آخر ثلاثة أجزاء
آية
﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِۦٓ ﴾ [سورة القيامة آية:﴿١٦﴾]
تضمنت التأني والتثبت في تلقي العلم، وأن لا يحمل السامع شدة محبته وحرصه وطلبه عن مبادرة المعلم بالأخذ قبل فراغه من كلامه... فهكذا ينبغي لطالب العلم ولسامعه أن يصبر على معلمه حتى يقضيَ كلامه، ثم يعيده عليه، أو يسأل عما أشكل عليه منه، ولا يبادره قبل فراغه. ابن القيم: 3/230.
آية
﴿ وَلَآ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ ﴾ [سورة القيامة آية:﴿٢﴾]
وَنَبَّه سبحانه بكونها لوامةً على شدة حاجتها وفاقتها وضرورتها إلى من يُعَرِّفُها الخير والشر، ويدلها عليه، ويرشدها إليه، ويلهمها إياه؛ فيجعلها مريدة للخير، مرشدة له، كارهة للشر، مجانبة له؛ لتخلص من اللوم، ومن شر ما تلوم عليه، ولأنها متلومة مترددة لا تثبت على حال واحدة، فهي محتاجة إلى من يُعَرِّفُها ما هو أنفع لها في معاشها ومعادها فتؤثره وتلوم نفسها عليه إذا فاتها. ابن القيم: 3/225.
آية
﴿ إِنَّا هَدَيْنَٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [سورة الإنسان آية:﴿٣﴾]
وجمع بين الشاكر والكفور، ولم يجمع بين الشكور والكفور -مع اجتماعهما في معنى المبالغة- نفيا للمبالغة في الشكر وإثباتا لها في الكفر؛ لأن شكر الله تعالى لا يؤدى فانتفت عنه المبالغة، ولم تنتف عن الكفر المبالغة. فقل شكره لكثرة النعم عليه وكثر كفره -وإن قل- مع الإحسان إليه. القرطبي: 21/450.
آية
﴿ ٱلْإِنسَٰنِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْـًٔا مَّذْكُورًا ﴾ [سورة الإنسان آية:﴿١﴾]
تعريف الإنسان بحاله وابتداء أمره؛ ليعلم أن لا طريق له للكبر واعتقاد السيادة لنفسه، وأن لا يغلطه ما اكتنفه من الألطاف الربانية، والاعتناء الإلهي، والتكرمة؛ فيعتقد أنه يستوجب ذلك ويستحقه: (وما بكم من نعمة فمن الله) [النحل: 53]. البقاعي: 21/123.
آية
﴿ كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ ﴿٢٠﴾ وَتَذَرُونَ ٱلْءَاخِرَةَ ﴾ [سورة القيامة آية:﴿٢٠﴾]
لأن الدنيا نعيمها ولذاتها عاجلة، والإنسان مولع بحب العاجل، والآخرة متأخر ما فيها من النعيم المقيم؛ فلذلك غفلتم عنها وتركتموها كأنكم لم تخلقوا لها، وكأن هذه الدار هي دار القرار التي تبذل فيها نفائس الأعمار، ويسعى لها آناء الليل والنهار، وبهذا انقلبت عليكم الحقيقة، وحصل من الخسار ما حصل. السعدي: 900.
آية
﴿ فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِمًا أَوْ كَفُورًا ﴿٢٤﴾ وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [سورة الإنسان آية:﴿٢٤﴾]
أي اصبر لحكمه القدري فلا تسخطه، ولحكمه الديني فامض عليه، ولا يعوقك عنه عائق،... ولما كان الصبر يساعده القيام بعبادة الله والإكثار من ذكره أمره الله بذلك فقال: (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلاً). السعدي: 902.
آية
﴿ وَجَزَىٰهُم بِمَا صَبَرُوا۟ جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴿١٢﴾ مُّتَّكِـِٔينَ فِيهَا عَلَى ٱلْأَرَآئِكِ ۖ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا ﴾ [سورة الإنسان آية:﴿١٢﴾]
ولما كان في الصبر من حبس النفس، والخشونة التي تلحق الظاهر والباطن من: التعب، والنصب، والحرارة ما فيه؛ كان الجزاء عليه بالجنة التي فيها السعة، والحرير الذي فيه اللين والنعومة، والاتكاء الذي يتضمن الراحة، والظلال المنافية للحر. ابن تيمية: 6/445.
