تعظيم قدر الصلاة - 3
حكمــــــة
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
قال أبو عبد الله: ومن الدليل على ضلالة الخوارج سوى ما ذكرنا مخالفتهم لجماعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، اقتتل المسلمون يوم الجمل، ويوم صفين، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار متوافرون فقتل بينهم خلق كثير لم يشهد بعضهم على بعض بالكفر، ولا استحل بعضهم مال بعض، وقعد عن الفريقين جميعا جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يشهد القاعدون عليهم بالكفر ولا شهدوا أولئك على هؤلاء بالكفر، ولم يحجب أحد منهم عن أحد صلاته واستغفاره تأثما من ذلك، ولا حرم أحد امرأة على زوجها بذنب أصابه.
حكمــــــة
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
عن أبي سويد، عن الحسن، قال: لما قدم وفد أهل البصرة على عمر بن الخطاب فيهم الأحنف بن قيس سرحهم وحبسه عنده، ثم قال: أتدري لم حبستك؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم «حذرنا كل منافق عالم اللسان وإني أتخوف أن تكون منهم، وأرجو أن لا تكون منهم، فافرغ من صنعتك والحق بأهلك».
حكمــــــة
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
عن عبد الله، قال: اعتبروا المنافق بثلاث: إذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، ثم قال: اقرءوا: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين، فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون} [التوبة: 76] ".
حكمــــــة
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
قال أبو عبد الله: وقد غلت في تأويل هذه الأخبار التي جاءت في نفي الإيمان عن من ارتكب الكبائر طوائف من أهل الأهواء والبدع منهم الخوارج والمعتزلة والرافضة. فأما الخوارج فتأولتها على إكفار المسلمين بالمعاصي، وسفك دمائهم. قالوا: تأويل قوله: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» أنه كافر بالله لأن الإيمان ضد الكفر فإذا لم يكن مؤمنا فهو كافر لأنهما فعلان متضادان أحدهما ينفي الآخر، فإذا فعل الإيمان قيل مؤمن لفعله الإيمان، وإذا فعل الكفر قيل هو كافر لفعله الكفر. قالوا: فسواء قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني وهو مؤمن» أو قال: «لا يزني إلا وهو كافر» لا يصح في القول غير ذلك. قالوا: ومن الدليل على ذلك قول الله عز وجل: {لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى} [الليل: 16] فأخبر أنه لا يصلى النار إلا مكذب، ثم قال: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا} [النساء: 29].
حكمــــــة
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
عن ابن عباس، قال: حدثني عمر بن الخطاب، قال: لما كان يوم خيبر قتل ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا يقولون قتل فلان شهيدا، وفلان شهيدا، حتى ذكروا رجلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اخرج يا ابن الخطاب فناد في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن» فخرجت فناديت " [اخرجه مسلم فى صحيحه].
حكمــــــة
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
عن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا في مجلس: «تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله في الدنيا فأمره إلى الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه» قال: فبايعناه على ذلك. [رواه مسلم في صحيحه].
حكمــــــة
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
عن قتادة، عن أنس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه» قال أبو عبد الله: يريد لا يؤمن الإيمان كله، وكذلك قوله: «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له»، وقوله: «ليس بمؤمن من لا يأمن جاره بوائقه» يقول: ليس بمؤمن كامل الإيمان، وقوله: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم»، يقول: المسلم المكمل لإسلامه المحسن فيه من كان كذلك ألا تراه قال في حديث آخر: «أفضل المسلمين إسلاما من سلم المسلمون من لسانه ويده»، وقوله: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» يريد المؤمن الكيس المتيقظ المتعاهد لإيمانه.
حكمــــــة
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
عن أبي ماجد، قال: قال عبد الله: إن الله عفو يحب العفو، ولا ينبغي لوال أن يؤتى بحد إلا أقامه، ثم أنشأ يحدث قال: إن أول رجل جيء به رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين أو قال في الإسلام لرجل أتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل: سرق هذا، قال: فقال: «اذهبوا به فاقطعوه» قال: وكأنما سف في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم رماد، فقال له بعض جلسائه: كأن هذا قد شق عليك يا رسول الله؟ قال: " وما يمنعني أن تكونوا أعوان الشيطان إنه لا ينبغي لوال أن يؤتى بحد إلا أقامه والله عفو يحب العفو ثم قرأ: {وليعفوا وليصفحوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم} [النور: 22].
