آخر ثلاثة أجزاء
آية
﴿ وَإِذْ أَسَرَّ ٱلنَّبِىُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَٰجِهِۦ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِۦ وَأَظْهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُۥ وَأَعْرَضَ عَنۢ بَعْضٍ ﴾ [سورة التحريم آية:﴿٣﴾]
الكف عن بعض العتب أبعث على حياء المعتوب، وأعون على توبته وعدم عودته إلى فعل مثله، (وأعرض عن بعض) وهو أمر السرية والعسل؛ تكرما منه أن يستقصي في العتاب، وحياء وحسن عشرة، قال الحسن: ما استقصى كريم قط. وقال سفيان الثوري: ما زال التغافل من فعل الكبراء. البقاعي: 20/186.
آية
﴿ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِى عِندَكَ بَيْتًا فِى ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِۦ وَنَجِّنِى مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة التحريم آية:﴿١١﴾]
ووجه المثل: أن اتصال المؤمن بالكافر لا يضره شيئاً إذا فارقه في كفره وعمله، فمعصية الغير لا تضر المؤمن المطيع شيئاً في الآخرة، وإن تضرر بها في الدنيا بسبب العقوبة التي تحل بأهل الأرض إذا أضاعوا أمر الله، فتأتي عامة، فلم يضر امرأة فرعون اتصالها به وهو من أكفر الكافرين. ابن القيم: 3/170.
آية
﴿ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ٱمْرَأَتَ نُوحٍ وَٱمْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَٰلِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْـًٔا وَقِيلَ ٱدْخُلَا ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّٰخِلِينَ ﴾ [سورة التحريم آية:﴿١٠﴾]
ضرب هذا المثل تنبيهاً على أنه لا يغني أحد في الآخرة عن قريب ولا نسيب إذا فرق بينهما الدين. القرطبي: 21/102.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ جَٰهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَٰفِقِينَ ﴾ [سورة التحريم آية:﴿٩﴾]
ومعلوم أن المنافقين كافرون، فكان جهاده ﷺ للكفار بالسيف، ومع المنافقين بالقرآن، كما جاء عنه ﷺ في عدم قتلهم: (لئلا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه)، ولكن كان جهادهم بالقرآن لا يقل شدة عليهم من السيف؛ لأنهم أصبحوا في خوف وذعر؛ يحسبون كل صيحة عليهم، وأصبحت قلوبهم خاوية كأنهم خشب مسندة، وهذا أشد عليهم من الملاقاة بالسيف، والعلم عند الله تعالى. الشنقيطي: 8/223.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ جَٰهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾ [سورة التحريم آية:﴿٩﴾]
فإن الغلظة عليهم من اللين لله، كما أن اللين لأهل الله من خشية الله، وقد أمره سبحانه باللين لهم في أول الأمر لإزالة أعذارهم وبيان إصرارهم، فلما بلغ الرفق أقصى مداه جازه إلى الغلظة وتعداه. البقاعي: 20/206.
آية
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [سورة الملك آية:﴿١٢﴾]
وقدم المغفرة تطمينًا لقلوبهم؛ لأنهم يخشون المؤاخذة على ما فرط منهم من الكفر قبل الإسلام، ومن اللمم ونحوه، ثم أعقبت بالبشارة بالأجر العظيم، فكان الكلام جاريًا على قانون تقديم التخلية على التحلية. ابن عاشور:29/29.
آية
﴿ أَفَمَن يَمْشِى مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِۦٓ أَهْدَىٰٓ أَمَّن يَمْشِى سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [سورة الملك آية:﴿٢٢﴾]
ضرب الله مثلاً للمؤمن والكافر: (مكباًً) أي: منكساًً رأسه؛ لا ينظر أمامه ولا يمينه ولا شماله؛ فهو لا يأمن من العثور والانكباب على وجهه، كمن (يمشي سوياًً) معتدلاًً ناظراًً ما بين يديه وعن يمينه وعن شماله. القرطبي: 21/129.
