الصفة الخامسة من صفات المؤمنين حفظ الفروج
إن من صفات المؤمنين المفلحين: حفظ الفروج من اللواط والزنا، ونحو ذلك، وقد أخبر الله -تعالى- في كتابه أن حفظ الفروج من صفات المؤمنين المفلحين، الذين يرثون الفردوس ويخلدون فيها، فقال -تعالى-: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ثم قال -تعالى-: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.
وأثنى -سبحانه- في سورة " سأل " على المؤمنين في اتصافهم بأوصاف منها حفظ فروجهم، وأخبر أنهم يدخلون الجنات يكرمون فيها بالنعيم، فقال: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ثم قال: أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ.
وبين الله في كتابه أن حفظ الفروج لا يلزم المؤمنين عن نسائهم الذين ملكوا الاستمتاع بهن بالزواج، أو بملك اليمين وهو التمتع السراري، وبين أن من لم يحفظ فرجه عن زوجته أو سريّته لا لوم عليه، وأن من ابتغى تمتعًا بفرجه وراء ذلك غير الأزواج والمملوكات، فهو من المعتدين المتعدّين حدود الله، المجاوزين ما أحله الله إلى ما حرمه، فقال -تعالى- في سورتين من كتابه: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ.
إن الزنا ليس من صفة المؤمنين ؛ لأنه ينافي حفظ الفروج الذي أخبر الله أنه من صفة المؤمنين المفلحين، ولذلك حرمه الإسلام، ونهى الله عباده عنه وعن مقاربته، ومخالطة أسبابه ودواعيه، وبين أنه فاحشة، وأنه بئس طريقًا ومسلكًا، فقال -تعالى-: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا.
وسماه الله فاحشة أي: إثما يستفحش في الشرع والعقل والفطر، وما ذاك إلا لتضمنه التجري على الحرمات في حق الله، وفي حق المرأة، وفي حق أهلها، أو زوجها، وإفساد الفراش، واختلاط الأنساب وغير ذلك من المفاسد، ولذلك يقول سبحانه: وَسَاءَ سَبِيلًا أي: بئس السبيل سبيل من تجرأ على هذا الذنب العظيم.
ولقبح هذا الذنب وعظمه وشناعته وبشاعته قرنه الله بالشرك وقتل النفس، وأثنى على عباده في بعدهم عن هذه القبائح الثلاث: الشرك والقتل والزنا، وتوعد من فعل ذلك بالحصول على الإثم ومضاعفة العذاب، فقال في سورة الفرقان: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ الآية.
إن جريمة الزنا تنافي هذه الصفة الحميدة؛ لأن الزنا رذيلة تدنس عرض صاحبها، وعرض من قارفها ومازجها، ولذلك حرّم الله على المؤمن أن ينكح زانية، وعلى المؤمنة أن تنكح زانيًا، إلا أن يتوبوا، قال -تعالى-: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ؛ إذ الظالم يحشر مع زوجه، كما قال -تعالى-: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ أي: قرناءهم، ومقارنة الزوج لزوجته، والزوجة لزوجها أشد الاقترانات والازدواجات.
فحرم الله الزنا لما فيه من الشر العظيم، وفيه من قلة الغيرة، وإلحاق الأولاد الذين ليسوا من الزوج، وكون الزاني لا يعفَّها بسبب اشتغاله بغيرها، وبعض هذا كاف في التحريم، وقد نفى الله الإيمان عن الزاني في قوله -تعالى-: وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أي: حرم نكاح الزاني والزانية، فلو كان مؤمنا بالله حقا لم يقدم على ذلك، وفي هذا دليل على أن الزاني ليس مؤمنا حقًا.
ويؤيد هذا الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنه قال: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن.
فالزاني وإن لم يكن مشركا، لكنه لا يطلق عليه اسم المدح الذي هو الإيمان المطلق.
والزنا من أعظم الذنوب وأفحشها فهو من الكبائر العظيمة، وفي الحديث: ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له.