حكمــــــة
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
عن الحسن، في قوله: {ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات} [طه: 75] قد أكمل إيمانه قال أبو عبد الله: فكل آية وعد الله المؤمنين فيها الجنة وبشرهم بها فإنما أراد المؤمنين الذين عملوا الصالحات استدلالا بهذه الآيات، ولو لم يكن ذلك كذلك للزمنا أن نثبت الشهادة بالجنة لكل من لزمه اسم الإيمان وجرت عليه الأحكام التي أجراها الله على المؤمنين على أي حال مات من تضييع الفرائض وارتكاب المحارم بعد أن لا يكفر بالله، فأما تفرقتهم بين قول الرجل: أنا مؤمن، وبين قوله: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله فقالوا: لا يجوز أن يقول: أنا مؤمن حتى يستثنى فإنه إن قال: أنا مؤمن بلا استثناء لزمه أن يشهد أنه في الجنة، ولكنه يقول: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله. قلنا: لم نجد بين قوله: أنا مؤمن وبين قوله: آمنت بالله فرقا في المعنى سواء عليه قال: آمنت بالله أو أنا مؤمن بالله لأن معنى آمنت فعلت الإيمان، وأنا مؤمن أنا فاعل الإيمان فهو مؤمن. فإن قالوا: من قال: أنا مؤمن لزمه أن يقول: إني في الجنة لأن الله وعد المؤمنين الجنة.
حكمــــــة
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
قال أبو عبد الله: وأما احتجاجهم بأن الله جعل اسم مؤمن اسم ثناء وتزكية، وأوجب عليه الجنة ثم أوجب النار على الكبائر فدل بذلك على أن اسم الإيمان زائل عن كل من أتى كبيرة، فإنا نقول: إن اسم المؤمن قد يطلق على وجهين: اسم بالخروج من ملل الكفر والدخول في الإسلام وبه تجب الفرائض التي أوجبها الله على المؤمنين ويجري عليه الأحكام والحدود التي جعلها الله بين المؤمنين، واسم يلزم بكمال الإيمان وهو اسم ثناء وتزكية يجب به دخول الجنة والفوز من النار، فالمؤمنون الذين خاطبهم الله بالفرائض والحلال والحرام والأحكام والحدود الذين لزمهم الاسم بالدخول في الإسلام بالإقرار والتصديق والخروج من ملل الكفر، والمؤمنون الذين زكاهم وأثنى عليهم، ووعدهم الجنة هم الذين أكملوا إيمانهم باجتناب كل المعاصي واجتناب الكبائر دل على ذلك في آيات كثيرة نعت فيها المؤمنين ثم وعدهم الجنة على تلك النعوت، قال الله: {بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله} [التوبة: 71]. ثم قال: {وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار} [التوبة: 72] يريد هؤلاء الذين نعتهم بهذه النعوت. وقال: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم} [الأنفال: 3] فوصفهم بالأعمال الصالحة ثم أوجب لهم الجنة، وقال: {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون} [المؤمنون: 1] إلى قوله: {أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون} [المؤمنون: 10] فأوجب لهم الجنة بعدما وصفهم بالأعمال التي بها يكمل الإيمان، وقال: {ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا} [الكهف: 2]. وقال: {ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى} [طه: 75].
الامر من الله ورسوله على وجوه : أمر التهدد والوعيد
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
عن عطاء بن دينار الهذلي أن عبد الملك بن مروان، كتب إلى سعيد بن جبير فأجابه: " سألت عن الإسلام، فالإسلام الإخلاص، قال تبارك وتعالى لإبراهيم: {أسلم} [البقرة: 112] يقول: أخلص {من أسلم وجهه لله} [البقرة: 112] يقول: من أخلص دينه لله، وتسأل عن الإخلاص؟ فالإخلاص أن يخلص العبد دينه وعمله لله فلا يرائي بعمله أحدا، ويكون ذلك في سبيل الحق كله فذلك الإخلاص ".
الامر من الله ورسوله على وجوه : أمر التهدد والوعيد
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
وجه آخر لفظه لفظ الأمر، والمراد به التهدد والوعيد، من ذلك قوله: {قل الله أعبد مخلصا له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه} [الزمر: 15]. وقوله: {قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون} وقوله لإبليس: {واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا} [الإسراء: 64]. وقوله: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف: 29] كل هذا على الوعيد، والتغليظ تحذيرا، وتهديدا لا على أمر التعبد، ولا على الإباحة ومنه حديث المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من باع الخمر فليشقص الخنازير».
