الفقراء في ساعة الجمعة..
یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلۡفُقَرَاۤءُ إِلَى ٱللَّهِۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡغَنِیُّ ٱلۡحَمِیدُ ١
لفظ الجمع في قوله تعالى (الفقراء) يدل على عموم الفقر لكل الخلق كما دل عليه لفظ (الناس)
كما يدل العموم في (الفقراء) على استواء الخلق فيه ففقرهم إلى الله واحد
فليس بعضهم دون بعض في شدة الفاقة والفقر بل فقرهم جميعا كلي اضطراري متحد في القدر والنوع فأكثرهم ثراء في فاقته إلى ربه كأشدهم فقرا وعريا وبؤسا.
وأتمهم عافية كأوهنهم ضعفا ومرضا.
كما يدل حذف الظرف وزمان الفقر على لزوم الفقر لهم في كل وقت فهم في حالة واحدة من شدة الاضطرار والفاقة في كل طرفة عين.
فحاجتهم لربهم وهم متكئون على الآرائك يضحكون هي ذات حاجتهم واضطرارهم وهم تحت الزلازل أو الحرائق أو ركوب الأمواج أو في غرف العمليات
فالضاحكون والباكون سواء في الفقر.
ودخول (ال) الدالة على الاستغراق تدل شمول أنواع الفقر فهم في غاية الاضطرار إلى ربهم في كل شيء ونوع في الإيجاد والإمداد والهداية والسعادة والتوفيق والفلاح في الدنيا والآخرة وفي كل شيء.
واستغراق فقرهم إلى الله دال على عدم فاقتهم لأحد سواه أصلا.
ولفظ الجلالة (الله)
دال على فقرهم إلى ربهم في الألوهية متضمن لفقرهم إليه في الربوبية
ففاقتهم إلى عبادته وسؤاله كفاقتهم إليه في رزقه وإحيائه وتدبيره
واضطرارهم إليه في الصلاة كاضطرارهم إليه في تتابع الأنفاس لو كانوا يعقلون.
ودل العموم أيضا على التصاق هذا الوصف بهم وعدم انفكاكهم عنه ونسيانهم له نسيان أنفسهم وحقيقتها
ودل على أن أكمل الخلق هداية هو القائم بمقتضى هذه الحقيقة الموقن بحتمية الاضطرار فهو المفتقر اختيارا بكليته المقبل بأسمال فاقته الملازم لأبواب مولاه الرافع يديه على الدوام بحاجته المتعرض لربه في كل حال بالسؤال والاستغاثة والطلب فلا ينفك عن الدعاء عبادة أو سؤالا
فتجري روحه إلى ربه في أنهار الفقر الاضطراري والاختياري معا.
مختارات