تقبلوا عدم النجاح
عبر مواقف الحياة المختلفة، ودخولى كمصلح بين كثير من الناس في الجلسات التحكيمية رأيت أن أغلب علاقات الصداقة لا تستمر، بل بعضها كما تتوهّج سريعاً تحترق أسرع!
لماذا؟!
دخول المال كشراكة تجارية، أو وجود نسب بينهما من الأسباب الكبيرة في فقد هذه الصداقة أو بقاءها مع انطفاء جذوتها، فالقلوب تتغير والنقاشات تحتد وانكسار الحائط الصلب الذي يحملهما ما هو إلا مسألة وقت!
لكن السبب الأكبر الذي وجدته هو فقد الطرف الآخر عند الاحتياج، بمعني تدوم صداقتهما ردحاً من الزمن، وتكون العلاقة بينهما على ما يرام، ويعتريها من الخلافات والضيق والابتعاد الخفيف ما يعتري كافة العلاقات، ولكن في نهاية الأمر تظل العلاقة قوية وراسخة إلى أن يأتي اليوم الذي يحتاج فيه الصديق لصديقه، ويري أن وجوده بجانبه أمر مفروغ منه، وليس عنده أي استعداد لقبول أي عذر من الأعذار الممكن تخطيها، هو يحتاج لشيء واحد: أن تكون بجانبه.
وعندما يغيب الصديق ولو ليوم واحد، فإنه يجد في قلبه وحشةُ شديدة واغتراب حقيقي، وسقوط في بئر الظنون، والطرف الثاني فعلاً لم يكن على مستوى الصداقة، فحينها ينكسر عمود الثقة، ويذهب تاريخهما القوى خلف مرارة الفقد، فيتلوث الرحيق، ويُدفن في الأعماق عمرُ طويل من الود والمرح والثقة والانبهار!
ولست هنا بصدد الحديث عن هذا الموضوع بالعمق اللائق به لأن شرح هذا يطول، ولكني أحببت أن أبيّن للأجيال الجديدة أن يتريثوا في اختيار الصديق، وألا يذهب بعلاقاته بعيداً بعيداً ثم يجد نفسه في بئرٍ مظلم ليس فيه ماء، بل ولا يجد فيه إلا سلالم مهترئة تعيده مرة أخرى إلى سطح الحياة ولكن ليس كما كان!
والأمر الثاني الذي أحاول أن ألفت النظر إليه للجيل الجديد، ألا ترفعوا سقف التوقّعات، فطبيعة العلاقات في أول مهدها تمتاز بالعطاء والعطاء المقابل، وكذلك يتم تبادل الأسرار ومعرفة الطباع والتواصل مع أهل الصديق ودخوله بيتهم، والمشاركة في المناسبات وغير ذلك من مظاهر التداخل الذي يزداد عمقاً يوماً بعد يوم، ومن هنا يرتفع سقف التوقعات بينهما، لمجرد هذه المظاهر والتي تبدو أنها تدل على صداقة حقيقية ولكنها ليست كذلك!
الصداقة الحقيقية هي التي تُبني على الحب والود لذات الشخص "قلبه نضيف بالنسبالك" وليس على تبادل المنافع الدنيوية، يعني صداقة لله وفي الله، صداقة يتم تبادل العطاء لا معادلته، فيها الإقدام على التواصل لا انتظاره، فيها النصح في وقته لا الصمت التام على الأخطاء أو دوام النصح بلا انقطاع!
الصداقة العميقة قبول الشخص بمميزاته وعيوبه، وتحمل هفواته والصبر على زلاته فكلنا ذوو خطأ، أما الصداقة على الحلوه فقط فهذه صفقة وليست صداقة!
في النهاية: أحب أن أُعلمكم أنكم قد لا تنجحون في اختيار الصديق وهذا لقلة خبرتكم ولكن كل ما أريده منكم أن تتقبلوا عدم النجاح وألا تكون صدمتكم كاسرة لقلوبكم أو فاسخة لعزائمكم، وبالوقت ستحصلون على الصديق الذي تريدون حتى ولو كان هذا متأخراً، فالدنيا ظلام دون ضوء الصديق.
مختارات