الامر من الله ورسوله على وجوه : وجه آخر من الأمر
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
قال أبو عبد الله: ووجه آخر من الأمر مخرجه مخرج أمر التعبد وليس به، وذلك كقول نوح لقومه: {إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة، ثم اقضوا إلي ولا تنظرون} [يونس: 71] فهذا ظاهره أمر وهو في المعنى نهي، لأنهم لو فعلوا ما أمرهم به كانوا عاصين لله، وله، ولم يأمرهم بذلك ليطيعوه ولكن أخبرهم بهوانهم عليه، وصغر قدرتهم عنده، وأنهم لا يقدرون على ضره، ولا إيذائه إلا بأمر ربه، وذلك لقوة توكله على ربه، وفي ذلك دليل على تفاضل المؤمنين والصالحين من الأنبياء وغيرهم في التوكل ألا ترى إلى قول لوط لما أراده قومه وقصدوا له بالأذى: {لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد} [هود: 80] قيل في التفسير: إلى جمع وعشيرة، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صلوات الله على أخي لوط إن كان ليأوي إلى ركن شديد» وقد كان معه جبريل والملائكة وهو لا يشعر ولو لم يكونوا معه لكان في كون الله معه كفاية وقد كان بالله واثقا عليه متوكلا ولكنها حالات يخص الله عباده العارفين بما يشاء من تأييده، ولقد كان باين قومه غضبا لله أن يعصى، ويخالف أمره توكلا على الله غير أن الذي حكى الله عن نوح وهود يدل على فضل توكلهما وقوتهما، وحكى عن نوح ما قد ذكرناه وعن هود أنه قال لقومه وهم يريدونه قد باينوه بالعداوة، فقال لهم: {إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه} [هود: 55] ثم أخبرهم بهوانهم عليه، كما فعله نوح فقال: {فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون} [هود: 55] أي أعجلوا علي، ثم أخبرهم بالذي حمله على هذا القول، وقواه (*) عليهم، وهون شأنهم عنده حتى سألهم أن يجتمعوا له، ولا ينظروه، وذلك موجود في كلام العرب، ومخاطباتهم إذا هان القوم على القوم قالوا لهم: اجتمعوا واجتهدوا ولا تخزوا ما تريدون، فأخبرهم ما الذي شجع قلبه، وهون عليه كيدهم، فقال على إثر قوله هذا: {إني توكلت على الله ربي وربكم} [هود: 56] ثم أخبر بالذي أورث قلبه التوكل وثبته عليه، فقال: {ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها} [هود: 56] فلم يخبر أنه شجع قلبه قوة بدنه، ولا ناصر من الخلق يرجو نصره، ولكن توكلا على ربه، وأن الذي بعثه على التوكل معرفته بربه، وأن النواصي كلها بيده، وأنه لا يكون شيء إلا بإرادته، ونحو ذلك قول موسى للسحرة: {ألقوا ما أنتم ملقون} [يونس: 80] أي العاقبة تكون لي، وعليكم تكون الدائرة ثقة منه بربه وتوكلا عليه.
الامر من الله ورسوله على وجوه : أمر على معنى الاستثناء
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
قال أبو عبد الله: ووجه آخر من الأمر مخرجه مخرج أمر التعبد وليس به، وذلك كقول نوح لقومه: {إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة، ثم اقضوا إلي ولا تنظرون} [يونس: 71] فهذا ظاهره أمر وهو في المعنى نهي، لأنهم لو فعلوا ما أمرهم به كانوا عاصين لله، وله، ولم يأمرهم بذلك ليطيعوه ولكن أخبرهم بهوانهم عليه، وصغر قدرتهم عنده، وأنهم لا يقدرون على ضره، ولا إيذائه إلا بأمر ربه، وذلك لقوة توكله على ربه، وفي ذلك دليل على تفاضل المؤمنين والصالحين من الأنبياء وغيرهم في التوكل ألا ترى إلى قول لوط لما أراده قومه وقصدوا له بالأذى: {لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد} [هود: 80] قيل في التفسير: إلى جمع وعشيرة، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صلوات الله على أخي لوط إن كان ليأوي إلى ركن شديد» وقد كان معه جبريل والملائكة وهو لا يشعر ولو لم يكونوا معه لكان في كون الله معه كفاية وقد كان بالله واثقا عليه متوكلا ولكنها حالات يخص الله عباده العارفين بما يشاء من تأييده، ولقد كان باين قومه غضبا لله أن يعصى، ويخالف أمره توكلا على الله غير أن الذي حكى الله عن نوح وهود يدل على فضل توكلهما وقوتهما، وحكى عن نوح ما قد ذكرناه وعن هود أنه قال لقومه وهم يريدونه قد باينوه بالعداوة، فقال لهم: {إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه} [هود: 55] ثم أخبرهم بهوانهم عليه، كما فعله نوح فقال: {فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون} [هود: 55] أي أعجلوا علي، ثم أخبرهم بالذي حمله على هذا القول، وقواه (*) عليهم، وهون شأنهم عنده حتى سألهم أن يجتمعوا له، ولا ينظروه، وذلك موجود في كلام العرب، ومخاطباتهم إذا هان القوم على القوم قالوا لهم: اجتمعوا واجتهدوا ولا تخزوا ما تريدون، فأخبرهم ما الذي شجع قلبه، وهون عليه كيدهم، فقال على إثر قوله هذا: {إني توكلت على الله ربي وربكم} [هود: 56] ثم أخبر بالذي أورث قلبه التوكل وثبته عليه، فقال: {ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها} [هود: 56] فلم يخبر أنه شجع قلبه قوة بدنه، ولا ناصر من الخلق يرجو نصره، ولكن توكلا على ربه، وأن الذي بعثه على التوكل معرفته بربه، وأن النواصي كلها بيده، وأنه لا يكون شيء إلا بإرادته، ونحو ذلك قول موسى للسحرة: {ألقوا ما أنتم ملقون} [يونس: 80] أي العاقبة تكون لي، وعليكم تكون الدائرة ثقة منه بربه وتوكلا عليه.
