اسم الله الحكم 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( الحكم ) :
أيها الأخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، والاسم اليوم " الحكم " .
ورود اسم الحكم في السنة النبوية الشريفة :
هذا الاسم ورد في السنة النبوية الصحيحة ، ورد مطلقاً معرفاً بأل : " لما وَفَدَ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مع قومِهِ ، سمِعَهُمْ يُكَنُّونَهُ بأبي الحكم ـ سمع النبي صلى الله عليه وسلم قوم راوي الحديث يكنونه بأبي الحكم ـ فدعاه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم . فقال : ' إنَّ الله هو الحكَمُ وإليه الحُكْمُ فلم تُكْنَى أبا الحَكَم ؟ ' فقال : إنَّ قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمتُ بينهم ، فرَضِيَ كلا الفريقَيْنِ بحكمي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ' ما أحسَنَ هذا ؛ ـ يعني أن تكون وسيطاً ، وحكماً ، وأن يأتي حكمك مقبولاً عند الطرفين شيء طيب ـ ما أحسَنَ هذا فما لكَ من الوُلْدِ ؟ ' قال : لي شُرَيح ، ومسلم وعبد الله ، قال : ' فمن أكبرُهم ؟ قال قلتُ : شريح ، قال : ' فأنت أبو شريح " [أبو داوود من حديث شريح عن أبيه هانئ] .
هذا الحديث الذي رواه أبو داود يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم سمّى الله جلّ جلاله " الحكم " .
النبي عليه الصلاة والسلام ينادي أصحابه بأحب الأسماء إليهم :
أيها الأخوة أحياناً قد يخاطبك إنسان باسمك لا تتألم كثيراً لأن الله سبحانه وتعالى ما خاطب بالكنية إلا أبا لهب .
" تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ " [المسد:1-2] .
والحقيقة باللغة هناك اسم ، وهناك كنية ، وهناك لقب ، وهناك نسبة ، الاسم سيدنا عمر ، الكنية أبو ، أو أم ، أو ابن ، أو بنت ، أبو حفص كنية ، اللقب الفاروق ، النسب القرشي ، فالإنسان له اسم ، وله كنية ، وله لقب ، وله نسب .
أيها الأخوة ، كان عليه الصلاة والسلام ينادي أصحابه بأحب الأسماء إليهم وكان يغير بعض الأسماء .
من الرجل ؟ قال له : زيد الخيل ، فقال له : بل زيد الخير .
إذا كنت معلماً ، إذا كنت مديراً في مؤسسة ، وهناك اسم يثير الضحك أحياناً اختر له اسماً آخر ، أنت معلم ، اسمه محمد ، كنيته قد تثير بعض الضحك ، الأكمل أن تناديه باسمه ، لا بكنيته ، ولا بلقبه .
الحكم في اللغة :
" الحكم " في اللغة ، من صيغ المبالغة ، اسم الفاعل حاكم " الحكم " صيغة مبالغة ، وكما تعلمون حينما يأتي الاسم بصيغة المبالغة فهذا يعني مبالغة كم أو نوع ، يعني مليار ، مليار ، مليار ، مليار حكم من الله عز وجل عدل ، وفي أكبر قضية الحكم عادل كماً ، أو نوعاً .
الحاكم اسم فاعل ، صيغة المبالغة الحكم ، هو الذي يحكم ، ويفصل ، ويقضي في سائر الأمور ، الفعل حكم ، يحكم ، حكماً ، والحكم العلم والفقه .
" وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً " [القصص:14] .
الحُكم العلم والفقه ، الله عز وجل أعطى الحكم لمن لا يحب ، أعطاه لفرعون ، وأعطاه لمن يحب ، سيدنا سليمان ، آتاه الله الملك ، أعطى المال لمن لا يحب ، أعطاه لقارون ، أعطاه لمن يحب لسيدنا عثمان رضي الله عنه ، لسيدنا عبد الرحمن بن عوف .
من أحبه الله أعطاه العلم والحكمة معاً :
لكن الذي يحبه الله عز وجل العلم والحكمة ، العلم والحُكم " وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَـوَى آَتَيْنَـاهُ حُكْمـاً وَعِلْمـاً " إذاً : " وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً " [النساء:113] .
" يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ " [مريم:12] كن قوياً في طاعة الله .
" وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً " [مريم:12] .
