آخر ثلاثة أجزاء
آية
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَٰنَ فِى كَبَدٍ ﴾ [سورة البلد آية:﴿٤﴾]
المراد بذلك ما يكابده ويقاسيه من الشدائد في الدنيا، وفي البرزخ، ويوم يقوم الأشهاد، وأنه ينبغي له أن يسعى في عمل يريحه من هذه الشدائد، ويوجب له الفرح والسرور الدائم، وإن لم يفعل فإنه لا يزال يكابد العذاب الشديد أبد الآباد. السعدي: 925.
آية
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ ﴿٥﴾ وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ ﴿٦﴾ فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلْيُسْرَىٰ ﴿ ﴾ [سورة الليل آية:﴿٥﴾]
أي نهيئه للطريقة اليسرى؛ وهي فعل الخيرات وترك السيئات. وضد ذلك تيسيره للعسرى، ومنه قوله ﷺ: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) أي: يهيئه الله لما قدر له، ويسهل عليه فعل الخيرات أو الشر. ابن جزي: 2/589.
آية
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّىٰهَا ﴾ [سورة الشمس آية:﴿٧﴾]
النفس آية كبيرة من آياته التي هي حقيقةٌ بالإقسام بها؛ فإنها في غاية اللطف والخفة، سريعة التنقل والحركة، والتغير والتأثر والانفعالات النفسية من: الهم، والإرادة، والقصد، والحب، والبغض، وهي التي لولاها لكان البدن مجرد تمثال لا فائدة فيه، وتسويتها على هذا الوجه آية من آيات الله العظيمة. السعدي: 926.
آية
﴿ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ ﴿٣﴾ وَلَلْءَاخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلْأُولَىٰ ﴾ [سورة الضحى آية:﴿٣﴾]
والحال أن الآخرة خير لك من الأولى وأنت تختارها عليها، ومن حاله كذلك لا يتركه ربه؛ ففيه إرشاد للمؤمنين إلى ما هو ملاك قرب العبد إلى الرب عز وجل، وتوبيخ للمشركين بما هم فيه من التزام أمر الدنيا والإعراض عن الآخرة. الألوسي: 15/379.
آية
﴿ ٱلَّذِى يُؤْتِى مَالَهُۥ يَتَزَكَّىٰ ﴿١٨﴾ وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰٓ ﴾ [سورة الليل آية:﴿١٨﴾]
في الآية الإرشاد إلى أن صاحب التقوى لا ينبغي له أن يتحمل مَنَّ الخلق ونعمَهم، وإن حمل منهم شيئاً بادر إلى جزائهم عليه؛ لئلا يتبقى لأحد من الخلق عليه نعمة تجزى، فيكون بعد ذلك عمله كله لله وحده، ليس للمخلوق جزاء على نعمته. ابن القيم: 3/326.
آية
﴿ كَلَّآ إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَيَطْغَىٰٓ ﴿٦﴾ أَن رَّءَاهُ ٱسْتَغْنَىٰٓ ﴿٧﴾ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰٓ ﴾ [سورة العلق آية:﴿٦﴾]
يخبر تعالى عن الإنسان أنه ذو فرح وأشر وبطر وطغيان إذا رأى نفسه قد استغنى وكثر ماله. ثم تهدده وتوعده ووعظه فقال: (إن إلى ربك الرجعى) أي: إلى الله المصير والمرجع، وسيحاسبك على مالك من أين جمعته وفيم صرفته. ابن كثير: 4/531.
آية
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَٰنَ فِىٓ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [سورة التين آية:﴿٤﴾]
هو اعتداله واستواء شبابه... قال أبوبكر بن طاهر: «مزيناً بالعقل، مؤدياً للأمر، مهدياً بالتمييز، مديد القامة، يتناول مأكوله بيده»... أحسن خلق الله باطنا وظاهرا: جمال هيئة، وبديع تركيب الرأس بما فيه، والصدر بما جمعه، والبطن بما حواه، والفرج بما طواه، واليدان وما بطشتاه، والرجلان وما احتملتاه. القرطبي:22/368-370.