وقد عالج الإسلام نزعة حب الزنا، والتطلع إليه بتصور الإنسان المتطلع إليه لكراهته للزنا لو وقع على إحدى محارمه، فعن أبي أمامة -رضي الله عنه-: أن فتى شابا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال: أُدنه، فدنا منه قريبا، فقال: اجلس، فجلس فقال: أتَحبّه لأمك، قال: لا والله -جعلني الله فداك-، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله -جعلني الله فداك-، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله -جعلني الله فداك-، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك، قال: لا والله -جعلني الله فداك-، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله -جعلني الله فداك-، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وأحصن فرجه، قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء.
وقد عظم الله أمر الزنا فأمر بجلد الزاني، كما جاءت السنة برجم الزاني إذا كان محصنا، فإن الزاني لا يخلو: إما أن يكون بكرًا وهو الذي لم يتزوج، أو محصنًا وهو الذي قد وطئ في نكاح صحيح، وهو حر بالغ عاقل، فإن كان الزاني بكرًا لم يتزوج، فإن حده مائة جلدة، كما قال -تعالى-: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ.
ويزاد على ذلك أن يغرّب عاما، وإن كان الزاني محصنًا فإنه يرجم بالحجارة حتى يموت، كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني في الأعرابيين الذين أتيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال أحدهما يا رسول الله إن ابني هذا كان عسيفا - يعني أجيرا - على هذا، فزنا بامرأته فافتديت ابني منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم رد عليك، وعلى ابنك مائة جلدة وتغريب عام، وَاغْدُ يا أُنيس - لرجل من أسلم - إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، فغدا عليها فاعترفت فرجمها.
وفي هذا دلالة على تغريب الزاني مع جلد مائة إن كان بكرًا لم يتزوج، وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خذوا عني، خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلًا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم.
وقد رجم النبي -صلى الله عليه وسلم- ماعزًا والغامدية وقد أمر الله بإقامة الحد على الزانيين، ونهانا أن تأخذنا بهما رأفة في دين الله تمنعنا من إقامة الحد عليهما، وبين أن الإيمان موجب لانتفاء هذه الرأفة المانعة من إقامة أمر الله، وأمر أن يحضر عذاب الزانيين جماعة من المؤمنين ليشتهر ويحصل بذلك الخزي والارتداع؛ إذ أن ذلك أبلغ في زجرهما، وأنجع في ردعهما. فإن في ذلك تقريعًا وتوبيخًا وفضيحة، إذا كان الناس حضورًا قال -تعالى-: وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
أسأله -سبحانه- أن يوفقنا لحفظ فروجنا عما حرم الله -تعالى-، لنكون في عداد المؤمنين المفلحين المودعين بالكرامة والخلود في الفردوس، إنه على كل شيء قدير.
إن الله أثنى على المؤمنين في حفظهم لفروجهم، ومن أعظم ما يضاد هذه الصفة وينافيها الزنا، لما فيه من المفاسد والشرور والآثام والجنايات العظيمة الكثيرة منها:
1- الزنا جريمة خلقية تهدم الأخلاق الفاضلة، وتقضي عليها.
2- الزنا جريمة تذهب الغيرة الدينية.
3- الزنا جريمة تذهب بالحياء وماء الوجه.
4- الزنا جريمة مستفحشة شرعًا وعقلًا وفطرة.
5- الزنا تجرُّؤ على حرمات الله، واعتداء على حقوقه.
6- الزنا جناية على الزوج وانتهاك لحرمته.
7- الزنا جناية على الزوجة لما فيه من إلصاق العار بها، وعدم إعفاف الزاني لها.
8- الزنا فيه إفساد لفراش الزوج.
9- الزنا جناية على الإسلام لما فيه من الاستخفاف به، وإيجاد أولاد غير شرعيين.
10- الزنا جناية على المسلمين لما فيه من إيجاد البغضاء والأحقاد وزرعها فيما بينهم، ولما فيه من اختلاط الأنساب.
11- الزنا جناية على أهل الزوجة لما فيه من لحوق العار بهم.
12- الزنا جناية على أقارب الزوج لما فيه من تشويه سمعتهم وخدش كرامتهم، ومن أجل هذه الشرور والآثام والجنايات حرَّم الإسلام فاحشة الزنا، وتوعد صاحبها بوعيد شديد في الآخرة وعاقبه في الدنيا بأشد عقوبة وأعظمها، حيث أمر بقتله أشنع قتلة إن كان محصنًا، وذلك بأن يرجم بالحجارة حتى يموت ليصل الألم إلى كل جزء من أجزائه، كما وصلت اللذة المحرمة إلى جميع أجزائه، والله حكيم عليم.