الامر من الله ورسوله على وجوه : أمر معناه الخبر
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
معناه الخبر من ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت» قال أبو عبد الله: إنما هو من لم يستحي صنع ما شاء على جهة الذم لترك الحياء، ولم يرد بقوله: «فاصنع ما شئت» أن يأمره بذلك أمرا، ولكنه أمر بعض الخبر، ألم تسمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» ليس وجهه أنه أمره بذلك، إنما معناه من كذب علي متعمدا تبوأ مقعده من النار، إنما لفظه أمر على معنى الخبر، وتأويل الجزاء، ومنه قوله: {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} [البقرة: 279] فقوله: {فأذنوا} [البقرة: 279] هو في اللفظ على مخرج الأمر، وتأويله: فإن لم تفعلوا فآذنتم بالحرب أي كنتم أهل حرب.
الامر من الله ورسوله على وجوه : أمر السؤال
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
معناه معنى السؤال، ولا يسمى دعاء، من ذلك سؤال الرجل أخاه الشيء فيقول: أعطني كذا، تصدق علي بكذا، هب لي بكذا، فهذا لفظه لفظ أمر، وإنما هو مسألة، ومن ذلك سؤال الرجل أخاه عن حاله فيقول: أنا بخير، فيقول: كن بخير جعلك الله بخير، فقوله: كن بخير لفظه لفظ الأمر، ومعناه الدعاء له.
الامر من الله ورسوله على وجوه : أمر الإباحة والإحلال
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
من ذلك قوله: {وإذا حللتم فاصطادوا} [المائدة: 2] ذلك أن الله حظر الصيد على المؤمنين ما داموا حرما، ثم أطلقه لهم بعد الإحلال ومنه قوله: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} [الجمعة: 10] وذلك أن الله عز وجل أوجب على المؤمنين إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة إتيان الجمعة، وحظر عليهم البيع بقوله: {وذروا البيع} [الجمعة: 9] ثم أطلق لهم إذا هم قضوا الصلاة ما كان حظر عليهم قبل ذلك فهذه أربعة وجوه له لأن الأوامر واحدة ومعانيها مختلفة.
الامر من الله ورسوله على وجوه : أمر التعبد
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
قال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم} [النساء: 135] فهذا الأمر بخلاف الأمر الأول، هذا أمر تعبد يكون المأمور به بين أمرين إن عمل بما أمره الله بنية وإرادة كان مطيعا لله عاملا له، وإن ترك أمره قاصدا لذلك كان عاصيا لله، وذلك بتقدير العزيز العليم، والأمر الأول هو أمر التكوين لا يجوز أن يكون من المأمور به خلاف ما أمر به، والمأمورون بأمر التعبد يختلف أفعالهم فيطيع بعضهم ويعصي بعض، وأمر التعبد يعيده مرة بعد أخرى، ويكرره ويعد على العمل به، ويوعد على ترك العمل به، وأمر التكوين لا يكون إلا مرة واحدة ولا وعد فيه ولا وعيد، ثم أمر التعبد يكون على وجهين أمر افتراض وإيجاب، وأمر ندب واختيار، فأمر الإيجاب نحو قوله: {آمنوا بالله ورسوله} {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} وما أشبه ذلك، والدليل على إيجاب هذه وافتراضها تأكيد الله إياها بإعلامه افتراضها، وتغليظه على تاركيها بالوعيد وأمر الندب والاختيار نحو قوله: {ومن الليل فسبحه وأدبار السجود} [ق: 40]، {وسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه} [الطور: 49]. فقال رجل من أهل العلم بالتفسير: أدبار السجود الركعات بعد المغرب، وأدبار النجوم الركعات قبل الفجر. وقال بعضهم: هو التسبيح في أدبار الصلوات، وكل ذلك تطوع، وقال الله: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك} [الإسراء: 79] فأمر به وأعلمه أنه نافلة.
الامر من الله ورسوله على وجوه : أمر التكوين
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
قال الله: {وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر} [القمر: 50] فهذا أمر التكوين الذي لا يأمر الله به إلا مرة واحدة حتى يكون المأمور به كما أراد الله من غير إباء، ولا امتناع لأن الله يتولى تكونه بقدرته، قال الله تبارك وتعالى: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} [النحل: 40]. ومن ذلك قوله للذين اعتدوا: {كونوا قردة خاسئين} [البقرة: 65] فكانوا قردة ولم يكن لهم في كونهم قردة نية، ولا إرادة، ولا كانوا مطيعين طاعة يستوجبون بها ثوابا، ومن ذلك قوله: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك} [آل عمران: 60] فكان آدم كما أمره الله من غير أن يكون بذلك مطيعا طاعة يستوجب بها ثوابا لأنه لم يكن منه في كونه كما أراد الله نية ولا إرادة.
