كتاب الطهارة
حديث شريف
" لا يقبل الله صلاة أحدكم "
هذا لفظ يشمل الذكر والأنثى، وإن كان الخطاب للرجال عامة إلا أن الخطاب في الشريعة يعمّ الرجال والنساء كما قال ابن القيّم - رحمه الله -.
وهذا النفي نفيٌ للقبول ونفيٌ للصحة.
وهذا النفي مختصٌ بمن ترك الوضوء ولا عذر له في تركه.
وهذا الحديث نصٌّ في وجوب الطهارة وأنها شرط لصحة الصلاة، وهو إجماع. كما قال ابن الملقِّن.
والصلاة بغير طهارة من غير عُذر مُحرّمة.
حديث شريف
فالأول دليله قوله تعالى: (وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ).
ومن السُّنّة حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أن نمسح على خفافنا ولا ننزعها ثلاثة أيام من غائط وبول ونوم إلا من جنابة. رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما، وهو حديث صحيح.
وهذا الدليل دلّ على ثلاثة نواقض من نواقض الوضوء:
الغائط والبول والنوم.
وما يتعلق بالمني سيأتي في باب الغسل.
وما يتعلق بالمذي سيأتي في باب مستقل أيضا.
ويأتي ما يتعلق بالودي، والفرق بين هذه الأشياء.
حديث شريف
وأما الروائح التي تخرج من الدبر، فقد تقدّم فيها كلام أبي هريرة رضي الله عنه أنه الفساء أو الضراط.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا، فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا. رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو متفق عليه من حديث عبد الله بن زيد – رضي الله عنه –
وعن علي بن طلق قال: أتى أعرابيٌّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله الرجل منا يكون في الفلاة فتكون منه الرويحة، ويكون في الماء قِـلّـة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا فسـا أحدكم فليتوضأ، ولا تأتوا النساء في أعجازهـن، فإن الله لا يستحي من الحق. رواه الترمذي وحسّنه.
وأما الأربعة الأخيرة من الخارج من السبيلين فنؤجّلها إلى باب الحيض.
حديث شريف
وأما بقية نواقض الوضوء، فهي بالإضافة إلى ما سبق:
2 - زوال العقل، فهو ناقض من نواقض الوضوء، وهو يكون بأمور:
أ - النوم المُستغرق، وتقدّم دليله في حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه.
والنوم مَظِنّة الحدث، فإذا نام نوما عميقا لا يشعر بنفسه ولا بما حوله فإنه يتنقض وضوءه، أما النوم الخفيف فإنه لا ينقض، وعلى هذا يُحمل ما ورد عن الصحابة في عهده عليه الصلاة والسلام أنه ما صلّى عليه الصلاة والسلام يوما حتى نام القوم. كما في صحيح مسلم.
وفي رواية لأبي داود: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤون.
فهذا يُحمل على النوم اليسير الذي لا يغيب فيه الوعي غيابا كاملا.
حديث شريف
ويكون زوال العقل بالإغماء والجنون والسكر ونحو ذلك، وهو يُوجب الوضوء لمن أراد الصلاة.
بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: رُفِع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل. رواه الإمام أحمد وأهل السُّنن.
وبدليل أنه صلى الله عليه وسلم لما ثَقُل قال: أصلى الناس؟ قالت عائشة: قلنا: لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله. قال: ضعوا لي ماء في المخضب، ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينوء، فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله، فقال: ضعوا لي ماء في المخضب، قالت: ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله، فقال: ضعوا لي ماء في المخضب، ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال: أصلى الناس؟ فقلنا: لا، وهم ينتظرنك يا رسول الله. قالت: والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة. قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر أن يصلي بالناس... الحديث. متفق عليه.
حديث شريف
مس الفرج عموما من غير حائل يحول بين اليد والفرج، ويُشترط لذلك شرطان:
الأول: أن يكون المسّ بشهوة.
الثاني: أن يكون من غير حائل، يعني يمسه مباشرة.
ودليله حديث بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من مس ذكره فليتوضأ. رواه الإمام أحمد وأبوداود وغيرهما، وهو حديث صحيح.
ودليل التفريق بين المسٍّ بشهو والمسّ من غير شهوة
حديث طلق بن علي رضي الله عنه قال: قدمنا على نبي الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل كأنه بدوي، فقال: يا نبي الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ؟ فقال: هل هو إلا مضغة منه، أو قال بضعة منه. رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما.
وفي رواية: هل هو إلا بضعة منك.
أي قطعة من جسدك.
وعلى هذا فإذا مسّت المرأة فرج صبيّها أثناء تنظيفه فليس عليها وضوء.
حديث شريف
من نواقض الوضوء أكل لحم الجزور. يعني لحم الإبل.
ودليله قوله عليه الصلاة والسلام لما سُئل: أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا توضأ. قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، فتوضأ من لحوم الإبل. رواه مسلم من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه.
وليس المقصود هو اللحم فحسب، بل أطلق اللحم لأنه هو الغالب، وإلا فإن الحُكم يشمل جميع أجزاء الإبل.
بدليل قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ).
ولعل السبب في ذلك أن الإبل فيها مادة شيطانية، فلذا أُمِر من أكلها أن يتوضأ.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: على ظهر كل بعير شيطان، فإذا ركبتموها فسموا الله عز وجل، ثم لا تقصروا عن حاجاتكم. رواه الإمام أحمد والدارمي، وابن حبان، والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
فالتعبير هنا بـ (لحم الخنزير) وإن كان الحُكم يشمل جميع أجزاءه من لحم وشحم وعصب وغير ذلك.
ولما ذكر الصنعاني - رحمه الله – الحديث المتقدم ذكر بعده حديث البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: توضئوا من لحوم الإبل ولا توضئوا من لحوم الغنم. قال ابن خزيمة لم أرَ خلافا بين علماء الحديث أن هذا الخبر صحيح من جهة النقل لعدالة ناقليه. ثم قال - رحمه الله -: والحديثان دليلان على نقض لحوم الإبل للوضوء، وأن من أكلها انتقض وضوؤه. انتهى.