آخر ثلاثة أجزاء
آية
﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوٓا۟ ۚ أَحْصَىٰهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ ۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [سورة المجادلة آية:﴿٦﴾]
وجملة: (أحصاه الله ونسوه) مستأنفة جواب سؤال مقدر؛ كأنه قيل: كيف ينبئهم بذلك على كثرته واختلاف أنواعه؟ فقيل: أحصاه الله جميعاً ولم يفُتْه منه شيء، والْحال أَنهم قَد نسوه ولَم يحْفَظُوه، بل وجدوه حاضراً مكْتوباً في صحائفهِم. الشوكاني: 5/186.
آية
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ كُبِتُوا۟ كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ وَقَدْ أَنزَلْنَآ ءَايَٰتٍۭ بَيِّنَٰتٍ ۚ وَلِلْكَٰفِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ [سورة المجادلة آية:﴿٥﴾]
ثَبَتَ أن المحادَّ مكبوتٌ مخزيٌّ ممتل غيظاً وحزناً هالك. وهذا إنما يَتِمُّ إذا خاف إن أظهر المحادة أن يُقْتَل، وإلا فمن أمكنه إظهار المحادَّة وهو آمن على دمه وماله فليس بمكبُوتٍ، بل مسرور جذلان. ولأنه قال: (كبتوا كما كبت الذين من قبلهم) والذين من قبلهم ممن حاد الرسل، وحادّ رسول الله إنما كبته الله بأن أهلكه بعذابٍ من عنده أو بأيدي المؤمنين. ابن تيمية: 6/240.
آية
﴿ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُورًا ۚ ﴾ [سورة المجادلة آية:﴿٢﴾]
والفرق بين جهة كونه منكراً وجهةِ كونه زوراً؛ أن قوله: «أنتِ عليَّ كظهر أمي» يتضمنُ إخباره عنها بذلك، وإنشاءَه تحريمها؛ فهو يتضمن إخباراً وإنشاءً، فهو خبرٌ زورٌ وإنشاءٌ منكر؛ فإن الزور هو الباطل خلاف الحق الثابت، والمنكر خلاف المعروف. ابن القيم: 3/139.
آية
﴿ ٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَآئِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَٰتِهِمْ ۖ إِنْ أُمَّهَٰتُهُمْ إِلَّا ٱلَّٰٓـِٔى وَلَدْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُورًا ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾ [سورة المجادلة آية:﴿٢﴾]
يعلم من الآيات أن الظهار حرام، بل قالوا: إنه كبير؛ لأن فيه إقداماً على إحالة حكم الله تعالى وتبديله بدون إذنه، وهذا أخطر من كثير من الكبائر. الألوسي: 14/200.
آية
﴿ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ ﴾ [سورة المجادلة آية:﴿٨﴾]
كانوا إذا دخلوا على النبي ﷺ يخفتون لفظ (السلام عليكم)؛ لأنه شعار الإسلام، ولما فيه من جمع معنى السلامة؛ يعدلون عن ذلك ويقولون: (أَنْعِمْ صباحاً)، وهي تحية العرب في الجاهلية؛ لأنهم لا يحبون أن يتركوا عوائد الجاهلية. ابن عاشور: 28/31.
آية
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَٰثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَآ أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا۟ ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا۟ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [سورة المجادلة آية:﴿٧﴾]
افتتح الكلام بالعلم، وختمه بالعلم؛ ولهذا قال ابن عباس والضحاك وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل: «هو معهم بعلمه». ابن تيمية: 6/241.
آية
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ أُو۟لَٰٓئِكَ فِى ٱلْأَذَلِّينَ ﴾ [سورة المجادلة آية:﴿٢٠﴾]
ولما كانوا لا يفعلون ذلك إلا لكثرة أعوانهم وأتباعهم، فيظن من رآهم أنهم الأعزاء الذين لا أحد أعز منهم، قال تعالى نفياً لهذا الغرور الظاهر: (أولئك) أي: الأباعد الأسافل (في الأذلين) أي: الذين يعرفون أنهم أذل الخلق... قال الحسن: إن للمعصية في قلوبهم لذلاً، وإن طقطقت بهم اللجم. البقاعي: 19/395.