انواع الفسق والشرك والكفر
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
عن قتادة، عن الحسن، عن قيس بن عباد، قال: انطلقت أنا والأشتر، إلى علي فقلنا: هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لم يعهده إلى الناس عامة؟ قال: لا إلا ما كان في كتابي هذا فأخرج كتابا من قراب سيفه، فإذا فيه: «المؤمنون تكافأ دماؤهم، ولا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده».
انواع الفسق والشرك والكفر
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
عن قتادة: في قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} [البقرة: 178] قال: كان أهل الجاهلية فيهم بغي وطاعة للشيطان، فكان الحي منهم إذا كان فيهم عدة ومنعة فقتل عبد قوم آخرين عبدا لهم، قالوا: لا نقتل به إلا حرا تعززا بفضلهم على غيرهم في أنفسهم، فإذا قتلت لهم امرأة قتلتها امرأة قوم آخرين، قالوا: لا نقتل بها إلا رجلا، فأنزل الله هذه الآية: {الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} [البقرة: 178] ونهاهم عن البغي، ثم أنزل الله في سورة المائدة بعد ذلك: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص} [المائدة: 45] ".
انواع الفسق والشرك والكفر
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
قال أبو عبد الله: وقال الله: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} [البقرة: 178] فأوجب بينهم القصاص باسم الإيمان، والقصاص لا يجب إلا على من قتل متعمدا، ثم قال: {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف، وأداء إليه بإحسان} [البقرة: 178] فجعل القاتل أخا المقتول في الإيمان فدل على أنهما جميعا مؤمنان في الاسم والحكم.
انواع الفسق والشرك والكفر
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
عن عبد الله بن رباح، عن رياح بن الحارث، قال: قال عمار بن ياسر: " لا تقولوا كفر أهل الشام، قولوا: فسقوا، قولوا: ظلموا ". قال أبو عبد الله: وهذا يدل على أن الخبر الذي روي عن عمار بن ياسر أنه قال لعثمان: هو كافر، خبر باطل لا يصح، لأنه إذا أنكر كفر أصحاب معاوية وهم إنما كانوا يظهرون أنهم يقاتلون عن دم عثمان فهو لتكفير عثمان أشد إنكارا.
انواع الفسق والشرك والكفر
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
عن أبي مطر، قال: قال علي: «متى ينبعث أشقاها؟» قيل: من أشقاها؟ قال: الذي يقتلني، فضربه ابن ملجم بالسيف فوقع برأس علي، وهم المسلمون بقتله، قال: لا تقتلوا الرجل فإن برئت فالجروح قصاص، وإن مت فاقتلوه، فقال: إنك ميت، قال: وما يدريك؟ قال: كان سيفي مسموما ".
انواع الفسق والشرك والكفر
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
عن عبد الواحد بن أبي عون، قال: مر علي وهو متكئ على الأشتر على قتلى صفين، فإذا حابس اليماني مقتول، فقال الأشتر: إنا لله وإنا إليه راجعون، حابس اليماني معهم يا أمير المؤمنين عليه علامة معاوية، أما والله لقد عهدته مؤمنا، فقال علي: «والآن هو مؤمن»، قال: وكان حابس رجلا من أهل اليمن من أهل العبادة والاجتهاد ".
انواع الفسق والشرك والكفر
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
قال الله عز وجل: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} [الحجرات: 9] إلى قوله: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} [الحجرات: 10] فسماهم مؤمنين، وقد اقتتلوا وأمر بالإصلاح بينهم، وجعلهم إخوة في الدين. وقد ولي علي بن أبي طالب رضي الله عنه قتال أهل البغي، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ما روي وسماهم مؤمنين، وحكم فيهم بأحكام المؤمنين، وكذلك عمار بن ياسر.
انواع الفسق والشرك والكفر
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
عن مقاتل بن حيان: {يمنون عليك أن أسلموا} [الحجرات: 17]، إنهم أعراب بني أسد بن خزيمة، قالوا: يا رسول الله أتيناك بغير قتال، وتركنا العشائر والأموال، وكل قبيلة من الأعراب قاتلتك حتى دخلوا في الإسلام كرها، فلنا [بذلك] عليك حق فأنزل الله: {يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان} [الحجرات: 17] فله لذلك المن عليكم {إن كنتم صادقين} [البقرة: 23] وفيهم أنزلت: {ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد: 33] ويقال في الكبائر التي ختمت بنار: كل موجبة من ركبها ومات عليها لم يتب منها " قال أبو عبد الله: وقال الله عز وجل: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} [البينة: 5] الآية وقال: {إن الدين عند الله الإسلام} [آل عمران: 19] فسمى إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة دينا قيما، وسمى الدين إسلاما، فمن لم يؤد الزكاة فقد ترك من الدين القيم الذي أخبر الله أنه عنده الدين وهو الإسلام بعضا.