ونفى الله الإيمان عن الزاني على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم- لما قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن.
فجدير بالمسلم أن يبتعد عن فاحشة الزنا، وقد علم ما يترتب عليها من الشرور والآثام، وأنها من كبائر الذنوب العظام ليسلم من العقوبة في الدنيا، والوعيد الشديد في الآخرة، وليحصل على الوعد الكريم من الله لمن اجتنب الكبائر في قوله -تعالى-: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا.
وإن مما ينافي حفظ الفرج ويضادّه أيضا، اللواط؛ تلك الجريمة الأخلاقية المستبشعة في الفطر السليمة، فضلًا عن العقول والشرائع، بل إن البهائم العجماوات تأنف منها، وتنفر بطبعها من اقترافها فضلًا عن الإنسان الذي ميّزه الله وكرمه وفضله على كثير من مخلوقات الله، فضلًا عن المسلم الذي له مبدأ وعقيدة ومُثُل وأخلاق يعتز بها، ويشرُف بتطبيقها، والعمل بها، فقد شرفه بالإسلام والإيمان.
ولقد مدح الله المؤمنين وأثنى عليهم باتصافهم بحفظ فروجهم، وإن جريمة اللواط تضاد هذه الصفة، وتناقضها تمام المناقضة، تلك الجريمة الخلقية الشنعاء التي تأنفها الطباع السليمة والفطر المستقيمة والعقول الصحيحة، وجاءت الشرائع بتحريمها وبتشنيعها، موافقة للعقول والفطر، فإن العقل الصريح موافق للنقل الصحيح.
ولم تعرف هذه الجريمة قبل قوم لوط مبتدعي اللواطة، فهم الذين ابتكروها وابتدعوها وسنّوها لمن بعدهم، وذلك شيء لم تكن بنو آدم تعهده ولا تألفه، ولا يخطر ببال أحد، حتى صنع ذلك أهل سدوم - قوم لوط - عليهم لعائن الله.
قال الوليد بن عبد الملك باني جامع دمشق لولا أن الله عز وجل قصَّ علينا خبر قوم لوط ما ظننت أن ذكرًا يعلو ذكرًا، ولهذا قال لهم نبيهم لوط -عليه الصلاة والسلام-: أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ.
فجريمة اللواط فاحشة بلغت في العظم والشناعة إلى أن استغرقت أنواع الفحش، وسماها الله إسرافًا؛ لأن هؤلاء الخبثاء عدلوا عن النساء اللاتي خلقهن الله للرجال، وهذا إسراف وجهل، ووضع للشيء في غير موضعه؛ إذ النساء فيهن المستمتع الموافق للشهوة والفطرة.
ولهذا عاقب الله قوم لوط عقوبة شديدة، لم يعاقب بها أمة غيرهم، وما ذاك إلا لشناعتها وبشاعتها وفحشها المتناهي، فإن الله عذبهم بأنواع من العذاب، فجمع لهم بين الرفع والقلب والقذف، فرفع الله قرى اللواطة، ثم قلبها عليهم، ثم أتبعوا بالحجارة قال -تعالى-: فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ.
وقد توعد الله -سبحانه- من يفعل هذه الفعلة بقوله: وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ والمعنى: وما هذه النقمة - وهي الحجارة التي أمطرت على قوم لوط - ببعيد ممن تشبّه بهم في ظلمهم، وفعل مثل فعلهم.
ولهذا ذهب الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- إلى أن اللوطي يُلقى من شاهق، ويُتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط.
وذهب الإمام الشافعي وجماعة من العلماء إلى أن اللوطي يقتل سواء كان محصنا أو غير محصن، عملا بحديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به.
وذهب آخرون إلى أن اللوطي كالزاني؛ فإن كان محصنا رجم، وإلا جلد مائة جلدة وغرّب عامًا.
وجريمة اللواط فيها من المفاسد والمضار الخلقية والدينية والفطرية ما يكفي بعضها لتحريمها، وبعد العاقل عنها، فضلا عن المسلم ذي الخلق والمبدأ والعقيدة؛ فهذه الجريمة النكراء تنطوي تحتها أمور عظيمة منها:
1- أن جريمة اللواط فاحشة عظمى من أعظم أنواع الفواحش، فارتكابها وقوع في فحش عظيم.