آية
﴿ إِنَّ هَٰذِهِۦ تَذْكِرَةٌ ۖ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِيلًا ﴿٢٩﴾ وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [سورة الإنسان آية:﴿٢٩﴾]
وقوله: فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا، علَّق اتخاذ السبيل إلى الله على مشيئة من شاء، وقيْدُها: ربط مشيئة العبد بمشيئة الله تعالى في قوله: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله)، وهذه مسألة القدر. الشنقيطي: 8/399.
آية
﴿ نَّحْنُ خَلَقْنَٰهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ ۖ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَٰلَهُمْ تَبْدِيلًا ﴾ [سورة الإنسان آية:﴿٢٨﴾]
(نحن خلقناهم) أي: أوجدناهم من العدم. (وشددنا أسرهم) أي: أحكمنا خلقتهم بالأعصاب، والعروق، والأوتار، والقوى الظاهرة والباطنة، حتى تم الجسم واستكمل، وتمكن من كل ما يريده؛ فالذي أوجدهم على هذه الحالة قادر على أن يعيدهم بعد موتهم لجزائهم. السعدي: 903.
آية
﴿ كُلُوا۟ وَٱشْرَبُوا۟ هَنِيٓـًٔۢا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [سورة المرسلات آية:﴿٤٣﴾]
فيه النص على أن عملهم في الدنيا سبب في تمتعهم بنعيم الجنة في الآخرة، وجاء في الحديث: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله)، ولا معارضة بين النصين؛ إذ الدخول بفضل من الله، وبعد الدخول يكون التوارث، وتكون الدرجات، ويكون التمتع بسبب الأعمال. فكلهم يشتركون في التفضل من الله عليهم بدخول الجنة، ولكنهم بعد الدخول يتفاوتون في الدرجات بسبب الأعمال. الشنقيطي: 8/404.
آية
﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلْأَرْضَ مِهَٰدًا ﴿٦﴾ وَٱلْجِبَالَ أَوْتَادًا ﴿٧﴾ وَخَلَقْنَٰكُمْ أَزْوَٰجًا ﴿٨﴾ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ﴿٩﴾ وَجَعَلْنَا ٱلَّيْلَ لِبَاسًا ﴿١٠﴾ وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشًا ﴿١١﴾ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا ﴿١٢﴾ وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا ﴿١٣﴾ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَٰتِ مَآءً ثَجَّاجًا ﴾ [سورة النبأ آية:﴿٦﴾]
وإنما ذكر الله تعالى هنا هذه المخلوقات على جهة التوقيف ليقيم الحجة على الكفار فيما أنكروه من البعث؛ كأنه يقول: إن الإله الذي قدر على خلقة هذه المخلوقات العظام قادر على إحياء الناس بعد موتهم. ابن جزي: 1/2541.
آية
﴿ عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ ﴿١﴾ عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ ﴾ [سورة النبأ آية:﴿١﴾]
ذكر سبحانه تساؤلهم عن ماذا، وبيَّنه فقال: (عن النبأ العظيم). فأورده سبحانه أولاً على طريقة الاستفهام مبهماً لتتوجه إليه أذهانهم، وتلتفت إليه أفهامهم، ثم بيَّنه بما يفيد تعظيمه وتفخيمه؛ كأنه قيل: عن أي شيء يتساءلون؟ هل أخبركم به؟ ثم قيل بطريق الجواب: (عن النبأ العظيم). الشوكاني: 5/363.
آية
﴿ إِنَّآ أَنذَرْنَٰكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يَٰلَيْتَنِى كُنتُ تُرَٰبًۢا ﴾ [سورة النبأ آية:﴿٤٠﴾]
عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم أن الله تعالى يقتص يوم البعث للبهائم، بعضها من بعض ثم يقول لها: كوني تراباً، فتكون؛ فيتمنى الكافر مثل ذلك. فقد عُلِم أن ذلك اليوم في غاية العظمة، وأنه لا بد من كونه. البقاعي:21/216.