آية
﴿ ءَأَمِنتُم مَّن فِى ٱلسَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلْأَرْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ ﴾ [سورة الملك آية:﴿١٦﴾]
وقدم التهديد بالخسف على التهديد بالحاصب لأن الخسف من أحوال الأرض، والكلام على أحوالها أقرب هنا، فسُلك شبه طريق النشر المعكوس، ولأن إرسال الحاصب عليهم جزاء على كفرهم بنعمة الله التي منها رزقهم في الأرض المشار إليه بقوله: (وكلوا من رزقه)؛ فإن منشأ الأرزاق الأرضية من غيوث السماء؛ قال تعالى: (وفي السماء رزقكم) [الذاريات: 22]. ابن عاشور: 29/36.
آية
﴿ هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلْأَرْضَ ذَلُولًا فَٱمْشُوا۟ فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا۟ مِن رِّزْقِهِۦ ۖ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ ﴾ [سورة الملك آية:﴿١٥﴾]
ثم نَبَّه بقوله: (وإليه النشور) على أَنَّا في هذا المسكن غير مستوطنين ولا مقيمين، بل دخلناه عابري سبيل، فلا يحسن أن نتخذه وطناًً ومستقراًً، وإنما دخلناه لنتزود منه إلى دار القرار؛ فهو منزل عبور لا مستقر حبور، ومعبر وممر لا وطن ومستقر. ابن القيم: 3/174.
آية
﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ ﴾ [سورة الملك آية:﴿١٤﴾]
ثم ختم الحجة باسمين مقتضيين لثبوتهما، وهما: اللطيف؛ الذي لطف صنعه وحكمته ودق، حتى عجزت عنه الأفهام. والخبير؛ الذي انتهى علمه إلى الإحاطة ببواطن الأشياء وخفاياها كما أحاط بظواهرها. فكيف تخفى على اللطيف الخبير ما تحويه الضمائر وتخفيه الصدور. ابن القيم: 3/173.
آية
﴿ فَلَا تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ ﴿٨﴾ وَدُّوا۟ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴿٩﴾ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ ﴿١٠﴾ هَمَّازٍ مَّشَّآءٍۭ بِنَمِيمٍ ﴿١١﴾ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ﴿١٢﴾ عُتُلٍّۭ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ ﴾ [سورة القلم آية:﴿٨﴾]
الأخلاق مكتسبة بالمعاشرة، ففيه تحذير عن اكتساب شيء من أخلاقهم بالمخالطة لهم؛ فليأخذ حذره؛ فإنه محتاج إلى مخالطتهم لأجل دعوتهم إلى الله تعالى. ابن تيمية: 6/370.
آية
﴿ قُلْ هُوَ ٱلرَّحْمَٰنُ ءَامَنَّا بِهِۦ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ۖ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ ﴾ [سورة الملك آية:﴿٢٩﴾]
(وعليه) أي: وحده. (توكلنا): لأنه لا شيء في يد غيره، وإلا لرحم من يريد عذابه أو عذب من يريد رحمته؛ فكل ما جرى على أيدي خلقه من رحمة أو نقمة فهو الذي أجراه. البقاعي: 20/270.
آية
﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ﴾ [سورة القلم آية:﴿٤٢﴾]
عوقبوا بنقيض ما كانوا عليه؛ لما دُعوا إلى السجود في الدنيا وامتنعوا منه مع صحتهم وسلامتهم، كذلك عوقبوا بعدم قدرتهم عليه في الآخرة إذا تجلى الرب عز وجل، فيسجد له المؤمنون، ولا يستطيع أحد من الكافرين ولا المنافقين أن يسجد، بل يعود ظهر أحدهم طبقاًً واحداًً. ابن كثير: 4/407.
آية
﴿ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ ﴾ [سورة القلم آية:﴿٢٨﴾]
(أوسطهم): أفضلهم وأقربهم إلى الخير؛ وهو أحد الإِخوة الثلاثة. والوسط يطلق على الأخْيَر الأفضلِ؛ قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً) [البقرة: 143]، وقال: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) [البقرة: 238]. ابن عاشور: 29/86.