2- أن مرتكبها متجرؤ على حرمات الله، متعرِّض لسخطه وأليم عقابه.
3- أن جريمة اللواط من أعظم كبائر الذنوب، ومرتكب الكبائر على خطر عظيم قد توعده الله بالعقوبة والعذاب والهوان.
4- أن ارتكاب هذه الجريمة هدم للأخلاق الفاضلة.
5- أن مرتكبها قد ذهب عنه الحياء وماء الوجه.
6- أن مرتكب جريمة اللواط قد دنّس عرضه، وشوّه سمعته.
7- أن مرتكب جريمة اللواط جاني على الإسلام وعلى حرماته.
8- أن مرتكب جريمة اللواط جنى على المجتمع الإسلامي بإشاعة الفاحشة، وإفساد الأخلاق.
9- أن مرتكب هذه الجريمة جانٍ على أقاربه بتشويه سمعتهم، وإلحاق العار بهم.
10- أن مرتكب هذه الجريمة جان على أقارب المفعول به أيضا، بتشويه سمعتهم وخدش كرامتهم، وإلصاق العار بهم.
11- أن جريمة اللواط شذوذ في الأخلاق، وخروج عن مألوف الإنسانية، بل الحيوانية؛ إذ أن كثيرا من الحيوانات تأنفها وتأباها.
12- أن مرتكب جريمة اللواط قد انتكست فطرته، وعميت بصيرته.
أيها المسلم: جدير بك وقد أنعم الله عليك بنعمة الإسلام، أن تحذر كل الحذر من الوقوع في هذه الفاحشة المستخبثة شرعًا وعقلًا وفطرة، وأن تبتعد عن الأسباب الموصلة إليها، فإنها شنعاء إنها جريمة نكراء، إنها فساد في الأخلاق، إنها دعارة، إنها فساد في التصوّر، إنها انحراف في الفطرة، إنها خروج عن المألوف، إنها وضع للشيء في غير موضعه، إنها قذارة، إنها قضاء على المروءة، إنها قضاء على الشهامة، إنها إذهاب للرجولة، إنها ذهاب للحياء، إنها قضاء على الاحتشام والستر، إنها تزعزع العقيدة الإسلامية، وتضعفها، وقد تقضي عليها، إنها تميت الغيرة الدينية.
فاحذرها -أيها المسلم- ابتعد عنها لا تقربها، لا تفكر فيها ابتعد عن أسبابها لتسلم من الويلات والمصائب التي تجرّها، ولتكون في عداد الحافظين لفروجهم، والحافظات الذين أعد الله لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا. جعلنا الله منهم بمنه وكرمه، إنه جواد كريم.
وإن مما ينافي هذه الصفة الحميدة أيضا - حفظ الفروج - ويضادها: ما يسمى بالعادة السرية، التي بُلي بها بعض الناس، والعادة السرّية عبارة عن الاستمناء باليد، أو بمعنى أعم: هي عبارة عن استدعاء خروج المني، سواء كان باليد أم بغيرها، وتعرف عند العلماء -بجلد عميرة- وعميرة كناية عن الذكر، ويقال لها: الخضخضة، وهي حرام عند جمهور العلماء مطلقًا، وقد دل الكتاب والسنة على تحريم العادة السرّية، وذلك لما يترتب عليها من الأضرار الجسمية والعقلية والدينية.
فمن أدلة تحريمها من الكتاب: قوله -تعالى- في سورتين من كتابه: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ.
ووجه الاستدلال: أن الله أثنى على الحافظين لفروجهم، واستثنى التمتع بالزوجة وملك اليمين، فمن تجاوزهما فقد اعتدى وتجاوز الحد فهو ملوم ومذموم، والتلذذ عن طريق العادة السرية سواء كان باليد، أم بغيرها خارج عن هذين القسمين، فالمتلذذ بذلك من العادين بنصّ هاتين الآيتين الكريمتين.
من الأدلة -أيضا- قوله -تعالى-: وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ ومن الأدلة قوله -تعالى-: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فقد أمر الله العاجز عن الزواج بالاستعفاف. وفعل العادة السرية يضاد الاستعفاف.