آية
﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُۥ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ۖ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَىْءٍ ۚ أَلَآ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَٰذِبُونَ ﴾ [سورة المجادلة آية:﴿١٨﴾]
من عاش على شيء مات عليه؛ فكما أن المنافقين في الدنيا يموهون على المؤمنين، ويحلفون لهم أنهم مؤمنون، فإذا كان يوم القيامة وبعثهم الله جميعاً، حلفوا لله كما حلفوا للمؤمنين، ويحسبون في حلفهم هذا أنهم على شيء؛ لأن كفرهم ونفاقهم وعقائدهم الباطلة لم تزل ترسخ في أذهانهم شيئاً فشيئاً، حتى غرتهم، وظنوا أنهم على شيء يعتد به، ويعلق عليه الثواب. السعدي: 848.
آية
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْا۟ قَوْمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ ﴾ [سورة المجادلة آية:﴿١٤﴾]
قال القشيري: من وافق مغضوباً عليه أشرك نفسه في استحقاق غضب من هو غضبان عليه؛ فمن تولى مغضوباً عليه من قبل الله استوجب غضب الله، وكفى بذلك هواناً وحزناً وحرماناً. البقاعي: 19/387.
آية
﴿ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا۟ ۖ وَظَنُّوٓا۟ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا۟ ﴾ [سورة الحشر آية:﴿٢﴾]
فأعجبوا بها وغرتهم، وحسبوا أنهم لا يُنالون بها، ولا يقدر عليها أحد.... واطمأنت نفوسهم إليها، ومن وثق بغير الله فهو مخذول، ومن ركن إلى غير الله فهو عليه وبال. السعدي: 849.
آية
﴿ لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ ﴾ [سورة المجادلة آية:﴿٢٢﴾]
أخبر أنك لا تجد مؤمناً يواد المحادين لله ورسوله؛ فإن نفس الإيمان ينافي موادته كما ينفي أحد الضدين الآخر؛ فإذا وُجِدَ الإيمان انتفى ضده، وهو موالاة أعداء الله، فإذا كان الرجلُ يوالي أعداء الله بقلبه كان ذلك دليلاً على أن قلبه ليس فيه الإيمان الواجب. ابن تيمية: 6/257.
آية
﴿ لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ ﴾ [سورة المجادلة آية:﴿٢٢﴾]
أي: لا يجتمع هذا وهذا؛ فلا يكون العبد مؤمناً بالله واليوم الآخر حقيقة إلا كان عاملاً على مقتضى الإيمان ولوازمه: من محبة من قام بالإيمان وموالاته، وبغض من لم يقم به ومعاداته. السعدي: 848.
آية
﴿ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾ [سورة الحشر آية:﴿٩﴾]
فإنه إذا وُقِي العبد شُحَّ نفسه سمحت نفسه بأوامر الله ورسوله، ففعلها طائعاً منقاداً، منشرحاً بها صدره، وسمحت نفسه بتركه ما نهى الله عنه وإن كان محبوباً للنفس تدعو إليه وتطلع إليه، وسمحت نفسه ببذل الأموال في سبيل الله وابتغاء مرضاته، وبذلك يحصل الفلاح والفوز. السعدي: 851.
آية
﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ ﴾ [سورة الحشر آية:﴿٩﴾]
هذا المقام أعلى من حال الذين وصف الله بقوله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه) [الإنسان: 8]، (وآتى المال على حبه) [البقرة: 177؛ فإن هؤلاء تصدقوا وهم يحبون ما تصدقوا به، وقد لا يكون لهم حاجة إليه ولا ضرورة به، وهؤلاء آثروا على أنفسهم مع خصاصتهم إلى ما أنفقوه. ابن كثير: 4/338.
آية
﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ ﴾ [سورة الحشر آية:﴿٩﴾]
وهذا إنما هو في فضول الدنيا، لا الأوقات المصروفة في الطاعات؛ فإن الفلاح كل الفلاح في الشح بها؛ فمن لم يكن شحيحاً بوقته تركه الناس على الأرض عياناً مفلساً، فالشح بالوقت هو عمارة القلب وحفظ رأس ماله. ومما يدل على هذا: أنه سبحانه أمر بالمسابقة في أعمال البر، والتنافس فيها، والمبادرة إليها، وهذا ضد الإيثار بها. ابن القيم: 3/146.
آية
﴿ وَلَا يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُوا۟ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ [سورة الحشر آية:﴿٩﴾]
فأخبر عنهم بأنهم يبذلون ما عندهم من الخير مع الحاجة، وأنهم لا يكرهون ما أنعم به على إخوانهم. وضد الأول البخل، وضد الثاني الحسد. ولهذا كان البخل والحسد من نوع واحد؛ فإن الحاسد يكره عطاء غيره، والباخل لا يحب عطاء نفسه. ابن تيمية: 6/272.