انواع الفسق والشرك والكفر
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
عن قتادة، في قوله: {لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم} [الحجرات: 17] قال: منوا على النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءوا فقالوا: إنا أسلمنا بغير قتال، لم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان، وقال الله لنبيه: {يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان} [الحجرات: 17] ".
انواع الفسق والشرك والكفر
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
قال أبو عبد الله: وقالت طائفة ثالثة وهم الجمهور الأعظم من أهل السنة والجماعة وأصحاب الحديث: الإيمان الذي دعا الله العباد إليه، وافترضه عليهم هو الإسلام الذي جعله دينا وارتضاه لعباده ودعاهم إليه، وهو ضد الكفر الذي سخطه فقال: {ولا يرضى لعباده الكفر} [الزمر: 7] وقال: {ورضيت لكم الإسلام دينا} [المائدة: 3] وقال: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} [الأنعام: 125] وقال: {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه} [الزمر: 22] فمدح الله الإسلام بمثل ما مدح به الإيمان، وجعله اسم ثناء وتزكية، فأخبر أن من أسلم فهو على نور من ربه، وهدى، وأخبر أنه دينه الذي ارتضاه، فقد أحبه وامتدحه، ألا ترى أن أنبياء الله ورسله رغبوا فيه إليه، وسألوه إياه، فقال إبراهيم خليل الرحمن، وإسماعيل ذبيحه: {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك} [البقرة: 128]. وقال يوسف: {توفني مسلما وألحقني بالصالحين} [يوسف: 101] وقال: {ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [البقرة: 132] وقال: {وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا} [آل عمران: 20] وقال في موضع آخر: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم} [البقرة: 136]. إلى قوله: {ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا} [البقرة: 137]. فحكم الله بأن من أسلم فقد اهتدى، ومن آمن فقد اهتدى فقد سوى بينهما قال أبو عبد الله: وقد ذكرنا تمام الحجة في أن الإسلام هو الإيمان وأنهما لا يفترقان، ولا يتباينان من الكتاب والأخبار الدالة على ذلك في موضع غير هذا، فتركنا إعادته في هذا الموضع كراهية التطويل والتكرير غير أنا سنذكر ههنا من الحجة في ذلك ما لم نذكره في غير هذا الموضع، ونبين خطأ تأويلهم، والحجج التي احتجوا بها من الكتاب والأخبار التي استدلوا بها على التفرقة بين الإسلام والإيمان قال الله عز وجل: {يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين} [الحجرات: 17] فدل ذلك على أن الإسلام هو الإيمان.
انواع الفسق والشرك والكفر
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
حكى الشالنجي إسماعيل بن سعيد أنه سأل أحمد بن حنبل عن المصر، على الكبائر يطلبها بجهده إلا أنه لم يترك الصلاة والزكاة والصوم هل يكون مصرا من كانت هذه حاله؟ قال: هو مصر مثل قوله: «لا يزني حين يزني وهو مؤمن» يخرج من الإيمان، ويقع في الإسلام ومن نحو قوله: «لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن»، ومن نحو قول ابن عباس في قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44] فقلت له: ما هذا الكفر؟ قال: كفر لا ينقل عن الملة مثل الإيمان بعضه دون بعض، فكذلك الكفر حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه.
انواع الفسق والشرك والكفر
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
قالت العلماء في تفسير الفسوق هنا: هي المعاصي قالوا: فكما كان الظلم ظلمين، والفسوق فسقين، كذلك الكفر كفران: أحدهما ينقل عن الملة، والآخر لا ينقل عنها فكذلك الشرك شركان شرك في التوحيد ينقل عن الملة، وشرك في العمل لا ينقل عن الملة وهو الرياء، قال الله جل وعز: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} [الكهف: 110] يريد بذلك المراءاة بالأعمال الصالحة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الطيرة شرك» قال أبو عبد الله: فهذان مذهبان هما في الجملة محكيان عن أحمد بن حنبل في موافقيه من أصحاب الحديث.
انواع الفسق والشرك والكفر
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي
قال أبو عبد الله: قالوا: وكذلك الفسق فسقان فسق ينقل عن الملة، وفسق لا ينقل عن الملة فيسمى الكافر فاسقا، والفاسق من المسلمين فاسقا، ذكر الله إبليس، فقال: {ففسق عن أمر ربه} [الكهف: 50] وكان ذلك الفسق منه كفرا وقال الله تعالى: {وأما الذين فسقوا فمأواهم النار} [السجدة: 20] يريد الكفار دل على ذلك قوله: {كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون} [السجدة: 20] وسمي القاذف من المسلمين فاسقا، ولم يخرجه من الإسلام، قال الله: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا، وأولئك هم الفاسقون} [النور: 4] وقال الله: {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} [البقرة: 197].
