الطعانون
أحدهم وضع مقطعاً في إحدى القروبات لفتوى عالم جليل.. ويبدو أن الفتوى لم ترق لذائقته ! فعلّق عليها كاتباً: علماء آخر زمن !
هكذا.. تُختصر المسألة..
يكفي لنقد عالِم بذل عمره ووقته وصحّته في العلم طلبا وتأليفا ودرسا ونشراً.. أن تقول عنه: علماء آخر زمن..
والحقيقة أن حرباً شعواء، ومعركة حامية تدار من جهات مشبوهة، موجّهة لورثة الأنبياء، الذين جاءت النصوص بالثناء عليهم، وتعظيم شأنهم، ركب هذه الموجة الفئام:
بعضهم عن خبث.. والأكثر عن جهل !
حتى بات الطعن في من أمرنا بسؤالهم وتوقيرهم موضة، وثقافة عامّة، وأمارة وعي..
ولهذا التشويه والطعن مظاهر.. سوف نستعرض بعض ما يتعلّق بجانب اللمز والطعن وتشويه السمعة..
▫بعضهم يكفيه ليشوّه سمعة العالم أن يقول: هذا عالم سُلطة.. أو عالم دولة !
يريد بذلك التشكيك في حياديّة فتاوى هذا العالم أو ذاك..
ويكفي لإثبات هذه الدعوى صورة تجمع العالم بمسؤول.. أو فتوى ظاهرها يتّسق مع توجّه رسمي..
فانظر في أغلب الطعون التي من هذا النوع، وستجدها بهذه الكيفيّة..
ثم كأنه يحرم على العالم أن يخالط المسؤول ناصحاً ومؤيدا وموجّهاً ؟..
فكم ردّ الله شرّا وأيد خيرا بعالم له مكانة عند أمير أو مسؤول..
▫وهناك من يلمز العالم بأنه من علماء: الحيض والنفاس ! وكأن أحاديث أحكام المرأة لم تروَ عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟
والقضيّة لا تعدو كونها شتيمة في لباس نقد.. ولمز في مظهر عتب..
وانظر إلى قدر الوقاحة التي تتضمنها هذه الشتيمة.. فلم يختاروا من أبواب الفقه وفصوله إلا هذه الأبواب التي تشاكل ما تنطوي عليه بعض القلوب من حقد وحسد..
▫وهناك من يسقط مكانة العالم بزعمه أن العالم سكت عن المنكر الفلاني، فلم ينه ولم يأمر..
ولا يدري هذا أن ذهاب هيبة العالم منكر يجب النهي عنه..
ولعلّ ذاك المنكر الذي أغضبه لا يقارب في جرمه منكر إسقاط عالم من أعين العامة لا يدرون بعده من يسألون عن قضايا دينهم..
ثم ما يدري هذا الناقد لعلّ العالم أمر ونهى من طريق لم يعلمه ! فليس شرطا أن يخبر العالم كل الناس بكل ما يفعله من شؤون العلم والحسبة..
▫والبعض يساهم في إسقاط ورثة الأنبياء بالطعن في مستواهم العلمي !
وهذا جهل بل جهلان !
فكيف يعرف مستوى علم العالم من هو دونه في العلم ؟
ثم ما هي المصلحة الدينية الكامنة وراء تزهيد الناس في علم طيب مبارك.. لأن صاحبه لم يتمكن من تحصيل قدر زائد عليه ؟
مع أن علم هذا العالم - إن افترضنا تواضعه - أعظم بكثير مما يحتاج إليه العوام في شؤون دينهم.. فلماذا التزهيد والتنفير ؟ مع أن هذا اللمز بقلّة العلم غالبه كذب ومَين.. وشتيمة في مسلاخ نصيحة..
▫والبعض يطعن في العالم لأنّه لم يتعرّض للبلاء في الدين !
والبلاء في عُرف هذا الطعّان مختصر في السَّجن ! فمن لم يسجن لم يذق البلاء !
وهذا كلام يستحق أن يضحك منه لا أن يردّ عليه !
فمتى كان الناس يبتلون في بلاءاتهم ؟ ويمتحنون في امتحان الله لهم ؟
ثم من الذي اقتصر البلاء في السجن ؟
البلاء منه السجن ومنه المرض ومنه الفقر ومنه قلة الطلبة ومنه الهم والحزن ومنه موت الأحباب في أشكال لا حصر لها.. فكيف يختصر البلاء في مظهر واحد ؟
ثم من الذي ربط صحة أخذ العلم ببلاء يقع على المعلّم ؟ كل هذا من المضحكات..
▫وبعضهم يفري لحوم العلماء بحجة: هم رجال ونحن رجال.. ولا رهبانية في الإسلام..
وهذا حق: فالعالم رجل ولكنه تعلّم ودرس واجتهد.. والجاهل رجل صَرَفَته عن العلم الصوارف.. فكيف يحكم (رجل) جاهل على (رجل) عالم بحجة اجتماع الرجولة في كلٍّ ؟
والإسلام ليس فيه رهبانية التقديس نعم.. ولكن أيضا ليس فيه وقاحة التقزيم والتطاول على الأكابر..
قد جعل الله لكل شيء قدرا..
فليس السائل عن: متى يفطر الصائم لو لم تغب الشمس في جهله.. كأبي حنيفة في علمه وفهمه.. لأنهما رجلان..
هذه أشهر الملامز والقدوحات الظالمة على ورثة الأنبياء.. والمقصود بيانها وكشفها، لا تفنيدها وتفصيل أوجه تطاولها..
نسأل الله أن يجعل ألسنتنا وأقلامنا عفيفة، فلا تمسّ بسوء عامة المسلمين فضلا عن خاصّة المصلحين..
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد..
مختارات