آية
﴿ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة القلم آية:﴿٥٢﴾]
أي والحال أن هذا القرآن أو الرسول ﷺ (ما هو إلا ذكر) أي: موعظة وشرف (للعالمين) أي: كلهم؛ عاليهم ودانيهم؛ ليس منهم أحد إلا وهو يعلم أنه لا شيء يشبهه في جلالة معانيه، وحلاوة ألفاظه، وعظمة سبكه، ودقة فهمه، ورقة حواشيه، وجزالة نظومه، ويفهم منه على حسب ما هيأه الله له. البقاعي: 20/336.
آية
﴿ وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَٰرِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا۟ ٱلذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجْنُونٌ ﴾ [سورة القلم آية:﴿٥١﴾]
أي: يَعينونك بأبصارهم، بمعنى: يحسدونك؛ لبغضهم إياك، لولا وقاية الله لك وحمايته إياك منهم. وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل. ابن كثير: 4/408.
آية
﴿ فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ ﴾ [سورة القلم آية:﴿٤٨﴾]
هو يونس -عليه السلام- وسماه صاحب الحوت لأن الحوت ابتلعه، وهو أيضاًً ذو النون، والنون هو الحوت، وقد ذكرنا قصته في الأنبياء والصافات، فنهى الله محمداًً ﷺ أن يكون مثله في الضجر والاستعجال حين ذهب مغاضباً. ابن جزي: 2/494.
آية
﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة القلم آية:﴿٤٤﴾]
قال سفيان الثوري: نسبغ عليهم النعم وننسيهم الشكر، وقال الحسن: كم مستدرج بالإحسان إليه، وكم مفتون بالثناء عليه، وكم مغرور بالستر عليه، وقال أبو روق: أي كلما أحدثوا خطيئة جددنا لهم نعمة وأنسيناهم الاستغفار....، وفي الحديث: (أن رجلاً من بني إسرائيل قال: يارب كم أعصيك وأنت لا تعاقبني، قال: فأوحى الله إلى نبي زمانهم أن قل له: كم من عقوبة لي عليك وأنت لا تشعر؛ إن جمود عينيك وقساوة قلبك استدراج مني وعقوبة لو عقلت. القرطبي: 21/180.
آية
﴿ فَذَرْنِى وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا ٱلْحَدِيثِ ۖ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة القلم آية:﴿٤٤﴾]
أي سنستنزلهم إلى العذاب درجة فدرجة؛ بالإمهال وإدامة الصحة وازدياد النعمة، مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ أنه استدراج، بل يزعمون أن ذلك إيثار لهم وتفضل على المؤمنين، مع أنه سبب لهلاكهم. الألوسي: 15/41.
آية
﴿ إِنَّهُۥ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ ﴿٣٣﴾ وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ ﴾ [سورة الحاقة آية:﴿٣٣﴾]
لأن مدار السعادة ومادتها أمران: الإخلاص لله، الذي أصله الإيمان بالله، والإحسان إلى الخلق بوجوه الإحسان، الذي من أعظمها دفع ضرورة المحتاجين بإطعامهم ما يتقوتون به، وهؤلاء لا إخلاص ولا إحسان، فلذلك استحقوا ما استحقوا. السعدي: 884.
آية
﴿ ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَٱسْلُكُوهُ ﴿٣٢﴾ إِنَّهُۥ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ ﴿٣٣﴾ وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ ﴾ [سورة الحاقة آية:﴿٣٢﴾]
كان أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه يحض امرأته على تكثير المرق لأجل المساكين، ويقول: خلعنا نصف السلسلة بالإيمان أفلا نخلع نصفها. اقتبس ذلك من الآية. الألوسي: 15/57.
آية
﴿ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَٰعِيَةٌ ﴾ [سورة الحاقة آية:﴿١٢﴾]
والوعي: العلم بالمسموعات، أي: ولتعلم خبرها أذن موصوفة بالوعي، أي: من شأنها أن تعي. وهذا تعريض بالمشركين؛ إذ لم يتعظوا بخبر الطوفان والسفينة التي نجا بها المؤمنون، فتلقوه كما يتلقون القصص الفكاهي. ابن عاشور: 29/123.