آية
﴿ إِنَّآ أَنذَرْنَٰكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يَٰلَيْتَنِى كُنتُ تُرَٰبًۢا ﴾ [سورة النبأ آية:﴿٤٠﴾]
الكافر يقول ذلك يوم القيامة، حين لا تُقبل توبة، ولا تنفع حسنة، وأما من يقول ذلك في الدنيا فهذا يقوله في دار العمل على وجه الخشية لله، فيُثاب على خوفه من الله، وقد قالت مريم: (يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً) [مريم:23]، ولم يكن هذا كتمني الموت يوم القيامة. ابن تيمية:6/456.
آية
﴿ لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّٰبًا ﴾ [سورة النبأ آية:﴿٣٥﴾]
فلما أحاط بأهل جهنم أشدُّ الأذى بجميع حواسهم، من جراء حرق النار وسقيهم الحميم والغساق، لينال العذاب بواطنهم كما نال ظاهر أجسادهم، كذلك نفى عن أهل الجنة أقل الأذى، وهو أذى سماع ما يكرهه الناس فإن ذلك أقل الأذى. ابن عاشور:30/46.
آية
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ ﴿٤٠﴾ فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِىَ ٱلْمَأْوَىٰ ﴾ [سورة النازعات آية:﴿٤٠﴾]
وأصل الهوى: مطلق الميل وشاع في الميل إلى الشهوة، وسمي بذلك على ما قال الراغب: لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل واهية وفي الآخرة إلى الهاوية، ولذلك مدح مخالفه. قال بعض الحكماء: إذا أردت الصواب فانظر هواك فخالفه. وقال الفضيل: أفضل الأعمال مخالفة الهوى. الألوسي:3/36.
آية
﴿ ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ ٱلسَّمَآءُ ۚ بَنَىٰهَا ﴿٢٧﴾ رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّىٰهَا ﴿٢٨﴾ وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَىٰهَا ﴿٢٩﴾ وَٱلْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَىٰهَآ ﴿٣٠﴾ أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَىٰهَا ﴿٣١﴾ وَٱلْجِبَالَ أَرْسَىٰهَا ﴿٣٢﴾ مَتَٰعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَٰمِكُمْ ﴾ [سورة النازعات آية:﴿٢٧﴾]
يقول تعالى مبيناً دليلاًً واضحاًً لمنكري البعث ومستبعدي إعادة الله للأجساد: (أأنتم) أيها البشر (أشد خلقاً أم السماء)... فالذي خلق السماوات العظام وما فيها من الأنوار والأجرام، والأرض الكثيفة الغبراء وما فيها من ضروريات الخلق ومنافعهم لا بد أن يبعث الخلق المكلفين، فيجازيهم على أعمالهم، فمن أحسن فله الحسنى، ومن أساء فلا يلومن إلا نفسه؛ ولهذا ذكر بعد هذا قيام الساعة ثم الجزاء. السعدي: 909.
آية
﴿ مِنْ أَىِّ شَىْءٍ خَلَقَهُۥ ﴿١٨﴾ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُۥ فَقَدَّرَهُۥ ﴿١٩﴾ ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُۥ ﴿٢٠﴾ ثُمَّ أَمَاتَهُۥ فَأَقْبَرَهُۥ ﴾ [سورة عبس آية:﴿١٨﴾]
فقد عرف بهذا أن أول الإنسان نطفة مذرة، وآخره جيفة قذرة، وهو فيما بين ذلك يحمل العذرة، فما شرَّفَه بالعلم إلا الذي أبدعه وصوره، وذلك موجب لأن يشكره لا أن يكفره. البقاعي:21/262.
آية
﴿ كَلَّآ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ﴿١١﴾ فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُۥ ﴿١٢﴾ فِى صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ ﴿١٣﴾ مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍۭ ﴿١٤﴾ بِأَيْدِى سَفَرَةٍ ﴿١٥﴾ كِرَامٍۭ بَرَرَةٍ ﴾ [سورة عبس آية:﴿١١﴾]
(كلا إنها تذكرة): يعني: القرآن. (بأيدي سفرة * كرام بررة) أي: خلقهم كريم، حسن، شريف، وأخلاقهم وأفعالهم بارة طاهرة كاملة، ومن ههنا ينبغي لحامل القرآن أن يكون في أفعاله وأقواله على السداد والرشاد. ابن كثير:4/472.
