شرح دعاء: حسبي الله لا إلـه إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم
1- حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ[([1]).
حسب: يستعمل في معنى الكفاية (حسبنا اللَّه) أي: كافينا([2]).
هذا الدعاء المبارك الذي أمر نبي الرحمة أن يقوله إذا تولى عنه المعرضون بما جاءهم من الحق والهدى والصراط المستقيم، ولم يقبلوا منه النصيحة، ولا الموعظة الحقة أن يستعين باللَّه عليهم في الدعاء، والتوكل عليه، وقبل أن نشرح هذا الدعاء ينبغي أن نعلم أن الدعاء يُطلق على نوعين اثنين:
1- دعاء مسألة وطلب.
2- دعاء العبادة، وهذا يدخل في كلّ ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء، والنهي عن دعاء غير اللَّه، والثناء على الداعين يتناول هذين النوعين، وكلاهما متلازمان، فالداعي دعاء المسألة يستلزم دعاء العبادة، وبالعكس، فالداعي دعاء العبادة هو مُتعبِّدٌ للَّه تعالى، طالبٌ وداعٍ دعاء بلسان مقاله، ولسان حاله ربه، قبول تلك العبادة، والإثابة عليها، والداعي دعاء المسألة، هو كذلك داعٍ للَّه تعالى بلسانه وحاله إن اللَّه يقبل دعاءه، ويثيبه عليه.
]حَسْبِيَ اللَّهُ[: أي كافيني ربي من جميع ما أهمّني.
]لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [: لا معبود بحقٍّ إلاّ هو، تضمّنت هذه الكلمة العظيمة التي عليها الفلاح والنجاح: نفي وإثبات، (لا إله) نفي لكل الآلهة التي تُعبد من دون اللَّه تبارك وتعالى: (إلاَّ هو) إثبات في تخصيص العبودية له جلّ وعلا بالحق، دون أحدٍ سواه.
]عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ [: التوكل: هو اعتماد القلب على اللَّه وحده، وسكونه، وعدم اضطرابه؛ أي: اعتمدت عليه، ووثقت به وحده في جلب ما ينفع، ودفع ما يضر، وفي تقديم (عليه) للحصر والقصر: أي لا أعتمد إلا عليه وحده عزَّ شأنه.
والتوكل يقوم على ركنين:
الركن الأول: اعتماد القلب على اللَّه تعالى.
الركن الثاني: العمل بالأسباب.
]وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ[: أي هو مالك أعظم المخلوقات على الإطلاق المحيط بكل شيء الذي هو سقف المخلوقات، وعليه استوى كما يليق به جلّ وعلا، فدونه من المخلوقات داخلون في ربوبيته، وملكه من باب أولى.
وهذا الدعاء، وإن كان من باب الإخبار، إلا أنه متضمّن للسؤال والطلب، كما بيّنا سابقاً، وكأنّ حال السائل يقول: اكفني يا ربي من كل شيء يهمّني، ويخيفني، فتضمّن هذا الدعاء كمال حُسن الظن، واليقين باللَّه، وتوحيده، والتوكّل عليه، والثناء له، في ملكوته لكل شيء، فهو المستحقّ أن يفزع، ويرجع إليه في كل الأمور.
وقد جاء في فضل هذا الدعاء المبارك من حديث أبي الدرداء عن النبي ﷺ أنه قال: (مَنْ قالَ فِي كُلّ يَوْمٍ حِينَ يُصْبحُ، وَحِينَ يُمْسِي: ]حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ[ سَبْعَ مَرَّاتٍ كَفَاهُ اللَّهُ تَعالى ما أهمَّهُ مِنْ أمْرِ الدُّنْيا والآخِرَةِ)([3]).
تضمّن هذا الدعاء فوائد كثيرة، منها:
1- أهمية هذه الدعوة لما جاء في فضلها من السنة في الكفاية من كل ما يهمّ العبد في دينه ودنياه.
2- أنّ على العبد أن يستفرغ كل ما في وسعه من الأسباب الشرعية وغيرها في تحقيق مقصوده، ثم يتوكل عليه جلّ وعلا، وهذا من كمال التوحيد.
3- إنّ التوكّل سبب لكفاية اللَّه تعالى للعبد، كما قال U: ]وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ[([4]).
4- فضل كلمة التوحيد، فإنّ فيها النجاة في الدنيا والآخرة.
5- أهمية التوسّل إلى اللَّه تعالى بتوحيده، والتوكل عليه، وربوبيته تعالى لأعظم مخلوقاته.
6- أن الدعاء كما يكون بصيغة الطلب، يكون كذلك بصيغة الخبر.
7- ينبغي للداعي أن يُحسن ظنّه بربه حال دعائه، كما في قوله: ﴿حَسْبِيَ اللَّهُ﴾، وهذا من التوسّل، والعمل الصالح.
([1]) سورة التوبة، الآية: 129.
([2]) مفردات القرآن للراغب، مادة (حسب).
([3]) رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة، ص 132، وابن عساكر، 36/ 196، وصحح إسناده الأرناؤوط في زاد المعاد، 2/ 37 موقوفاً، وحسّنه سليم الهلالي في عمل اليوم والليلة، برقم 72.
([4]) سورة الطلاق، الآية: 3.
مختارات