آية
﴿ وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَٰعِيَةٌ ﴾ [سورة الحاقة آية:﴿١٢﴾]
فالوعيُ توصف به الأذن كما يوصف به القلب؛ يقال: قلب واعٍ، وأذن واعية؛ لِمَا بين الأذن والقلب من الارتباط؛ فالعلم يدخل من الأذن إلى القلب، فهي بابه والرسول والموصل إليه العلم، كما أن اللسان رسوله المؤدي عنه. ومن عرف ارتباط الجوارح بالقلب علم أن الأذن أحقها أن توصف بالوعي، وأنها إذا وعت وعى القلب. ابن القيم: 3/189.
آية
﴿ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة الحاقة آية:﴿٤٣﴾]
ما تضمنه قوله: (تنزيل من رب العالمين) أن ربوبيته الكاملة لخلقه تأبى أن يتركهم سدى؛ لا يأمرهم، ولا ينهاهم، ولا يرشدهم إلى ما ينفعهم، ويحذرهم ما يضرهم، بل يتركهم هملاً بمنْزلة الأنعام السائمة؛ فمن زعم ذلك لم يقدر رب العالمين قدره، ونسبه إلى ما لا يليق به تعالى. ابن القيم: 3/191.
آية
﴿ كَلَّآ ۖ إِنَّا خَلَقْنَٰهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة المعارج آية:﴿٣٩﴾]
وفي المقصود بهذا الكلام ثلاثة أوجه؛ أحدها: تحقير الإنسان والردّ على المتكبرين. الثاني: الردّ على الكفار في طمعهم أن يدخلوا الجنة؛ كأنه يقول: إنا خلقناكم مما خلقنا منه الناس، فلا يدخل أحد الجنة إلا بالعمل الصالح؛ لأنكم سواء في الخلقة. الثالث: الاحتجاج على البعث بأن الله خلقهم من ماء مهين، فهو قادر على أن يعيدهم؛ كقوله: (ألم يك نطفة من مني يمن) [القيامة: 37]. ابن جزي: 2/495.
آية
﴿ ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَآئِمُونَ ﴿٢٣﴾ ﴾وقوله تعالى: ﴿ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴿٣٤﴾ ﴾ [سورة المعارج آية:﴿٢٣﴾]
وكرر ذكر الصلاة لاختلاف ما وصفهم به أولاً وما وصفهم به ثانياً؛ فإن معنى الدوام هو أن لا يشتغل عنها بشيء من الشواغل -كما سلف- ومعنى المحافظة أن يراعى الأمور التي لا تكون صلاة بدونها. الشوكاني: 5/293.
آية
﴿ وَٱلَّذِينَ هُم بِشَهَٰدَٰتِهِمْ قَآئِمُونَ ﴾ [سورة المعارج آية:﴿٣٣﴾]
لا يُعبد إِلا إِيَّاه بجَميعِ أَنواعِ الْعبادةِ، فَهذا هو تحْقيق شهادة أَن لا إِلَه إِلا اللَّه، ولهَذا حرَّم اللَّه علَى النَّارِ من شهِد أَن لا إِلَه إِلا اللَّه حقيقَةَ الشهادة، ومحَال أَن يدخل النار مَنْ تحَقَّق بحَقيقَة هذه الشهادة وقَام بها، كَما قَال تعالَى: (والذين هم بشهاداتهم قائمون) فَيكُون قَائمًا بشهادته في ظَاهرِه وباطنهِ، في قَلْبِه وقَالَبِه، فَإِن من النَّاسِ مَنْ تكُون شهادته ميِّتةً، ومنهم مَنْ تكُون نائمةً، إِذا نبهت انْتبهت. ابن القيم: 3/197.