آية
﴿ وَمَآ أُمِرُوٓا۟ إِلَّا لِيَعْبُدُوا۟ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلْقَيِّمَةِ ﴾ [سورة البينة آية:﴿٥﴾]
وخص الصلاة والزكاة بالذكر مع أنهما داخلان في قوله: (ليعبدوا الله مخلصين له الدين) لفضلهما وشرفهما، وكونهما العبادتين اللتين من قام بهما قام بجميع شرائع الدين. السعدي: 932.
آية
﴿ وَمَآ أُمِرُوٓا۟ إِلَّا لِيَعْبُدُوا۟ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلْقَيِّمَةِ ﴾ [سورة البينة آية:﴿٥﴾]
(وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) أي: متحنفين عن الشرك إلى التوحيد. (ويقيموا الصلاة) وهي أشرف عبادات البدن، (ويؤتوا الزكاة) وهي الإحسان إلى الفقراء والمحاويج. (وذلك دين القيمة) أي: الملة القائمة العادلة، أو الأمة المستقيمة المعتدلة. وقد استدل كثير من الأئمة -كالزهري والشافعي- بهذه الآية الكريمة على أن الأعمال داخلة في الإيمان. ابن كثير: 4/540.
آية
﴿ لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ وَٱلْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ ﴾ [سورة البينة آية:﴿١﴾]
دل ذلك على غاية العوج لأهل الكتاب؛ لأنهم كانوا لما عندهم من العلم أولى من المشركين بالاجتماع على الهدى، ودل ذلك على أن وقوع اللدد والعناد من العالِم أكثر. البقاعي: 22/192.
آية
﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ ﴾ [سورة القدر آية:﴿١﴾]
الضمير في أنزلناه للقرآن؛ دل على ذلك سياق الكلام، وفي ذلك تعظيم للقرآن من ثلاثة أوجه: أحدها أنه ذكر ضميره دون اسمه الظاهر دلالة على شهرته والاستغناء عن تسميته، الثاني أنه اختار لإنزاله أفضل الأوقات، والثالث أن الله أسند إنزاله إلى نفسه. ابن جزي: 2/593.
آية
﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ ﴾ [سورة القدر آية:﴿١﴾]
كون إنزال القرآن هنا في الليل دون النهار مشعر بفضل اختصاص الليل. وقد أشار القرآن والسنة إلى نظائره؛ فمن القرآن قوله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا)، ومنه قوله: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك)، (ومن الليل فسبحه وأدبار السجود)، (إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلاً)، وقوله: (كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون). ومن السنة قوله ﷺ: (إذا كان ثلث الليل الآخر ينزل ربنا إلى سماء الدنيا) الحديث. وهذا يدل على أن الليل أخص بالنفحات الإلهية، وبتجليات الرب سبحانه لعباده؛ وذلك لخلو القلب وانقطاع الشواغل وسكون الليل، ورهبته أقوى على استحضار القلب وصفائه. الشنقيطي: 9/38.
آية
﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُۥ ﴿٧﴾ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُۥ ﴾ [سورة الزلزلة آية:﴿٧﴾]
عن أنس، أن رسول الله ﷺ قال: (إن الله لا يظلم المؤمن حسنة: يثاب عليها الرزق في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة; وأما الكافر فيعطيه بها في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة لم تكن له حسنة). الطبري: 24/553.
آية
﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُۥ ﴿٧﴾ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُۥ ﴾ [سورة الزلزلة آية:﴿٧﴾]
المثقال هو الوزن، والذرة هي النملة الصغيرة، والرؤية هنا ليست برؤية بصر، وإنما هي عبارة عن الجزاء. وذكر الله مثقال الذرة تنبيهاًً على ما هو أكثر منه من طريق الأولى؛ كأنه قال: من يعمل قليلاًً أو كثيراًً. ابن جزي: 2/600.