آية
﴿ كَىْ لَا يَكُونَ دُولَةًۢ بَيْنَ ٱلْأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ ۚ ﴾ [سورة الحشر آية:﴿٧﴾]
لكيلا يكون الفيء دولة... بين الرؤساء والأقوياء فيغلبوا عليه الفقراء والضعفاء؛ وذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا اغتنموا غنيمة أخذ الرئيس ربعها لنفسه؛ وهو المرباع... فجعله الله لرسوله ﷺ يقسمه فيما أمر به. البغوي: 4/357.
آية
﴿ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ ﴾ [سورة الحشر آية:﴿١٤﴾]
لا دين لهم يجمعهم لعلمهم أنهم على الباطل؛ فهم أسرى الأهوية، والأهوية في غاية الاختلاف، فالعقل مدار الاجتماع كما أن الهوى مدار الاختلاف. البقاعي: 19/453.
آية
﴿ لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِى صُدُورِهِم مِّنَ ٱللَّهِ ۚ ﴾ [سورة الحشر آية:﴿١٣﴾]
وجه وصف الرهبة بأنها في صدورهم: الإشارة إلى أنها رهبة جدُّ خفية، أي: أنهم يتظاهرون بالاستعداد لحرب المسلمين، ويتطاولون بالشجاعة؛ ليرهبهم المسلمون، وما هم بتلك المثابة، فأطلع اللهُ رسوله ﷺ على دخيلتهم. ابن عاشور: 28/103.
آية
﴿ وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلْإِيمَٰنِ ﴾ [سورة الحشر آية:﴿١٠﴾]
وهذا من فضائل الإيمان: أن المؤمنين ينتفع بعضهم ببعض، ويدعو بعضهم لبعض؛ بسبب المشاركة في الإيمان المقتضي لعقد الأخوة بين المؤمنين، التي من فروعها أن يدعو بعضهم لبعض. السعدي: 852.
آية
﴿ وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلْإِيمَٰنِ وَلَا تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة الحشر آية:﴿١٠﴾]
قيل: يعني من جاء بعد الصحابة؛ وهم التابعون ومن تبعهم إلى يوم القيامة، وعلى هذا حملها مالك فقال: إن من قال في أحد الصحابة قول سوء فلا حظ له في الغنيمة والفيء؛ لأن الله وصف الذين جاؤوا بعد الصحابة بأنهم: (يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان)، فمن قال ضدّ ذلك فقد خرج عن الذين وصفهم الله. ابن جزي: 2/430.
آية
﴿ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلْمُؤْمِنُ ﴾ [سورة الحشر آية:﴿٢٣﴾]
وذِكرُ وصف (المؤمن) عقب الأوصاف التي قبله إتمامٌ للاحتراس من توهّم وصفه تعالى بـ(الملك) أنه كالملوك المعروفين بالنقائص. فأفيد أولاً نزاهة ذاته بوصف (القدوس)، ونزاهة تصرفاته المغيَّبة عن الغدر والكَيد بوصف (المؤمن)، ونزاهةُ تصرفاته الظاهرةِ عن الجور والظلم بوصف (السلام). ابن ابن عاشور: 28/121.
آية
﴿ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ ۖ هُوَ ٱلرَّحْمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [سورة الحشر آية:﴿٢٢﴾]
ثم أعقبه بالدليل على إفراده تعالى بالألوهية بما لا يشاركه غيره فيه بقوله تعالى: (عالم الغيب والشهادة)، وهذا الدليل نص عليه على أنه دليل لوحدانية الله تعالى في مواضع أخرى. الشنقيطي: 8/68.
آية
﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا ٱلْقُرْءَانَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُۥ خَٰشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ ۚ ﴾ [سورة الحشر آية:﴿٢١﴾]
حث على تأمل مواعظ القرآن، وبين أنه لا عذر في ترك التدبر؛ فإنه لو خوطب بهذا القرآن الجبال مع تركيب العقل فيها لانقادت لمواعظه، ولرأيتها على صلابتها ورزانتها خاشعة متصدعة -أي متشققة- من خشية الله. القرطبي: 20/388.
آية
﴿ وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِينَ نَسُوا۟ ٱللَّهَ فَأَنسَىٰهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ ﴾ [سورة الحشر آية:﴿١٩﴾]
(فأنساهم أنفسهم) كأن السامع سأل: ماذا كان أثر إنساء الله إياهم أنفسهم؟ فأجيب بأنهم بلغوا بسبب ذلك منتهى الفسق في الأعمال السيئة حتى حقّ عليهم أن يقال: إنه لا فسق بعد فسقهم. ابن عاشور: 28/114.