الفرق بين الاسلام والايمان
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزى
عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود، قال: " لما نزلت: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} [الأنعام: 82] شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس بذلك ألا تسمعون إلى قول لقمان: {إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان: 13] ".
الفرق بين الاسلام والايمان
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزى
عن ابن جريج، عن عطاء، قال: «كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق» قال أبو عبد الله: قالوا: وقد صدق عطاء قد يسمى الكافر ظالما، ويسمى العاصي من المسلمين ظالما، فظلم ينقل عن ملة الإسلام، وظلم لا ينقل. قال الله: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} [الأنعام: 82] وقال: {إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان: 13].
الفرق بين الاسلام والايمان
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزى
عن مغيرة، قال: أتيت إبراهيم النخعي فقلت: إن رجلا خاصمني يقال له: سعيد العنزي، فقال إبراهيم: ليس بالعنزي ولكنه زبيدي، قوله: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} [الحجرات: 14] فقالوا: هو الاستسلام، فقال إبراهيم: لا هو الإسلام ".
الفرق بين الاسلام والايمان
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزى
عن أبي جعفر محمد بن علي بن حسين أنه سئل عن قول النبي، صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» " هذا الإسلام ودور دارة واسعة وقال: هذا الإيمان ودور دارة صغيرة في وسط الكبيرة قال: والإيمان مقصور في الإسلام فإذا زنى أو سرق خرج من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرجه من الإسلام إلا الكفر بالله " قال أبو عبد الله: واحتجوا بقول الله تبارك وتعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} [الحجرات: 14].
الفرق بين الاسلام والايمان
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزى
قال أبو عبد الله: اختلف أصحابنا في تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» فقالت طائفة منهم: إنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم إزالة اسم الإيمان عنه من غير أن يخرجه من الإسلام ولا يزيل عنه اسمه وفرقوا بين الإيمان والإسلام وقالوا: إذا زنى فليس بمؤمن، وهو مسلم، واحتجوا لتفريقهم بين الإيمان والإسلام بقول الله تبارك وتعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} [الحجرات: 14] فقالوا الإيمان خاص يثبت الاسم به بالعمل بالتوحيد، والإسلام عام يثبت الاسم به بالتوحيد والخروج من ملل الكفر واحتجوا بحديث سعد بن أبي وقاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطى رجالا ولم يعط رجلا منهم شيئا فقلت يا رسول الله أعطيت فلانا وفلانا ولم تعط فلانا وهو مؤمن؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أو مسلم؟ حتى أعادها سعد ثلاثا والنبي يقول أو مسلم؟ ثم قال: إني أعطي رجالا وأمنع آخرين هم أحب إلي منهم مخافة أن يكبوا على وجوههم في النار ". قال الزهري: فنرى أن الإسلام الكلمة والإيمان العمل [رواه مسلم فى صحيحه وابو داود واحمد].
لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزى
عن ابن المبارك، أنه ذكر هذا الحديث: «لا يزني الزاني وهو مؤمن» فقال فيه قائل: ما هذا على معنى الإنكار، فغضب ابن المبارك وقال: يمنعنا هؤلاء الأنان أن نحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلما جهلنا معنى حديث تركناه، لا بل نرويه كما سمعنا، ونلزم الجهل أنفسنا.
لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزى
همام بن منبه، قال: ثنا أبو هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يزني أحدكم حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر وهو حين يشربها مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع المؤمنون إليه أعينهم وهو حين ينتهبها وهو مؤمن، ولا يغل أحدكم وهو حين يغل وهو مؤمن، فإياكم إياكم» [رواه مسلم فى صحيحه].
لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزى
عن الزهري، قال: حدثني سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، كلهم يحدثون، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع المسلمون إليها أبصارهم وهو مؤمن» فقلت للزهري: ما هذا؟ فقال: على رسول الله البلاغ، وعلينا التسليم [رواه النسائي ومسلم فى صحيحه].
الصوم والصلاة وغسل من الجنابة سرائر
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزى
عن هلال، عن سلمة بن قيس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما الإيمان من أربعة: لا تشركوا بالله شيئا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تزنوا، ولا تسرقوا " زاد حميد: فما أنا اليوم بأشح عليهن مني إذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم [قال الالبانى اسناده صحيح].