ومن أدلة تحريم العادة السرية من السنة ما ثبت في الصحيحين من قوله -عليه الصلاة والسلام-: يا معشر الشباب من استطاع الباءة منكم فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء.
فأرشد -عليه الصلاة والسلام- العاجز عن الزواج إلى الصوم. وعدل عن الإرشاد إلى فعل العادة السرية، فدل على تحريمها، ولو كانت جائزة لبيّنها؛ إذ المقام يقتضيها، والقاعدة الأصولية تقول: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
ومن الأدلة أيضا: حديث أنس بن مالك: سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا يجمعهم مع العالمين، ويدخلهم النار أول الداخلين إلا أن يتوبوا ومن تاب تاب الله عليه: الناكح يده، والفاعل والمفعول به، ومدمني الخمر، والضارب والديه حتى يستغيثا، والمؤذي جيرانه حتى يلعنوه، والناكح حليلة جاره.
فقد توعّد الناكح يده بوعيد شديد، مما يدل على تحريم فعل العادة السرية، وإن كان هذا الحديث في إسناده من لا يعرف لجهالة، إلا أنه يستأنس به فينضم إلى الأدلة السابقة.
قال بعض العلماء إنها كالفاعل بنفسه، وهي معصية أحدثها الشيطان، وأجرها بين الناس حتى صارت قيله، ويا ليتها لم تقل، ولو قام الدليل على جوازها لكان ذو المروءة يعرض عنها لدناءتها، فإنها عار بالرجل الدنيء، فكيف بالرجل الكبير، هذه العادة السرّية يترتب على فعلها مضار جسيمة وعقليه ودينية، فمن المضار الجسمية:
1- أنها تضعف البصر.
2- تضعف عضو التناسل.
3- تحدث ارتخاء جزئيا أو كليا.
4- توقف نمو الأعضاء الإحليل والخصيتين.
5- تورث التهابًا منويا في الخصيتين، فيصير صاحبه سريع الإنزال.
6- تورث ألمًا في فقار الظهر في الصلب الذي يخرج منه المني.
7- تورث رعشة في بعض الأعضاء كالرجلين.
ومن المضار العقلية أنها تضعف القوة المدركة، مما يؤدي إلى البله، وقد تؤدي إلى الخبل في العقل.
ومن المضار الدينية: أنها تضعف النسل الذي حث الإسلام على الإكثار منه، ومن ذلك قوله -عليه الصلاة والسلام-: تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة.
فجدير بالمسلم وقد علم مضار هذه العادة السيئة أن يجتنبها ويبتعد عنها، وكلُّ ما فيه ضرر فالإسلام يمنعه وينفيه، ومن ذلك قوله -عليه الصلاة والسلام-: لا ضرر ولا ضرار.
فالحديث يدل على المنع من كل ما يضر وتحريمه، فتدخل العادة السرّية في عموم الحديث؛ لأنه ثبت ضرارها جسميًا وعقليًا ودينيًا.
فاحذر -أيها المسلم- من استعمالها لتكون في عداد الحافظين لفروجهم والحافظات، فتحصل على الوعد الكريم الذي وعدهم الله به، وابتعد عن كل الأسباب التي تؤدي إلى الإخلال بهذه الصفة " حفظ الفروج " فاحفظ سمعك وبصرك ويدك ورجلك عن الحرام؛ فلا تنظر إلى ما حرم الله من النساء والمصورات الخليعة، ولا تسمع اللغو والهذيان والغزل المؤدي إلى هتك حفظ الفروج، ولا تمسّ بيدك ما حرم الله عليك من النساء وغيرها، ولا تمش برجلك إلى ريبة، ولا تتمنَّ ولا تهوى ما حرمه الله عليك، فكل ذلكم وسائل تؤدي إلى هتك حفظ الفروج.
وفي الحديث: كُتب على بني آدم حظه من الزنا فمدرك ذلك لا محالة؛ فالعين تزني وزناها النظر، والأذن تزني وزناها، واليد تزني وزناها البطش، والرجل تزني وزناها المشي، والقلب يهوى ويتمنى، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه.
ونسأل الله أن يجعلنا في عداد الحافظين فروجهم والحافظات، إنه على كل شيء قدير.
مختارات