آية
﴿ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا۟ أَعْمَٰلَهُمْ ﴾ [سورة الزلزلة آية:﴿٦﴾]
ما من أحد يوم القيامة إلا ويلوم نفسه؛ فإن كان محسنا فيقول: لم لا ازددت إحساناً؟! وإن كان غير ذلك يقول: لم لا نزعت عن المعاصي؟! وهذا عند معاينة الثواب والعقاب. وكان ابن عباس يقول: أشتاتا: متفرقين على قدر أعمالهم. القرطبي: 22/437.
آية
﴿ جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّٰتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا ۖ رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا۟ عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِىَ رَبَّهُۥ ﴾ [سورة البينة آية:﴿٨﴾]
فمن خاف ربه هذا الخوف انفك من جميع ما عنده مما لا يليق بجنابه سبحانه، ولم يقدح في البينة ولا توقف فيها. وما فارق الخوف قلباًً إلا خرب. البقاعي: 22/199.
آية
﴿ جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّٰتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا ۖ رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا۟ عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِىَ رَبَّهُۥ ﴾ [سورة البينة آية:﴿٨﴾]
الخشية ملاك السعادة الحقيقية والفوز بالمراتب العلية؛ إذ لولاها لم تُترك المناهي والمعاصي، ولا استعد ليوم يؤخذ فيه بالأقدام والنواصي. الألوسي: 15/431.
آية
﴿ رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا۟ عَنْهُ ۚ ﴾ [سورة البينة آية:﴿٨﴾]
لأنهم لم يبق لهم أمنية إلا أعطاهموها، مع علمهم أنه متفضل في جميع ذلك، لا يجب عليه لأحد شيء، ولا يقدره أحد حق قدره؛ فلو أخذ الخلق بما يستحقونه أهلكهم. وأعظم نعمه عليهم ما منّ عليهم به من متابعتهم رسول الله ﷺ ؛ فإن ذلك كان سبباًً لكل خير. البقاعي: 22/198.
آية
﴿ أَلْهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ ﴾ [سورة التكاثر آية:﴿١﴾]
هذا خبر يراد به الوعظ والتوبيخ، ومعنى (ألهاكم): شغلكم، و(التكاثر): المباهاة بكثرة المال والأولاد، وأن يقول هؤلاء: «نحن أكثر»، ويقول هؤلاء: «نحن أكثر». ولما قرأها النبي ﷺ قال: (يقول ابن آدم: مالي مالي. وليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت). ابن جزي: 2/605.
آية
﴿ أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِى ٱلْقُبُورِ ﴿٩﴾ وَحُصِّلَ مَا فِى ٱلصُّدُورِ ﴾ [سورة العاديات آية:﴿٩﴾]
وجمع سبحانه بين القبور والصدور... فإن الإنسان يواري صدرُه ما فيه من الخير والشر، ويواري قبرُه جسمَه؛ فيخرج الرب جسمه من قبره، وسره من صدره؛ فيصير جسمه بارزاًً على الأرض، وسره بادياًً على وجهه. ابن القيم: 3/352-353.
آية
﴿ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلصَّبْرِ ﴾ [سورة العصر آية:﴿٣﴾]
أل التعريف في قوله: (الصالحات) تعريف الجنس مراد به الاستغراق؛ أي عملوا جميع الأعمال الصالحة التي أمروا بعملها بأمر الدين. وعَمل الصالحات يشمل ترك السيئات. ابن عاشور: 30/532.
آية
﴿ وَٱلْعَصْرِ ﴿١﴾ إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَفِى خُسْرٍ ﴿٢﴾ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلصَّبْرِ ﴾ [سورة العصر آية:﴿١﴾]
قال الشافعي رضي الله عنه: لو فكر الناس كلهم في هذه السورة لكفتهم. وبيان ذلك أن المراتب أربع، باستكمالها يحصل للشخص غاية كماله. إحداها: معرفة الحق. الثانية: عمله به. الثالثة: تعليمه من لا يحسنه. الرابعة: صبره على تعلمه والعمل به وتعليمه. فذكر تعالى المراتب الأربع في هذه السورة. ابن القيم: 3/365.