آية
﴿ إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴿١٩﴾ إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعًا ﴿٢٠﴾ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعًا ﴿٢١﴾ إِلَّا ٱلْمُصَلِّينَ ﴾ [سورة المعارج آية:﴿١٩﴾]
وذكره الله على وجه الذم لهذه الخلائق؛ ولذلك استثنى منه المصلين؛ لأن صلاتهم تحملهم على قلة الاكتراث بالدنيا، فلا يجزعون من شرها، ولا يبخلون بخيرها. ابن جزي: 2/495.
آية
﴿ إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴿١٩﴾ إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعًا ﴿٢٠﴾ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعًا ﴿٢١﴾ إِلَّا ٱلْمُصَلِّينَ ﴾ [سورة المعارج آية:﴿١٩﴾]
فالنفس لا تكون إلا مريدة عاملة، فإن لم توفق للإرادة الصالحة وإلا وقعت فى الإِرادة الفاسدة والعمل الضار؛ وقد قال تعالى: (إن الإنسان خلق هلوعاً*إذا مسه الشر جزوعاً*وإذا مسه الخير منوعًا*إلا المصلين) فأَخبر تعالى أَن الإنسان خلق على هذه الصفة، وأن من كان على غيرها فلأَجل ما زكاه الله به من فضله وإِحسانه. ابن القيم: 3/196.
آية
﴿ يُبَصَّرُونَهُمْ ۚ يَوَدُّ ٱلْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِى مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍۭ بِبَنِيهِ ﴿١١﴾ وَصَٰحِبَتِهِۦ وَأَخِيهِ ﴿١٢﴾ وَفَصِيلَتِهِ ٱلَّتِى تُـْٔوِيهِ ﴿١٣﴾ وَمَن فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ ﴾ [سورة المعارج آية:﴿١١﴾]
وبدأ جل ثناؤه بذكر البنين، ثم الصاحبة، ثم الأخ، إعلاماً منه عباده أن الكافر من عظيم ما ينزل به يومئذ من البلاء يفتدي نفسه، لو وجد إلى ذلك سبيلاً بأحب الناس إليه كان في الدنيا، وأقربهم إليه نسباً. الطبري: 23/606.
آية
﴿ ثُمَّ إِنِّى دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ﴿٨﴾ ثُمَّ إِنِّىٓ أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ﴾ [سورة نوح آية:﴿٨﴾]
ذكر أولاًً أنه دعاهم بالليل والنهار، ثم ذكر أنه دعاهم جهاراًً، ثم ذكر أنه جمع بين الجهر والإسرار، وهذه غاية الجد في النصيحة وتبليغ الرسالة صلى الله تعالى عليه وآله وسلم. ابن جزي: 2/495.
آية
﴿ إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِۦٓ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [سورة نوح آية:﴿١﴾]
وعُدل عن أن يقال له: «أنذر الناس» إلى قوله: (أن أنذر قومك) إلهاباً لنفس نوح؛ ليكون شديد الحرص على ما فيه نجاتهم من العذاب؛ فإن فيهم أبناءه وقرابته وأحبته. ابن عاشور: 29/187.
آية
﴿ خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۚ ذَٰلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِى كَانُوا۟ يُوعَدُونَ ﴾ [سورة المعارج آية:﴿٤٤﴾]
وفي ختام السورة الكريمة لهذا الوصف والوعيد الشديد تأييد للقول بأن سؤالهم في أولها: «بعذاب واقع» إنما هو استخفاف واستبعاد. فبيَّن لهم تعالى بعد عرض السورة نهاية ما يستقبلون به; ليأخذوا حذرهم ويرجعوا إلى ربهم. فارتبط آخر السورة بأولها. الشنقيطي: 8/305.
آية
﴿ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا۟ وَيَلْعَبُوا۟ حَتَّىٰ يُلَٰقُوا۟ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِى يُوعَدُونَ ﴾ [سورة المعارج آية:﴿٤٢﴾]
الخوض في الباطل ضد التكلم بالحق، واللعب ضد السعي الذي يعود نفعه على ساعيه؛ فالأول ضد العلم النافع، والثاني ضد العمل الصالح، فلا تكلم بالحق، ولا عمل بالصواب؛ وهذا شأن كل من أعرض عما جاء به الرسول؛ لا بُدَّ له من هذين الأمرين. ابن القيم: 3/201.