آية
﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ ﴿١﴾ أَن جَآءَهُ ٱلْأَعْمَىٰ ﴿٢﴾ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُۥ يَزَّكَّىٰٓ ﴿٣﴾ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰٓ ﴿٤﴾ أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ ﴿٥﴾ فَأَنتَ لَهُۥ تَصَدَّىٰ ﴿٦﴾ وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ ﴿٧﴾ وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَىٰ ﴿٨﴾ وَهُوَ يَخْشَىٰ ﴿٩﴾ فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ ﴾ [سورة عبس آية:﴿١﴾]
هذه فائدة كبيرة، هي المقصودة من بعثة الرسل، ووعظ الوعاظ، وتذكير المذكرين، فإقبالك على من جاء بنفسه مفتقراً لذلك منك هو الأليق الواجب، وأما تصديك وتعرضك للغني المستغني الذي لا يسأل ولا يستفتي لعدم رغبته في الخير مع تركك من هو أهم منه، فإنه لا ينبغي لك، فإنه ليس عليك أن لا يزكى، فلو لم يَتَزَكَّ فلست بمحاسب على ما عمله من الشر. فدل هذا على القاعدة: أنه لا يترك أمر معلوم لأمر موهوم، ولا مصلحة متحققة لمصلحة متوهمة. السعدي:911.
آية
﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَٰلَمِينَ ﴿٢٧﴾ لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ ﴾ [سورة التكوير آية:﴿٢٧﴾]
هذا القرآن ذكر لجميع الناس؛ يتذكرون به ويتعظون: (إن هو إلا ذكر للعالمين * لمن شاء منكم أن يستقيم) أي: من أراد الهداية فعليه بهذا القرآن؛ فإنه منجاة له وهداية، ولا هداية فيما سواه. ابن كثير:4/481.
آية
﴿ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَٰنٍ رَّجِيمٍ ﴿٢٥﴾ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ﴿٢٦﴾ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة التكوير آية:﴿٢٥﴾]
فمن علم هذه الأوصاف للقرآن والرسولين الآتيين به الملكي والبشري؛ أحبه وأحبهما، وبالغ في التعظيم والإجلال، وأقبل على تلاوته في كل أوقاته، وبالغ في السعي في كل ما يأمر به والهرب مما ينهى عنه، ليحصل له الاستقامة رغبة في مرافقة من أتى به ورؤية من أتى من عنده. البقاعي:21/294.
آية
﴿ إِنَّهُۥ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴿١٩﴾ ذِى قُوَّةٍ عِندَ ذِى ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ ﴿٢٠﴾ مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ﴾ [سورة التكوير آية:﴿١٩﴾]
هذا كله يدل على شرف القرآن عند الله تعالى، بأنه بعث به هذا الملك الكريم، الموصوف بتلك الصفات الكاملة، والعادة أن الملوك لا ترسل الكريم عليها إلا في أهم المهمات، وأشرف الرسائل. السعدي:913.
آية
﴿ إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴿١﴾......عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ ﴾ [سورة التكوير آية:﴿١﴾]
هذه الأوصاف التي وصف الله بها يوم القيامة من الأوصاف التي تنزعج لها القلوب، وتشتد من أجلها الكروب، وترتعد الفرائص، وتعم المخاوف، وتحث أولي الألباب للاستعداد لذلك اليوم، وتزجرهم عن كل ما يوجب اللوم. السعدي:912.
آية
﴿ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ ﴿٤٠﴾ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ﴿٤١﴾ أُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْكَفَرَةُ ٱلْفَجَرَةُ ﴾ [سورة عبس آية:﴿٤١﴾]
أي الذين خرجوا عن دائرة الشرع خروجاً فاحشاً حتى كانوا عريقين في ذلك الكفر والفجور، وهم في الأغلب المترفون الذين يحملهم غناهم على التكبر والأشر والبطر، فلجمعهم بين الكفر والفجور جمع لهم بين الغبرة والقترة. البقاعي:21/273.