الصوم والصلاة وغسل من الجنابة سرائر
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزى
عن مقاتل بن حيان، في قوله: " {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا} بلغنا أن الله جل وعز حين خلق خلقه جمع من خلقه من الجن والإنس والسموات والأرض والجبال، فبدأ بالسموات فعرض عليهن الأمانة وهي الطاعة فقال لهن: أتحملن هذه الأمانة ويكن علي الفضل والكرامة والثواب في الجنة؟ فقلن: يا رب، إنا لا نستطيع هذا الأمر، وليست بنا قوة، ولكنا لك مطيعين، ثم عرض الأمانة على الأرضين فقال لهن: أتحملن هذه الأمانة وتقبلنها مني، وأعطيكن الفضل والكرامة في الجنة؟ فقلن: لا صبر لنا على هذا يا رب ولا نطيقه، ولكنا لك سامعين مطيعين، ولا نعصيك في شيء تأمرنا به، ثم قربت الجبال كلها فقلن لها مثل ذلك، ثم قرب آدم فقال له: أتحمل هذه الأمانة وترعاها حق رعايتها؟ فقال عند ذلك آدم: ما لي عندك؟ قال: يا آدم، إن أحسنت وأطعت ورعيت الأمانة فلك عندي الكرامة والفضل وحسن الثواب في الجنة، وإن عصيت ولم ترعها حق رعايتها، وأسأت فإني معذبك ومعاقبك، وأنزلك النار، فقال: قد رضيت رب وتحملتها، فقال الله عند ذلك: قد حملتكها، فذلك قول الله عز وجل: {وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا} [الأحزاب: 72] يقول: ظلوما لنفسه في خطيئته، جهولا بعاقبة ما يحمل من الأمانة قوله: {ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات} [الأحزاب: 73] بما خانوا الأمانة، وكذبوا الرسل، ونقضوا العهد والميثاق الذي أخذ عليهم حين أخرجهم من صلب آدم، {ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات} [الأحزاب: 73] بأنهم أدوا الأمانة، ولم يكذبوا الرسل، ووفوا بالعهد والميثاق.
الصوم والصلاة وغسل من الجنابة سرائر
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزى
عن محمد بن كعب القرظي، قال: " سمعت بالثلاث التي، يذكر المنافق: إذا اؤتمن خان، وإذا وعد أخلف، وإذا حدث كذب، قال: فالتمستها في الكتاب زمانا حتى سقطت عليها بعد حين، وجدت الله يذكر فيه {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين} [التوبة: 75] إلى قوله {فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون} [التوبة: 77] ووجدت في الأحزاب {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا} ".
الامانة والعهد من الايمان
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزى
عن معاوية بن صالح، حدثني علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، " {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال} قال: الأمانة الفرائض، عرضها الله على السماوات والأرض والجبال، إن أدوها أثابهم، وإن ضيعوها عذبهم، فكرهوا ذلك وأشفقوا من غير معصية، ولكن تعظيما لدين الله أن يقوموا به، {وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا} [الأحزاب: 72] غرا بأمر الله ".
الامانة والعهد من الايمان
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزى
عن زيد بن وهب، عن حذيفة، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين، حدثنا أن " الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن، فعلموا من القرآن، وعلموا من السنة، ثم حدثنا عن رفعها، فينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر المجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط، فتراه منتبرا وليس فيه شيء، ولقد كنت وما أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلما ليردنه علي دينه، ولئن كان نصرانيا ليردنه علي ساعيه، فأما اليوم فلم أكن لأبايع منكم إلا فلانا وفلانا، فيصبح الناس يتبايعون، ما يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال: إن في بني فلان رجلا أمينا، وحتى يقال للرجل: ما أجلده وأطرفه وأعقله، وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان " [رواه البخاري ومسلم].
البذاذة من الإيمان
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزى
عن عبد الله بن ثعلبة، أنه أتى أبا عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: فسلمت عليه، فقال: من هذا؟ قلت: عبد الله بن ثعلبة، قال: هل سمعت أباك يحدث حديثا حدثناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: ما هو؟ قال: سمعت أباك يحدث أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن البذاذة من الإيمان» يعني التقشف. [صححه الالباني فى صحيح الجامع الصغير].
حب الانصار من الايمان
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزى
عن عدي بن ثابت، قال: سمعت البراء بن عازب، يحدث، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأنصار: «لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله» قال شعبة: فقلت لعدي: سمعته من البراء؟ قال: إياي حدث [رواه البخاري و مسلم في صحيحيهما].
افشاء السلام
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزى
عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم؟ » قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «أفشوا السلام بينكم» [رواه مسلم في صحيحه].
الطهور شطر الايمان
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزى
عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذات يوم لأصحابه: «استحيوا من الله حق الحياء» قالوا: يا رسول الله، إنا لنستحيي والحمد لله، قال: «ليس ذاك، ولكن من استحيى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيى من الله حق الحياء» [صححه الحاكم واقره الذهبي].
شعب الايمان
تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزى
عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: " ما ابتلي أحد بهذا الدين فقام به كله غير إبراهيم صلى الله عليه وسلم، ابتلي بكلمات فأتمهن، فكتب الله له البراءة، فقال: {وإبراهيم الذي وفى} [النجم: 37]، فذكر عشر آيات في براءة {التائبون العابدون} [التوبة: 112] وعشر آيات في الأحزاب {إن المسلمين والمسلمات} [الأحزاب: 35] الآية، وعشرا في المؤمنين إلى قوله {والذين هم على صلواتهم يحافظون} [المؤمنون: 9] وعشرا في {سأل سائل} ".