آية
﴿ وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِينَ نَسُوا۟ ٱللَّهَ فَأَنسَىٰهُمْ أَنفُسَهُمْ ﴾ [سورة الحشر آية:﴿١٩﴾]
وأما إنساؤه نفسَه، فهو إنساؤه لحظوظها العالية، وأسباب سعادتها وفلاحها وصلاحها، وما تكمل به؛ ينسيه ذلك جميعه فلا يخطره بباله، ولا يجعله على ذكره، ولا يصرف إليه همته فيرغب فيه؛ فإنه لا يمر بباله حتى يقصده ويؤثره، وأيضاًً فينسيه عيوب نفسه ونقصها وآفاتها فلا يخطر بباله إزالتها. ابن القيم: 3/147.
آية
﴿ وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِينَ نَسُوا۟ ٱللَّهَ فَأَنسَىٰهُمْ أَنفُسَهُمْ ﴾ [سورة الحشر آية:﴿١٩﴾]
وأما إنساؤه نفسَه، فهو إنساؤه لحظوظها العالية، وأسباب سعادتها وفلاحها وصلاحها، وما تكمل به؛ ينسيه ذلك جميعه فلا يخطره بباله، ولا يجعله على ذكره، ولا يصرف إليه همته فيرغب فيه؛ فإنه لا يمر بباله حتى يقصده ويؤثره، وأيضاًً فينسيه عيوب نفسه ونقصها وآفاتها فلا يخطر بباله إزالتها. ابن القيم: 3/147.
آية
﴿ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ ﴾ [سورة الحشر آية:﴿١٨﴾]
هذه الآية الكريمة أصل في محاسبة العبد نفسه، وأنه ينبغي له أن يتفقدها؛ فإن رأى زللاً تداركه بالإقلاع عنه والتوبة النصوح والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه، وإن رأى نفسه مقصراً في أمر من أوامر الله بذل جهده واستعان بربه في تكميله وتتميمه وإتقانه، ويقايس بين منن الله عليه وإحسانه وبين تقصيره؛ فإن ذلك يوجب له الحياء بلا محالة. السعدي: 853.
آية
﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِىٓ إِبْرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ إِذْ قَالُوا۟ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَٰٓؤُا۟ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَٰوَةُ وَٱلْبَغْضَآءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَحْدَهُۥٓ ﴾ [سورة الممتحنة آية:﴿٤﴾]
الحب في الله تعالى والبغض فيه سبحانه من أوثق عرى الإيمان، فلا ينبغي أن يغفل عنهما. الألوسي: 14/263.
آية
﴿ لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَآ أَوْلَٰدُكُمْ ۚ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [سورة الممتحنة آية:﴿٣﴾]
لما اعتذر حاطب بأن له أولاداً وأرحاما فيما بينهم، بيَّن الرب عز وجل أن الأهل والأولاد لا ينفعون شيئاً يوم القيامة إن عصي من أجل ذلك. القرطبي: 20/402.
آية
﴿ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَٰتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَءَاتُوهُم مَّآ أَنفَقُوا۟ ۚ ﴾ [سورة الممتحنة آية:﴿١٠﴾]
أمر الله تعالى إذا أمسكت المرأة المسلمة أن ترد على زوجها ما أنفق، وذلك من الوفاء بالعهد؛ لأنه لما منع من أهله بحرمة الإسلام أمر برد المال حتى لا يقع عليهم خسران من الوجهين: الزوجة والمال. القرطبي: 20/414.
آية
﴿ لَّا يَنْهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَٰتِلُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوٓا۟ إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ ﴾ [سورة الممتحنة آية:﴿٨﴾]
لما ذكر سبحانه ما ينبغي للمؤمنين من معاداة الكفار وترك موادتهم فصل القول فيمن يجوز بره منهم ومن لا يجوز فقال: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين). الشوكاني: 5/213.
آية
﴿ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً ۚ وَٱللَّهُ قَدِيرٌ ۚ ﴾ [سورة الممتحنة آية:﴿٧﴾]
(عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة) سببها رجوعهم إلى الإيمان. (والله قدير) على كل شيء، ومن ذلك هداية القلوب، وتقليبها من حال إلى حال. السعدي: 856.