آية
﴿ أَلَا يَظُنُّ أُو۟لَٰٓئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ ﴿٤﴾ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ﴿٥﴾ يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة المطففين آية:﴿٤﴾]
وفي هذا الإنكار والتعجيب وكلمة الظن ووصف اليوم بالعظيم وقيام الناس فيه لله خاضعين ووصف ذاته برب العالمين بيان بليغ لعظم الذنب وتفاقم الإثم في التطفيف. القرطبي:22/136.
آية
﴿ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ ﴿١﴾ ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُوا۟ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ﴿٢﴾ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴾ [سورة المطففين آية:﴿١﴾]
وفي ذلك تنبيه على أن أصل الآفات الخلق السيِّء، وهو حب الدنيا الموقع في جَمْعِ الأموال من غير وجهها ولو بأخس الوجوه: التطفيف الذي لا يرضاه ذو مروءة، وهم من يقاربون ملء الكيل وعدل الوزن ولا يملؤون ولا يعدلون. البقاعي:21/311.
آية
﴿ إِنَّ ٱلْأَبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ ﴿١٣﴾ وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ ﴾ [سورة الإنفطار آية:﴿١٣﴾]
لا تحسب أن الآية مقصورةٌ على نعيم الآخرة وجحيمها فقط، بل في دورهم، أعني: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار، فهؤلاء في نعيم، وهؤلاء في جحيم، وهل النعيمُ إلا نعيم القلب؟ وهل العذاب إلا عذاب القلب؟ وأي عذابٍ أشد من الخوف والهم والحزن وضيق الصدر وإعراضه عن الله والدار الآخرة وتعلقه بغير الله وانقطاعه عن الله بكل وادٍ منه شعبة؟! وكل من تعلق به وأحبه من دون الله فإنه يسومه سوء العذاب. ابن القيم:3/267.
آية
﴿ وَإِذَا ٱنقَلَبُوٓا۟ إِلَىٰٓ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُوا۟ فَكِهِينَ ﴾ [سورة المطففين آية:﴿٣١﴾]
أي: مسرورين مغتبطين، وهذا من أعظم ما يكون من الاغترار، أنهم جمعوا بين غاية الإساءة والأمن في الدنيا، حتى كأنهم قد جاءهم كتاب من الله وعهد أنهم أهل السعادة، وقد حكموا لأنفسهم أنهم أهل الهدى، وأن المؤمنين ضالون، افتراء على الله، وتجرؤا على القول عليه بلا علم. السعدي:916.
آية
﴿ وَمِزَاجُهُۥ مِن تَسْنِيمٍ ﴿٢٧﴾ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ ﴾ [سورة المطففين آية:﴿٢٧﴾]
والتسنيم أعلى أشربة الجنة، فأخبر سبحانه أن مزاج شراب الأبرار من التسنيم، وأن المقربين يشربون منه بلا مزاج...وهذا لأن الجزاء وفاق العمل، فكما خلصت أعمال المقربين كلها لله خلص شرابهم، وكما مزج الأبرار الطاعات بالمباحات مزج لهم شرابهم، فمن أَخْلَصَ أُخْلِص شرابه، ومن مَزَج مُزِج شرابُه. ابن القيم:3/270.
آية
﴿ خِتَٰمُهُۥ مِسْكٌ ۚ وَفِى ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَٰفِسُونَ ﴾ [سورة المطففين آية:﴿٢٦﴾]
وفي هذه الآية الكريمة لفت لأول السورة، إذا كان أولئك يسعون لجمع المال بالتطفيف، فلهم الويل يوم القيامة. وإذا كان الأبرار لفي نعيم يوم القيامة، وهذا شرابهم، فهذا هو محل المنافسة، لا في التطفيف من الحب أو أي مكيل أو موزون. الشنقيطي:8/463.
آية
﴿ خِتَٰمُهُۥ مِسْكٌ ۚ وَفِى ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَٰفِسُونَ ﴾ [سورة المطففين آية:﴿٢٦﴾]
المتنافسون أي الراغبون في المبادرة إلى طاعة الله تعالى وأصل التنافس التغالب في الشيء النفيس، ومجاهدة النفس للتشبه بالأفاضل واللحوق بهم من غير إدخال ضرر على غيره وهي بهذا المعنى من شرف النفس وعلو الهمة. الألوسي:15/283.