آية
﴿ إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا۟ عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوٓا۟ إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ﴾ [سورة نوح آية:﴿٢٧﴾]
أي: بقاؤهم مفسدة محضة؛ لهم ولغيرهم، وإنما قال نوح عليه السلام ذلك لأنه مع كثرة مخالطته إياهم، ومزاولته لأخلاقهم، علم بذلك نتيجة أعمالهم؛ لا جرم أن الله استجاب دعوته فأغرقهم أجمعين، ونجّى نوحاً ومن معه من المؤمنين. السعدي: 889.
آية
﴿ قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِى وَٱتَّبَعُوا۟ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُۥ وَوَلَدُهُۥٓ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [سورة نوح آية:﴿٢١﴾]
فإن البسط لهم في الدنيا كان سبباًً لطغيانهم وبطرهم، واتباعهم لأهوائهم حتى كفروا واستغلوا غيرهم، فغلبوا عليهم، فكانوا سبباً في شقائهم وخسارتهم بخسارتهم. البقاعي: 20/447.
آية
﴿ فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُوا۟ رَبَّكُمْ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارًا ﴿١٠﴾ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ﴾ [سورة نوح آية:﴿١١﴾]
في الآية دليل على أن الاستغفار يوجب نزول الأمطار، ولذلك خرج عمر بن الخطاب إلى الاستسقاء فلم يزد على أن أستغفر ثم انصرف، فقيل له: ما رأيناك استسقيت؟ فقال: والله لقد استسقيت أبلغ الاستسقاء. ابن جزي: 2/495.
آية
﴿ وَأَنَّا لَا نَدْرِىٓ أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِى ٱلْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ﴾ [سورة الجن آية:﴿١٠﴾]
وأسند فعل إرادة الشر إلى المجهول، ولم يسند إلى الله تعالى مع أن مقابله أسند إليه بقوله: (أم أراد بهم ربهم رشداً) جرياً على واجب الأدب مع الله تعالى في تحاشي إسناد الشر إليه. ابن عاشور: 29/231.
آية
﴿ وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ﴾ [سورة الجن آية:﴿٦﴾]
والمعنى: أن الجن زادوا الإنس ضلالاًً وإثماًً لما عاذوا بهم، أو زادوهم تخويفاًً لما رأوا ضعف عقولهم، وقيل: ضمير الفاعل للإنس، وضمير المفعول للجن: والمعنى إن الإنس زادوا الجن تكبراًً وطغياناًً لما عاذوا بهم، حتى كان الجن يقول: أنا سيد الجن والإنس. ابن جزي: 2/495.
آية
﴿ وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ ٱلْإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا ﴾ [سورة الجن آية:﴿٥﴾]
هذا مرشد إلى أنه لا ينبغي التقليد في شيء؛ لأن الثقة بكل أحد عجز، وإنما ينكشف ذلك بالتجربة، والتقليد قد يجر إلى الكفر المهلك هلاكاً أبدياً، وإليه أرشد النبي ﷺ فيما أخرجه الشيخان عن النعمان بن بشير رضي الله عنه بأن: (من اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه)، وفي ذلك غاية الحث على أن الإنسان لا يقدم ولا يحجم في أصول الدين إلا بقاطع. البقاعي: 20/471.
آية
﴿ قُلْ إِنِّى لَن يُجِيرَنِى مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِۦ مُلْتَحَدًا ﴾ [سورة الجن آية:﴿٢٢﴾]
أي: لا أحد أستجير به ينقذني من عذاب الله، وإذا كان الرسول الذي هو أكمل الخلق لا يملك ضراً ولا رشداً، ولا يمنع نفسه من الله شيئاً إن أراده بسوء، فغيره من الخلق من باب أولى وأحرى. السعدي: 891.