آية
﴿ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً ﴾ [سورة الممتحنة آية:﴿٧﴾]
لما أمر الله المسلمين بعداوة الكفار ومقاطعتهم فامتثلوا ذلك على ما كان بينهم وبين الكفار من القرابة، فعلم الله صدقهم فآنسهم بهذه الآية، ووعدهم بأن يجعل بينهم مودة، وهذه المودة كملت في فتح مكة؛ فإنه أسلم حينئذ سائر قريش. ابن جزي: 2/436.
آية
﴿ فَلَمَّا زَاغُوٓا۟ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ ۚ ﴾ [سورة الصف آية:﴿٥﴾]
وهذه الآية الكريمة تفيد أن إضلال الله لعباده ليس ظلماً منه، ولا حجة لهم عليه، وإنما ذلك بسبب منهم؛ فإنهم الذين أغلقوا على أنفسهم باب الهدى بعد ما عرفوه، فيجازيهم بعد ذلك بالإضلال والزيغ الذي لا حيلة لهم في دفعه. السعدي: 859.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [سورة الصف آية:﴿٢﴾]
قال النخعي: ثلاث آيات منعتني أن أقص على الناس: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) [البقرة: 44]، (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه) [هود: 88]، (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون). القرطبي: 20/436.
آية
﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةً فِى جَنَّٰتِ عَدْنٍ ۚ ذَٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ﴾ [سورة الصف آية:﴿١٢﴾]
وإنما خُصّت المساكن بالذكر هنا لأن في الجهاد مفارقة مساكنهم، فوعدوا على تلك المفارقة المؤقتة بمساكن أبدية. ابن عاشور: 28/195.
آية
﴿ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُجَٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ﴾ [سورة الصف آية:﴿١١﴾]
من المعلوم أن الإيمان التام هو التصديق الجازم بما أمر الله بالتصديق به، المسلتزم لأعمال الجوارح، ومن أجَلِّ أعمال الجوارح: الجهاد في سبيل الله، فلهذا قال: (وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم). السعدي: 860.
آية
﴿ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُجَٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الصف آية:﴿١١﴾]
فكأن النفوس ضَنَّت بحياتها وبقائها، فقال: (ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) يعني: أن الجهاد خير لكم من قعودكم للحياة والسلامة. ابن القيم: 3/153.
آية
﴿ هُوَ ٱلَّذِىٓ أَرْسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ ﴾ [سورة الصف آية:﴿٩﴾]
معلوم أن الله وعد بإظهاره على الدين كله: ظهور علم وبيان، وظهور سيف وسنان، فقال تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) وقد فسر العلماء ظهورَه بهذا وهذا، ولفظ الظهور يتناولهم؛ فإن ظهور الهدى بالعلم والبيان، وظهور الدين باليد والعمل. ابن تيمية: 6/297.
آية
﴿ مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُوا۟ ٱلتَّوْرَىٰةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًۢا ۚ بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ۚ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة الجمعة آية:﴿٥﴾]
يقول تعالى ذاماً اليهود الذين أعطوا التوراة وحملوها للعمل بها ثم لم يعملوا بها، مثلهم في ذلك (كمثل الحمار يحمل أسفاراً) أي: كمثل الحمار إذا حمل كتباً لا يدري ما فيها، فهو يحملها حملاً حسياً ولا يدري ما عليه، وكذلك هؤلاء في حملهم الكتاب الذي أوتوه: حفظوه لفظاً، ولم يتفهموه، ولا عملوا بمقتضاه. ابن كثير: 4/364.
آية
﴿ هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلْأُمِّيِّۦنَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُوا۟ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ ﴾ [سورة الجمعة آية:﴿٢﴾]
غاية الكتاب في قوة فهمه والعمل به؛ فهي العلم المزين بالعمل، والعمل المتقن بالعلم: معقوله ومنقوله؛ ليضعوا كل شيء منه في أحكم مواضعه، فلا يزيغوا عن الكتاب كما زاغ بنو إسرائيل، فيكون مثلهم كمثل الحمار يحمل أسفاراً. ولو لم يكن له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معجزة إلا هذه لكانت غاية. البقاعي: 20/51.