آية
﴿ كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا۟ يَكْسِبُونَ ﴾ [سورة المطففين آية:﴿١٤﴾]
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إذا أذنب العبد نكت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب صقل منها، فإن عاد عادت حتى تعظم في قلبه، فذلك الران الذي قال الله: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)». الطبري:24/286.
آية
﴿ كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا۟ يَكْسِبُونَ ﴾ [سورة المطففين آية:﴿١٤﴾]
هو الذنب على الذنب حتى يسود القلب، قال مجاهد: هو الرجل يذنب الذنب فيحيط الذنب بقلبه ثم يذنب الذنب، فيحيط الذنب بقلبه حتى تغشى الذنوب قلبه..قال بكر بن عبدالله: إن العبد إذا أذنب صار في قلبه كوخزة الإبرة، ثم إذا ثانيا صار كذلك ثم إذا كثرت الذنوب صار القلب كالمنخل أو كالغربال لايعي خيراً ولا يثبت فيه صلاح. القرطبي:22/143.
آية
﴿ إِنَّهُۥ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ ﴾ [سورة الإنشقاق آية:﴿١٤﴾]
هذا الظن مما يشعر أن عدم الإيمان بالبعث أو الشك فيه هو الدافع لكل سوء والمضيع لكل خير، وأن الإيمان باليوم الآخر هو المنطلق لكل خير والمانع لكل شر، والإيمان بالبعث هو منطلق جميع الأعمال الصالحة كما في مستهل المصحف: (هدى للمتقين) [البقرة: 2]. الشنقيطي:8/471.
آية
﴿ عَلَى ٱلْأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ ﴾ [سورة المطففين آية:﴿٣٥﴾]
أي إلى ما يشتهون من الجنان والأنهار والحور والولدان، ليس لهم شغل غير ذلك وما شابهه من المستلذات. وقال الإمام القشيري: أثبت النظر ولم يبين المنظور إليه لاختلافهم: منهم من ينظر إلى قصوره، ومنهم من ينظر إلى حوره، ومنهم ومنهم، والخواص على دوام الأوقات إلى الله تعالى ينظرون كما أن الفجار دائماً عن ربهم محجوبون. البقاعي:21/327.
آية
﴿ هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلْجُنُودِ ﴿١٧﴾ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ ﴾ [سورة البروج آية:﴿١٧﴾]
تسلية له صلّى اللّه عليه وسلم بالإشعار بأنه سيصيب كفرة قومه ما أصاب الجنود... والمعنى: قد أتاك حديثهم وعرفت ما فَعَلُوا وما فُعِل بهم فذكِّر قومك بأيام اللّه تعالى وشؤونه سبحانه،وأنذرهم أن يصيبهم مثل ما أصاب أمثالهم. الألوسي:30/39.
آية
﴿ ٱلَّذِى لَهُۥ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [سورة البروج آية:﴿٩﴾]
(الذي له ملك السموات والأرض): خلقاً وعبيداً، يتصرف فيهم تصرف المالك بملكه، (والله على كل شيء شهيد): علماً وسمعاً وبصراً، أفلا خاف هؤلاء المتمردون على الله أن يبطش بهم العزيز المقتدر؟! أوَما علموا أنهم جميعهم مماليك لله، ليس لأحد على أحد سلطة من دون إذن المالك؟! أوَخفي عليهم أن الله محيط بأعمالهم، مجازٍ لهم على فعالهم؟! كلا إن الكافر في غرور، والظالم في جهل وعمى عن سواء السبيل. السعدي:918.
آية
﴿ قُتِلَ أَصْحَٰبُ ٱلْأُخْدُودِ ﴿٤﴾ ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ ﴾ [سورة البروج آية:﴿٤﴾]
قال علماؤنا: أعلم الله عز وجل المؤمنين من هذه الأمة في هذه الآية ما كان يلقاه من وحد قبلهم من الشدائد يؤنسهم بذلك وذكر لهم النبي صلى الله عليه وسلم قصة الغلام ليصبروا على ما يلاقون من الأذى والآلام والمشقات التي كانوا عليها ليتأسوا بمثل هذا الغلام في صبره وتصلبه في الحق وتمسكه به وبذله نفسه في حق إظهار دعوته ودخول الناس في الدين مع صغر سنه وعظيم صبره. القرطبي:22/192-192.