آية
﴿ وَأَلَّوِ ٱسْتَقَٰمُوا۟ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَٰهُم مَّآءً غَدَقًا ﴾ [سورة الجن آية:﴿١٦﴾]
والطريقة هي طريقة الإسلام وطاعة الله؛ فالمعنى: لو استقاموا على ذلك لوسع الله أرزاقهم؛ فهو كقوله: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) [الأعراف: 96]. ابن جزي: 2/497.
آية
﴿ إِنَّآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَٰهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولًا ﴾ [سورة المزمل آية:﴿١٥﴾]
واختير لهم [أي كفار مكة] ضرب المثل بفرعون مع موسى عليه السلام لأن الجامع بين حال أهل مكة وحال أهل مصر في سبب الإعراض عن دعوة الرسول هو مجموع ما هم عليه من عبادة غير الله، وما يملأ نفوسهم من التكبر والتعاظم على الرسول المبعوث إليهم. ابن عاشور: 29/273.
آية
﴿ وَرَتِّلِ ٱلْقُرْءَانَ تَرْتِيلًا ﴾ [سورة المزمل آية:﴿٤﴾]
الترتيل هو التمهل والمد وإشباع الحركات وبيان الحروف، وذلك مُعينٌ على التفكر في معاني القرآن، بخلاف [الهذ] الذي لا يفقه صاحبه ما يقول، وكان رسول الله ﷺ يُقَطِّع قراءته حرفاًً حرفاًً، ولا يمرُّ بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمرّ بآية عذاب إلا وقف وتعوَّذ. ابن جزي: 2/501.
آية
﴿ نِّصْفَهُۥٓ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ﴿٣﴾ أَوْ زِدْ عَلَيْ ﴾ [سورة المزمل آية:﴿٣﴾]
إن قيل: لم قيد النقص من النصف بالقلة فقال: (أو انقص منه قليلاًً)، وأطلق في الزيادة فقال: (أو زد عليه)، ولم يقل: «قليلاً»؟ فالجواب: أن الزيادة تحسن فيها الكثرة فلذلك لم يقيدها بالقلة بخلاف النقص؛ فإنه لو أطلقه لاحتمل أن ينقص من النصف كثيراًً. ابن جزي: 2/501.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ ﴾ [سورة المزمل آية:﴿١﴾]
وفي خطابه بهذا الاسم فائدتان: إحداهما: الملاطفة؛ فإن العرب إذا قصدت ملاطفة المخاطب وترك المعاتبة سموه باسم مشتق من حالته التي هو عليها... والفائدة الثانية: التنبيه لكل متزمل راقد ليله ليتنبه إلى قيام الليل وذكر الله تعالى فيه. القرطبي: 21/316.
آية
﴿ فَذَٰلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ ﴿٩﴾ عَلَى ٱلْكَٰفِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ ﴾ [سورة المدثر آية:﴿٩﴾]
قال الزمخشري: إن (غير يسير) كان يكفي عنها (يوم عسير)، إلا أنه ليبين لهم أن عسره لا يرجى تيسيره كعسر الدنيا، وأن فيه زيادة وعيد للكافرين، ونوع بشارة للمؤمنين لسهولته عليهم. ولعل المعنيين مستقلان، وأن قوله تعالى: (يوم عسير) هذا كلام مستقل وصف لهذا اليوم، وبيان للجميع شدة هوله. الشنقيطي: 8/363.
آية
﴿ وَٱسْتَغْفِرُوا۟ ٱللَّهَ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌۢ ﴾ [سورة المزمل آية:﴿٢٠﴾]
وجملة (إن الله غفور رحيم) تعليل للأمر بالاستغفار؛ أي: لأن الله كثير المغفرة شديد الرحمة. والمقصود من هذا التعليل الترغيب والتحريض على الاستغفار بأنه مرجو الإجابة. وفي الإتيان بالوصفين الدالين على المبالغة في الصفة إيماء إلى الوعد بالإجابة. ابن عاشور: 29/290.