آية
﴿ هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلْأُمِّيِّۦنَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُوا۟ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ ﴾ [سورة الجمعة آية:﴿٢﴾]
غاية الكتاب في قوة فهمه والعمل به؛ فهي العلم المزين بالعمل، والعمل المتقن بالعلم: معقوله ومنقوله؛ ليضعوا كل شيء منه في أحكم مواضعه، فلا يزيغوا عن الكتاب كما زاغ بنو إسرائيل، فيكون مثلهم كمثل الحمار يحمل أسفاراً. ولو لم يكن له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معجزة إلا هذه لكانت غاية. البقاعي: 20/51.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَٰلُكُمْ وَلَآ أَوْلَٰدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ ۚ ﴾ [سورة المنافقون آية:﴿٩﴾]
وخص الأموال والأولاد بتوجه النهي عن الاشتغال بها اشتغالاًً يلهي عن ذكر الله لأن الأموال مما يكثر إقبال الناس على إنمائها والتفكير في اكتسابها بحيث تكون أوقات الشغل بها أكثر من أوقات الشغل بالأولاد، ولأنها كما تشغل عن ذكر الله بصرف الوقت في كسبها ونمائها تشغل عن ذكره أيضاًً بالتذكير لكنزها بحيث ينسى ذكر ما دعا الله إليه من إنفاقها. ابن عاشور: 28/251.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَٰلُكُمْ وَلَآ أَوْلَٰدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ ۚ ﴾ [سورة المنافقون آية:﴿٩﴾]
لما ذكر سبحانه قبائح المنافقين رجع إلى خطاب المؤمنين مرغباً لهم في ذكره فقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله) فحذرهم عن أخلاق المنافقين الذين ألهتهم أموالهم وأولادهم عن ذكر الله. الشوكاني: 5/233.
آية
﴿ وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ ٱلْمُنَٰفِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة المنافقون آية:﴿٨﴾]
الناس يطلبون العز بأبواب الملوك، ولا يجدونه إلا في طاعة الله. كان الحسن البصري يقول: وإن هملجت بهم البراذين، وطقطقت بهم البغال، فإن ذل المعصية في رقابهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه. ابن تيمية: 6/312.
آية
﴿ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ ٱلْمُنَٰفِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ [سورة المنافقون آية:﴿٧﴾]
استدراك قوله: (ولكن المنافقين لا يفقهون) لرفع ما يتوهم من أنهم حين قالوا: (لا تنفقوا على من عند رسول الله) كانوا قالوه عن بصيرة ويقين بأن انقطاع إنفاقهم على الذين يلوذون برسول الله ﷺ يقطع رزقهم فينفضون عنه؛ بناء على أن القدرة على الإِنفاق منحصرة فيهم لأنهم أهل الأحوال، وقد غفلوا عن تعدد أسباب الغنى وأسباب الفقر. ابن عاشور:28/248.
آية
﴿ ۗ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ ٱلْمُنَٰفِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ [سورة المنافقون آية:﴿٧﴾]
استدراك قوله: (ولكن المنافقين لا يفقهون) لرفع ما يتوهم من أنهم حين قالوا: (لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا) كانوا قالوه عن بصيرة ويقين بأن انقطاع إنفاقهم على الذين يلوذون برسول الله ﷺ يقطع رزقهم، فينفضون عنه بناء على أن القدرة على الإِنفاق منحصرة فيهم لأنهم أهل الأموال، وقد غفلوا عن تعدد أسباب الغنى وأسباب الفقر. ابن عاشور: 28/248.
آية
﴿ زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ أَن لَّن يُبْعَثُوا۟ ۚ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّى لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ ۚ وَذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [سورة التغابن آية:﴿٧﴾]
العسير في متعارف الناس لا يعسر على الله، وقد قال في الآية الأخرى: (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه) [الروم: 27]. ابن عاشور: 28/272.
آية
﴿ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ۖ وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ ﴾ [سورة التغابن آية:﴿٣﴾]
قيل: جعلهم أحسن الحيوان كله وأبهاه صورة؛ بدليل أن الإنسان لا يتمنى أن تكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصور. ومن حسن صورته أنه خلق منتصبا غير منكب. القرطبي: 21/9.
آية
﴿ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ وَٱسْمَعُوا۟ وَأَطِيعُوا۟ وَأَنفِقُوا۟ خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴿١٦﴾ إِن تُقْرِضُوا۟ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَٰعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَٱللَّهُ شَكُورٌ حَلِي ﴾ [سورة التغابن آية:﴿١٦﴾]
والمقصود: الاعتناء بفضل الإِنفاق المأمور به اهتماماً مكرراً؛ فبعد أن جُعل خيراً، جُعل سببَ الفلاح، وعُرف بأنه قرض من العبد لربّه، وكفى بهذا ترغيباً وتلطفاً في الطلبِ إذ جُعل المنفق كأنه يعطي الله تعالى مالاً وذلك من معنى الإِحسان في معاملة العبد ربّه. ابن عاشور: 28/290.