آية
﴿ فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكْرَىٰ ﴾ [سورة الأعلى آية:﴿٩﴾]
أي: ذكر حيث تنفع التذكرة، ومن ههنا يؤخذ الأدب في نشر العلم؛ فلا يضعه عند غير أهله، كما قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: «ما أنت بمحدث قوماًً حديثاًً لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم». وقال: «حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟!». ابن كثير: 4/501.
آية
﴿ فَمَا لَهُۥ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ ﴾ [سورة الطارق آية:﴿١٠﴾]
فما للإنسان الكافر يومئذ من قوة يمتنع بها من عذاب الله وأليم نكاله، ولا ناصر ينصره فيستنقذه ممن ناله بمكروه، وقد كان في الدنيا يرجع إلى قوة من عشيرته يمتنع بهم ممن أراده بسوء، وناصر من حليف ينصره على من ظلمه واضطهده. الطبري: 24/359.
آية
﴿ يَوْمَ تُبْلَى ٱلسَّرَآئِرُ ﴾ [سورة الطارق آية:﴿٩﴾]
وفي التعبير عن الأعمال بالسر لطيفة: وهو أن الأعمال نتائج السرائر الباطنة، فمن كانت سريرته صالحة كان عمله صالحاًً، فتبدو سريرته على وجهه نوراًً وإشراقاًً وحياء، ومن كانت سريرته فاسدة كان عمله تابعاًً لسريرته، لا اعتبار بصورته، فتبدو سريرته على وجهه سواداًً وظلمة وشيناًً، وإن كان الذي يبدو عليه في الدنيا إنما هو عمله لا سريرته، فيوم القيامة تبدو عليه سريرته، ويكون الحكم والظهور لها. ابن القيم: 3/288-289.
آية
﴿ فَأَمَّا ٱلْإِنسَٰنُ إِذَا مَا ٱبْتَلَىٰهُ رَبُّهُۥ فَأَكْرَمَهُۥ وَنَعَّمَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّىٓ أَكْرَمَنِ ﴿١٥﴾ وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلَىٰهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّىٓ أَهَٰنَنِ ﴿١٦﴾ كَلَّا ۖ ﴾ [سورة الفجر آية:﴿١٥﴾]
يقول تعالى منكراًً على الإنسان في اعتقاده إذا وسع الله تعالى عليه في الرزق ليختبره بذلك فيعتقد أن ذلك من الله إكرام له، وليس كذلك بل هو ابتلاء وامتحان... وكذلك في الجانب الآخر إذا ابتلاه وامتحنه وضيَّق عليه في الرزق يعتقد أن ذلك من الله إهانة له؛ كما قال الله تعالى: (كلا) أي: ليس الأمر كما زعم، لا في هذا ولا في هذا؛ فإن الله تعالى يعطي المال من يحب ومن لا يحب، ويضيق على من يحب ومن لا يحب، وإنما المدار في ذلك على طاعة الله في كل من الحالين: إذا كان غنياًً بأن يشكر الله على ذلك، وإذا كان فقيراًً بأن يصبر. ابن كثير: 4/510.
آية
﴿ فَأَمَّا ٱلْإِنسَٰنُ إِذَا مَا ٱبْتَلَىٰهُ رَبُّهُۥ فَأَكْرَمَهُۥ وَنَعَّمَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّىٓ أَكْرَمَنِ ﴾ [سورة الفجر آية:﴿١٥﴾]
صفة الكافر الذي لا يؤمن بالبعث؛ إنما الكرامة عنده والهوان بكثرة الحظ في الدنيا وقلَّته، فأما المؤمن فالكرامة عنده أن يكرمه الله بطاعته وتوفيقه المؤدي إلى حظ الآخرة، وإن وسع عليه في الدنيا حمده وشكره. القرطبي: 22/276.