ إذا قلت : جميل ، فلا أقصد الفخامة ، ولا البذخ ، ولا الترف ولا الإسراف أبداً .
قد يكون في البيت مسحة جمالية ، بيت مريح ، المكتب التجاري فيه مسحة جمالية ، الدكان فيها مسحة جمالية ، الثياب فيها ألوان متناسقة ، لماذا ترى الجمال الصارخ في الطرف الآخر ، وفي بلاد أخرى ؟ وهم بعيدون عن الله بُعد الأرض عن السماء ، لماذا هناك الجمال ، وعندنا الإهمال ؟ هذه مشكلة كبيرة، يجب على المؤمن أن يتجمل .
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَنَا : " إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ وَلِبَاسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا فِي النَّاسِ كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلَا التَّفَحُّشَ " [أخرجه أحمد] . المؤمن نظيف ، وذو أذواق عالية في حياته ، والأذواق العالية تجذب الناس إليه ، أما إذا أهمل ثيابه ، أهمل مركبته ، أهمل بيته ، أهمل دكانه يفرُّ الناس منه .
أحيانا تدخل إلى دكان صاحبها مؤمن ، فترى النظافة ، والترتيب ، والنظام ، فتؤخذ به ، وأحيانا تجد إنسانا مقصرا ، في دكانه فوضى ، وغبار ، وإهمال ، هذا شيء منفّر ، وأهل الدنيا اكتشفوا هذه الحقيقية ، فتأنقوا في حياتهم ، وتأنقوا في نظام حياتهم ، هذا التأنق وهذا الجمال في حياتهم يجذب الناس إليهم ، تذهب إلى بلاد بعيدة فترى عناية بجمال البلاد منقطعة النظير .
مرة سافرت إلى بلد ، سرت مسافة طويلة جداً لم أرَ إلا اللون الأخضر ، الطرقات منظمة ، محددة، الشاخصات ، اللافتات ، الحدائق ، أنا أقول : الإنسان بحاجة ماسة إلى الجمال ، وهذا مودع في أصل فطرة الإنسان ، فإذا لبّى هذه الحاجة ، وتخلق بكمالات الله سعد في دنياه .
" إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ " [رواه مسلم عن ابن مسعود] .
تغدو حياتنا جميلة ، تغدو حياتنا براقة ، ما الذي يمنع أن نعتني بمساجدنا ؟ بنظافة مساجدنا ، بأناقة مساجدنا ، ما الذي يمنع أن نعتني ببيوتنا ؟ .
والله مرة دخلت إلى بيت متواضع بشكل لا يوصف ، بيت عربي ، لكن لا تجد فيه خطأ جمالياً ، لا شيء فيه يمكن أن تنتقده ، مع أنه بيت متواضع جداً ، أنا أرى أنك إذا اعتنيت بدنياك عناية تجذب الناس إليك فهذا جزء من الدين ، النبي كان كذلك عليه الصلاة والسلام كان نظيفا ، كانت ثيابه حسنة ، يتعطر دائماً .
8 – الدعاء باسم ( الجميل ) :
فلذلك أيها الإخوة ، يمكن أن تدعو الله بهذا الاسم ، ألم يقل الله عز وجل : " وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " [الأعراف:180] .
وفي بعض أدعية النبي عليه الصلاة والسلام : عن عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : صَلَّى بِنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ صَلَاةً فَأَوْجَزَ فِيهَا ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ : لَقَدْ خَفَّفْتَ ،أَوْ أَوْجَزْتَ الصَّلَاةَ ، فَقَالَ : أَمَّا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ دَعَوْتُ فِيهَا بِدَعَوَاتٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا قَامَ تَبِعَهُ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ ، هُوَ أُبَيٌّ ، غَيْرَ أَنَّهُ كَنَى عَنْ نَفْسِهِ ، فَسَأَلَهُ عَنْ الدُّعَاءِ ، ثُمَّ جَاءَ فَأَخْبَرَ بِهِ الْقَوْمَ : " اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي ، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي ، اللَّهُمَّ وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ ، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ " [النسائي، أحمد] .
هذا من أدعية النبي .
" اللهم أغنني بالعلم ، وزيني بالحلم ، وجملني بالتقو ى، وأكرمني بالعافية " [الجامع الصغير عن ابن عمر بسند فيه ضعف] .
هذه أدعية النبي عليه الصلاة والسلام .
أنا لا أستطيع أن أبتعد عن الواقع ، الحاجة إلى الجمال مودعة في كل إنسان ، فإن لبّاها وفق منهج الله كانت حياته كاملة ، وإن أهملها يشقى .
ليس هذا هو الجمال المطلوب :
أحياناً تتألم ألماً شديداً ، تزور قرية مسلمة فترى فيها إهمالا ، فيها فوضى ، فيها مناظر مخرشة للعين ، وأحياناً تزور بلدة أخرى غير مسلمة ترى فيها الأناقة في البيوت ، الورود على الشرفات ، الطرقات النظيفة ، الحدائق الغناء ، شيء يلفت النظر ، ويؤلم أشد الألم ، من قال : إن الجمال وقفٌ على هؤلاء ؟ الإسلام جميل ، وربنا جميل ، ويحب الجمال ، لكن سبحان الله ! الإنسان أحياناً يفهم من هذا الموضوع شيئًا آخر ما أراده الله ، يفهم أن يتعلق بالمرأة ، يقول لك : " إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ "
يطلق بصره في الحرام ، ويخالف الواحد الديان ويقول : " إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ " .
ليس هذا هو المعنى .
المعاني الحسية والأخلاقية والأدبية للجمال :
الجمال له معانٍ لا تنتهي ، ولاسيما أن الجمال له معانٍ حسية ، وله معان أخلاقية ، والله موقف أخلاقي تذكره ، وكأنك تستمتع بالجمال ، هناك مواقف أخلاقية ، مواقف الوفاء ، مواقف الرحمة ، مواقف التواضع ، مواقف العفو ، مواقف الإنصاف ، الجمال كلمة واسعة جداً ، وعندنا فعل جميل ، وعندنا إنسان قوي ، ومتواضع ، عندنا إنسان غني وسخي ، عندنا إنسان متفوق في علمه ، ومع ذلك يحبه مَن حوله ، فالجمال معناه واسع جداً .
لعلي أقول : إن أقلّه الجمال الحسي ، لكن اتساع المفهوم يشمل كل شيء ، فهناك كلمة جميلة ، الأدب أدب ، الأدب فن .
مثلاً قال أحدهم : تكاثرت عليّ المصائب ، هذا كلام ، لكن غيره قال :
رماني الدهر بالأرزاء حتى كأني في غشاء مـن نبـال
فصرت إذا أصابتني سهام تكسرت النصال على النصال
***
هذا أدب ، فالكلمة الجميلة أدب ، والحركة الجميلة رشاقة ، والصوت الجميل نغم ، فالجمال واسع جداً يشمل كل حياتنا ، وفي جوانب منها كثيرة جداً مباح ، بل مطلوب .
" فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ " [الترمذي وأبو داود] .
هذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام .
أنا أتمنى أن يكون في حياتنا مسحة من الجمال ، لأننا مسلمون ، ولا ينبغي أن يوازن بين مسلم بيته مضطرب ، فيه مناظر مؤذية ، وبين غير مسلم فيه أناقة في بيته ، كلما ذكرت الأناقة والجمال لا أقصد المال إطلاقاً ، قد تكون أفقر الناس ، لكن هناك أذواق ، هناك تناسب ألوان ، هناك طلاء رخيص ، لكن الطلاء يملأ القلب بهجة .
أحيانا يسكن إنسان في بيت من دون طلاء ، المناظر مؤذية ، منظر الإسمنت مؤذٍ ، لو طلاه بطلاء رخيص أبيض ، بلون سماوي ، أو لون زهري ، يشعر براحة ، الآن علم الألوان له علاقة بسلوك الإنسان ، وهناك مكان ينتحر فيه الغربيون ، طلوه باللون الأخضر فخفت نسبة الانتحار .
انظر إلى السماء الزرقاء ، والحقول الخضراء ، ألوان مريحة جداً ، الله جميل ، انظر إلى العصافير ، والله فيها ألوان تأخذ بالألباب ، انظر إلى الفراشات ، انظر إلى الحقول ، انظر إلى الفواكه ، دعك أنها فاكهة تؤكل ، لها منظر رائع جداً .
اسم ( الجميل ) تجلى على هذا فكان جميلاً ، يجب أن تكون حياتك جميلة ، في بيتك ، في عملك ، في هندامك ، في مركبتك ، والنظافة أصل في الجمال ، وتناسب الألوان أصل في الجمال ، ورقة العبارة أصل في الجمال .
كان سيدنا عمر إذا مر على أناس يشعلون النار ، يقول : السلام عليكم ، يا أهل الضوء ، ولم يقل : السلام عليكم يا أصحاب النار .
في اللغة عبارات جميلة جداً فيها ذكاء ، فيها لطف .
جاءت امرأة تشكو زوجها إلى سيدنا عمر ، متألمة جداً منه ، أهملها إهمالاً كلياً ، قالت : يا أمير المؤمنين ، إن زوجي صوام قوام ، ما انتبه سيدنا عمر ، قال لها : " بارك الله لكِ بزوجك ، سيدنا علي قال له : لا ، إنها تشكو زوجها " انظر إلى الأدب ، وهي تشكو زوجها .
والله في أقوال الصحابة أدب ، أنا أساساً أرفض أن تقول : لا حياء في الدين ، الدين كله حياء .
" وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ " [المعارج:29 -31] كل أنواع الانحراف الجنسي دخلت في هذه الآية " فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ " [المعارج:31] .
لذلك الكلمة الجميلة ، والثياب جميلة ، والبيت جميل ، والمحل التجاري جميل ، والحركة جميلة ، و جلسة وراء مقود السيارة فيها أدب ، وفيها جمال ، وهناك جلسة فيها غطرسة .
" إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ "
خاتمة :
وأتمنى أن يكون الجمال جزاءً أساسياً في حياتنا ، تنظيم البيت يريح ، وقالوا : الجمال في البساطة ، فقد ترى مركبة أحياناً كلها زينات ، وكلها تعليقات ، وكلها كلمات ، شيء منفر ، دعها طبيعية ، المركبة أجمل بكثير .
فنحن بحاجة إلى الجمال ، لأن حياتنا كلها دم ، وكلها قهر ، وكلها قتل ، وكلها تدمير ، وكلها خراب ، هذه مشكلة كبيرة ، والله أتمنى عليكم ألا تسمحوا لأولادكم بمتابعة الأخبار من شدة ما تترك هذه الأخبار من انعكاسات سيئة في نفوس الصغار .