آية
﴿ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ ﴾ [سورة التغابن آية:﴿١٦﴾]
يأمر تعالى بتقواه التي هي امتثال أوامره واجتناب نواهيه، ويقيد ذلك بالاستطاعة والقدرة، فهذه الآية تدل على أن كل واجب عجز عنه العبد أنه يسقط عنه، وأنه إذا قدر على بعض المأمور وعجز عن بعضه فإنه يأتي بما يقدر عليه، ويسقط عنه ما يعجز عنه. السعدي: 868.
آية
﴿ إِنَّمَآ أَمْوَٰلُكُمْ وَأَوْلَٰدُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥٓ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [سورة التغابن آية:﴿١٥﴾]
قال ابن مسعود: «لا يقولن أحدكم: اللهم إني أعوذ بك من الفتنة، فإنه ليس منكم أحد إلا وهو مشتمل على فتنة؛ لأن الله تعالى يقول: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة)، فأيكم استعاذ فليستعذ بالله من مُضِلاَّت الفتن». ابن القيم: 3/160.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِنَّ مِنْ أَزْوَٰجِكُمْ وَأَوْلَٰدِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ ۚ ﴾ [سورة التغابن آية:﴿١٤﴾]
قال القاضي أبو بكر ابن العربي: «هذا يبين وجه العداوة؛ فإن العدو لم يكن عدوا لذاته وإنما كان عدوا بفعله، فإذا فعل الزوج والولد فعل العدو كان عدواً، ولا فعل أقبح من الحيلولة بين العبد وبين الطاعة». القرطبي: 521/17.
آية
﴿ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة التغابن آية:﴿١٣﴾]
فذِكرُ اسم الإيمان هاهنا دون سائر أسمائهم دليلٌ على استدعاء الإيمان للتوكل، وأن قوة التوكل وضعفه بحسب قوة الإيمان وضعفه، وكلما قوي إيمان العبد كان توكله أقوى، وإذا ضعف الإيمان ضعف التوكل، وإذا كان التوكل ضعيفاً فهو دليل على ضعف الإيمان ولا بد. ابن القيم: 3/159.
آية
﴿ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِنۢ بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُۥ ۚ ﴾ [سورة التغابن آية:﴿١١﴾]
وهذا عام لجميع المصائب... فجميع ما أصاب العباد فبقضاء الله وقدره... والشأن كل الشأن هل يقوم العبد بالوظيفة التي عليه في هذا المقام أم لا يقوم بها؟! فإن قام بها فله الثواب الجزيل والأجر الجميل في الدنيا والآخرة، فإذا آمن أنها من عند الله فرضي بذلك وسلم لأمره هدى الله قلبه، فاطمأن ولم ينزعج عند المصائب. السعدي: 867.
آية
﴿ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُۥٓ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمْرِهِۦ ۚ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَىْءٍ قَدْرًا ﴾ [سورة الطلاق آية:﴿٣﴾]
فلما ذكر كفايته للمتوكل عليه، فربما أوهم ذلك تعجل الكفاية وقت التوكل، فعقبه بقوله: (قد جعل الله لكل شيء قدراً) أي: وقتاً لا يتعداه؛ فهو يسوقه إلى وقته الذي قَدَّرَه له، فلا يستعجل المتوكل ويقول: قد توكلت ودعوت فلم أر شيئاً، ولم تحصل لي الكفاية، فالله بالغ أمره في وقته الذي قدر له. ابن القيم: 3/165.
آية
﴿ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [سورة الطلاق آية:﴿٣﴾]
قال بعض العلماء: الرزق على نوعين؛ رزق مضمون لكل حي طول عمره؛ وهو الغذاء الذي تقوم به الحياة، وإليه الإشارة بقوله: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) [هود: 6]، ورزق موعود للمتقين خاصة، وهو المذكور في هذه الآية. ابن جزي: 2/ 456.
آية
﴿ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخْرَجًا ﴾ [سورة الطلاق آية:﴿٢﴾]
عن ابن عباس: (يجعل له مخرجا): ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة، وقيل: المخرج هو أن يقنعه الله بما رزقه... وقال الكلبي:... يجعل له مخرجا من النار إلى الجنة... [وقال] الربيع بن خثيم: من كل شيء ضاق على الناس. القرطبي: 21/42-43.
آية
﴿ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخْرَجًا ﴾ [سورة الطلاق آية:﴿٢﴾]
فمن لم يتق الله وقع في الشدائد والآصار والأغلال التي لا يقدر على التخلص منها والخروج من تبعتها، واعتبر ذلك بالطلاق؛ فإن العبد إذا لم يتق الله فيه بل أوقعه على الوجه المحرم -كالثلاث ونحوها- فإنه لا بد أن يندم ندامة لا يمكن استدراكها ولا الخروج منها. السعدي: 870.