آية
﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلْأَبْتَرُ ﴾ [سورة الكوثر آية:﴿٣﴾]
أهل السنة يموتون ويحيى ذكرهم، وأهل البدعة يموتون ويموت ذكرهم؛ لأن أهل السنة أحيوا ما جاء به الرسول ﷺ فكان لهم نصيب من قوله: (ورفعنا لك ذكرك)، وأهل البدعة شنأوا ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- فكان لهم نصيب من قوله: (إن شانئك هو الأبتر). ابن تيمية: 7/198.
آية
﴿ فَلْيَعْبُدُوا۟ رَبَّ هَٰذَا ٱلْبَيْتِ ﴿٣﴾ ٱلَّذِىٓ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَءَامَنَهُم مِّنْ خَوْفٍۭ ﴿ ﴾ [سورة قريش آية:﴿٣﴾]
أهلك الله من أرادهم بسوء، وعظَّم أمر الحرم وأهله في قلوب العرب حتى احترموهم ولم يعترضوا لهم في أي سفر أرادوا؛ ولهذا أمرهم الله بالشكر فقال: (فليعبدوا رب هذا البيت) أي: ليوحدوه ويخلصوا له العبادة. السعدي: 894.
آية
﴿ وَٱمْرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ ﴿٤﴾ فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍۭ ﴾ [سورة المسد آية:﴿٤﴾]
كانت زوجته... وكانت عوناًً لزوجها على كفره وجحوده وعناده، فلهذا تكون يوم القيامة عوناًً عليه في عذابه في نار جهنم، ولهذا قال: (حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد) يعني: تحمل الحطب فتلقي على زوجها ليزداد في نار جهنم.
آية
﴿ إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ ﴿١﴾ وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِى دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجًا ﴿٢﴾ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابًۢا ﴾ [سورة النصر آية:﴿١﴾]
الأمور الفاضلة تختم بالاستغفار؛ كالصلاة والحج وغير ذلك، فأَمْرُ الله لرسوله بالحمد والاستغفار في هذه الحال إشارة إلى أن أجله قد انتهى، فليستعد ويتهيأ للقاء ربه، ويختم عمره بأفضل ما يجده صلوات الله وسلامه عليه. السعدي: 936.
آية
﴿ إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ ﴿١﴾ وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِى دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجًا ﴿٢﴾ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابًۢا ﴾ [سورة النصر آية:﴿١﴾]
إشارة لأن يستمر النصر لهذا الدين، ويزداد عند حصول التسبيح بحمد الله واستغفاره من رسوله؛ فإن هذا من الشكر، والله تعالى يقول: (لئن شكرتم لأزيدنكم)، وقد وجد ذلك في زمن الخلفاء الراشدين، وبعدهم في هذه الأمة؛ لم يزل نصر الله مستمراًً حتى وصل الإسلام إلى ما لم يصل إليه دين من الأديان، ودخل فيه ما لم يدخل في غيره، حتى حدث من الأمة من مخالفة أمر الله ما حدث، فابتلاهم الله بتفرق الكلمة، وتشتت الأمر، فحصل ما حصل. السعدي: 936.
آية
﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ ﴾ [سورة الكافرون آية:﴿٦﴾]
في هذه السُّورة منهج إِصلاحي؛ وهو عدم قَبولِ ولا صلاحية أَنصاف الْحلُولِ; لأنَّ ما عَرَضُوهُ علَيه ﷺ مِنَ الْمشاركَة في الْعبادة يُعتَبَرُ في مقْياسِ الْمنطقِ حلاًّ وَسَطًا؛ لاحتمالِ إِصابة الْحقِّ في أَحد الْجانبينِ، فَجاء الرَّدُّ حاسمًاً وزاجرًا وبشدَّةٍ; لأَنَّ فيه -أَي فيما عَرَضُوهُ- مُسَاواةً للْباطلِ بِالْحقِّ، وفيه تعليق الْمُشكلَةِ، وفيه تقْرِير الْباطلِ إِن هو وافَقَهم ولَو لَحظَةً. الشنقيطي: 9/136.