آية
﴿ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ ۙ وَءَاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى ٱلْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ ۙ وَءَاخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾ [سورة المزمل آية:﴿٢٠﴾]
ذكر سبحانه عذرهم فقال: (علم أن سيكون منكم مرضى) فلا يطيقون قيام الليل، (وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله) أي: يسافرون فيها للتجارة والأرباح؛ يطلبون من رزق الله ما يحتاجون إليه في معاشهم، فلا يطيقون قيام الليل، (وآخرون يقاتلون في سبيل الله) يعني: المجاهدين؛ فلا يطيقون قيام الليل. ذكر سبحانه ها هنا ثلاثة أسباب مقتضية للترخيص ورفع وجوب قيام الليل، فرفعه عن جميع الأمة لأجل هذه الأعذار التي تنوب بعضهم. الشوكاني: 5/322.
آية
﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَىِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُۥ وَثُلُثَهُۥ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ ۚ...... ﴾ [سورة المزمل آية:﴿٢٠﴾]
وافتتاح الكلام بـ(إن ربك يعلم أنك تقوم) يشعر بالثناء عليه لوفائه بحق القيام الذي أُمِر به، وأنه كان يبسط إليه ويهتم به، ثم يقتصر على القدر المعين فيه النصف أو أنقص منه قليلا أو زائد عليه، بل أخذ بالأقصى -وذلك ما يقرب من ثلثي الليل- كما هو شأن أولي العزم. ابن عاشور: 29/280.
آية
﴿ كُلُّ نَفْسٍۭ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴿٣٨﴾ إِلَّآ أَصْحَٰبَ ٱلْيَمِينِ ﴾ [سورة المدثر آية:﴿٣٨﴾]
(إلا أصحاب اليمين) أي: الذين تقدم وصفهم؛ وهم الذين تحيَّزوا إلى الله؛ فائتمروا بأوامره، وانتهوا بنواهيه؛ فإنهم لا يرتهنون بأعمالهم، بل يرحمهم الله فيقبل حسناتهم، ويتجاوز عن سيئاتهم. البقاعي: 21/71.
آية
﴿ وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَٰٓئِكَةً ۙ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِيمَٰنًا ۙ وَلَا يَرْتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ۙ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۚ ﴾ [سورة المدثر آية:﴿٣١﴾]
وهذا حال القلوب عند ورود الحق المنَزل عليها: قلب يفتتن به كفراً وجحوداً، وقلب يزداد به إيماناً وتصديقاً، وقلب يَتَيَقَّنه فتقوم عليه به الحجة، وقلب يوجب له حيرةً وعمىً فلا يدري ما يراد به. ابن القيم: 3/216.
آية
﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُۥ وَقُرْءَانَهُۥ ﴾ [سورة القيامة آية:﴿١٧﴾]
قوله تعالى: (إن علينا جمعه وقرآنه) فيه إشارة إلى أنه نزل مفرقاً، وإشارة إلى أن جمعه على هذا النحو الموجود برعاية وعناية من الله تعالى، وتحقيقا لقوله تعالى: (إن علينا جمعه وقرآنه)، ويشهد لذلك أن هذا الجمع الموجود من وسائل حفظه؛ كما تعهد تعالى بذلك، والله تعالى أعلم. الشنقيطي: 8/374.
آية
﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِۦٓ ﴿١٦﴾ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُۥ وَقُرْءَانَهُۥ ﴿١٧﴾ فَإِذَا قَرَأْنَٰهُ فَٱتَّبِعْ قُرْءَانَهُۥ ﴿١٨﴾ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُۥ ﴾ [سورة القيامة آية:﴿١٦﴾]
في هذه الآية أدب لأخذ العلم: أن لا يبادر المتعلم المعلم قبل أن يفرغ من المسألة التي شرع فيها، فإذا فرغ منها سأله عما أشكل عليه، وكذلك إذا كان في أول الكلام ما يوجب الرد أو الاستحسان أن لا يبادر برده أو قبوله، حتى يفرغ من ذلك الكلام، ليتبين ما فيه من حق أو باطل، وليفهمه فهماً يتمكن به من الكلام عليه. السعدي: 899.