آية
﴿ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّآ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ﴾ [سورة الطلاق آية:﴿١﴾]
قوله: (واتقوا الله ربكم) تحذير من التساهل في أحكام الطلاق والعدة؛ ذلك أن أهل الجاهلية لم يكونوا يقيمون للنساء وزناً، وكان قرابة المطلقات قلما يدافعن عنهن، فتناسى الناس تلك الحقوق وغمصوها، فلذلك كانت هذه الآيات شديدة اللهجة في التحدّي، وعبر عن تلك الحقوق بالتقوى وبحدود الله، ولزيادة الحرص على التقوى أتبع اسم الجلالة بوصف (ربكم) للتذكير بأنه حقيق بأن يتقى غضبه. ابن عاشور: 28/298-299.
آية
﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ ﴾ [سورة الطلاق آية:﴿١٢﴾]
قال أهل المعاني: هو ما يدبر فيهن من عجيب تدبيره، فينزل المطر ويخرج النبات، ويأتي بالليل والنهار والصيف والشتاء ويخلق الحيوان على اختلاف هيئاتها وينقلها من حال إلى حال. البغوي: 4/422.
آية
﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِۦ فَحَاسَبْنَٰهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَٰهَا عَذَابًا نُّكْرًا ﴿٨﴾ فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَٰقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا ﴾ [سورة الطلاق آية:﴿٨﴾]
أي حاسبنا أهلها قيل: يعني الحساب في الآخرة، وكذلك العذاب المذكور بعده، وقيل: يعني في الدنيا. وهذا أرجح؛ لأنه ذكر عذاب الآخرة بعد ذلك في قوله: (أَعَدَّ الله لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً)، أو لأن قوله: (فَحَاسَبْنَاهَا)،(وَعَذَّبْنَاهَا) بلفظ الماضي...، فمعنى حاسبناها؛ أي آخذناهم بذنوبهم ولم يغتفر لهم شيء من صغائرها، و«العذاب» هو عقابهم في الدنيا، و«النكر» هو الشديد الذي لم يعهد مثله. ابن جزي: 2/459
آية
﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِۦ فَحَاسَبْنَٰهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَٰهَا عَذَابًا نُّكْرًا ﴿٨﴾ فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَٰقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا ﴾ [سورة الطلاق آية:﴿٨﴾]
فإن من زرع الشوك لا يجني الورد، ومن أضاع حق الله لا يطاع في حظ نفسه، ومن احترق بمخالفة أمر الله تعالى فليصبر على مقاساة عقوبة الله تعالى. البقاعي: 20/167.
آية
﴿ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِۦ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُۥ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَا ۚ سَيَجْعَلُ ٱللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [سورة الطلاق آية:﴿٧﴾]
(لينفق ذو سعة من سعته) أمر بأن ينفق كل واحد على مقدار حاله، ولا يكلف الزوح ما لا يطيق، ولا تُضيَّع الزوجة، بل يكون الحال معتدلاً. وفي الآية دليل على أن النفقة تختلف باختلاف أحوال الناس. ابن جزي: 2/459.
آية
﴿ وَأْتَمِرُوا۟ بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ ۖ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُۥٓ أُخْرَىٰ ﴾ [سورة الطلاق آية:﴿٦﴾]
والائتمار بمعروف يشعر بأن للعرف دخلا في ذلك، كما هو تنبيه صريح بأن لا يضار أحد الوالدين بولده، وأن تكون المفاهمة بين الزوجين بعد الفرقة في جميع الأمور -سواء في خصوص الرضاع أو غيره- مبناها على المعروف والتسامح والإحسان، وفاء لحق العشرة السابقة، ولا تنسوا الفضل بينكم. الشنقيطي: 8/216.
آية
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لَا تَعْتَذِرُوا۟ ٱلْيَوْمَ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [سورة التحريم آية:﴿٧﴾]
ولما كان النبي ﷺ أعظم من أريد بأمر الأمة بالتأدب معه، فكان تعمد الإخلال بالأدب معه كفرا، علم أن هذه النار لأولئك، فعلم أن التقدير: يقولون: (يا أيها الذين كفروا) أي بالإخلال بالأدب في النبي صلى الله عليه وسلم، فأداهم ذلك إلى الإخلال بالأدب مع الله وبالأدب مع سائر خلقه. البقاعي: 20/199.