آية
﴿ مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ ﴾ [سورة الناس آية:﴿٤﴾]
وسوسة الشيطان في صدر الإنسان بأنواع كثيرة، منها: إفساد الإيمان والتشكيك في العقائد، فإن لم يقدر على ذلك أمره بالمعاصي، فإن لم يقدر على ذلك ثبَّطه عن الطاعات، فإن لم يقدر على ذلك أدخل عليه الرياء في الطاعات ليحبطها، فإن سلم من ذلك أدخل عليه العُجْب بنفسه واستكثار عمله، ومن ذلك أنه يوقد في القلب نار الحسد والحقد والغضب حتى يقود الإنسان إلى شر الأعمال وأقبح الأحوال. ابن جزي: 2/63.
آية
﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ ﴿١﴾ مَلِكِ ٱلنَّاسِ ﴿٢﴾ إِلَٰهِ ٱلنَّاسِ ﴾ [سورة الناس آية:﴿١﴾]
فإن قيل: لم قدم وصفه تعالى برب ثم بملك ثم بإله؟ فالجواب أن هذا على الترتيب في الارتقاء إلى الأعلى؛ وذلك أن الرب قد يطلق على كثير من الناس فيقال: فلان رب الدار، وشبه ذلك، فبدأ به لاشتراك معناه، وأما الملك فلا يوصف به إلا أحد من الناس -وهم الملوك- ولا شك أنهم أعلى من سائر الناس؛ فلذلك جاء به بعد الرب، وأما الإله فهو أعلى من الملك؛ ولذلك لا يدَّعي الملوك أنهم آلهة؛ فإنما الإله واحد لا شريك له ولا نظير؛ فلذلك ختم به. ابن جزي: 2/631.
آية
﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ ﴿١﴾ مَلِكِ ٱلنَّاسِ ﴿٢﴾ إِلَٰهِ ٱلنَّاسِ ﴾ [سورة الناس آية:﴿١﴾]
في سورة الْفَلَقِ جاء في الاستعاذة بصفَة واحدة وهي «بِرب الْفَلَقِ». وفي سورة النَّاسِ جاء في الاستعاذة بثلاث صفَات، مع أَنَّ الْمستعاذ منه في الأُولَى ثلاثةُ أُمورٍ، والْمستعاذ منه في الثانيةِ أَمر واحد، فَلخطَرِ الأمرِ الْواحد جاءت الصفَات الثلاث. الشنقيطي: 9/183.
آية
﴿ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ ﴾ [سورة الإخلاص آية:﴿٢﴾]
(الصمد) قال ابن الأنباري: لا خلاف بين أهل اللغة أنه السيد الذي ليس فوقه أحد، الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وأمورهم. وقال الزجاج: هو الذي ينتهي إليه السؤدد، ويصمد إليه -أي يقصده- كل شيء... وعن أبي هريرة: «هو المستغني عن كل أحد المحتاج إليه كل أحد». الألوسي: 30/ 273- 274.
آية
﴿ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [سورة الإخلاص آية:﴿١﴾]
واختلف في معنى قوله ﷺ: («قل هو الله أحد» تعدل ثلث القرآن) فقيل: إن ذلك في الثواب؛ أي لمن قرأها من الأجر مثل أجر من قرأ ثلث القرآن، وقيل: إن ذلك فيما تضمنته من المعاني والعلوم؛ وذلك أن علوم القرِآن ثلاثة: توحيد وأحكام وقصص، وقد اشتملت هذه السورة على التوحيد؛ فهي ثلث القرآن بهذا الاعتبار، وهذا أظهر. ابن جزي: 2/624.