استخدام الإنسان الحكم الموجودة في القرآن والسنة لئلا يغفل عن الحق ومن هذه الحكم :
1 ـ تذكير القاضي بأن يحكم بين الناس بالعدل : العلم ، والفقه ، والحُكم القضاء بالعدل ، قال تعالى : " وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ " [النساء:58] .
بمحكمة الجنايات في دمشق هناك قصر العدل مكتوب فوق رأس المذنبين : " وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ " من يقرأها هذه ؟ القاضي ، القاضي يرأس قاعة كبيرة هكذا اتجاهه فوق رأس المذنبين ( الذين في قفص الاتهام ) لوحة كبيرة يقرأها القاضي " وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ " .
2 ـ تذكير المذنب بالقصاص : فوق رأس القاضي هناك لوحة كبيرة مكتوب عليها : " وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ " [البقرة:179] من يقرأها هذه ؟ المذنبون ، المذنبون يقرؤون هذه الآية " وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ " والقاضي يقرأ هذه الآية .
3 ـ عدم ظلم الناس والتأكد مما يقوله بعضهم : رجل يعمل في الأمن كُتب فوق رأسه آية قرآنية : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ " [الحجرات:5] أنسب آية لمن يعمل في هذا الحقل هذه الآية ، مكتب نقل بضائع في مكتبه حديث شريف : " من أخذ أَموال الناس يُريدُ أَداءها أدَّى الله عنه ، ومن أخذ أَموال الناس يُرِيدُ إِتْلافها أتلفه الله " [البخاري] .
4 ـ الاعتزاز بآية كريمة لأنها قد تكون مرتبطة باسمه : محامي اسمه إبراهيم ، عامل لوحة : " وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً " [النساء:125] .
كان مفتي في الشام رحمه الله ، اسمه الأول عبد الرزاق ، فقد كتب لوحة وضعها في غرفة الاستقبال : هو الرزاق وأنا عبده ، أحياناً الإنسان يعتز بآية .
5 ـ التذكير بالأمن والأمان : دخلت إلى مطار القاهرة : " ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ " [يوسف:99] .
6 ـ التذكير بأن الله عز وجل بيده كل شيء : بالقرآن الكريم أحياناً حكم ، والإنسان يستخدم هذه الحكم ، شيء لطيف ، الطبيب : " وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ " [الشعراء:80] .
الحُكم والحَكَم :
الآن " الحكم " بفتحتين " وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ " شيء ، و " الحكم " اسم " الحكم " بفتحتين ، هو الحاكم ، وحكمه في المال تحكيماً إذا جعل الحكم إليه ، واحتكموا إلى الحاكم وتحاكموا المعنى واحد .
أيها الأخوة ، والمحاكمـة هي المخاصمـة إلى الحاكـم ،الآن دققـوا في هـذه الآيـــات الثـلاث : " فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ " هناك قسم : " لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ " [النسـاء:65] فيمــا نشــأ بينهـم مـن خـلاف " ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً " [النساء:65] علامة إيمانك أن تخضع لحكم رسول الله ، علامة إيمانك أن تخضع لحكمه في حياته ، وعلامة إيمانك أن تخضع لحكمه بعد مماته ، كيف ؟ القاضي اعتمد في إصدار حكمه على حديث صحيح للنبي عليه الصلاة والسلام ، فالذي لا يقبل حديث رسول الله " فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ " .
نعم ، امرأة مسلمة تدعي أنها مسلمة ينشب خلاف بينها وبين زوجها في العالم الغربي ، لا تقبل أن ترفع أمرها إلى المركز الإسلامي ، وهناك قاضٍ مسلم ليحكم لها بالمهر ، ترفع أمرها إلى القضاء الغربي ليحكم لها القاضي بنصف أملاك زوجها ، إذاً هي رفضت حكم رسول الله ، حكم النبي المهر ، أما النظام هناك تأخذ المرأة نصف أموال زوجها " فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً " آية خطيرة جداً ، ينفي الله الإيمان عن المؤمن حينما لا يقبل حكم رسول الله في حياته أو بعد مماته ، يعني أي إنسان حكم ، أو قاضي أصدر حكماً اعتماداً على توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم إن لم تقبل ذلك فلست مؤمناً .
علامة إيمان المسلم أن يخضع لتوجيهات الله عز وجل ولحكم رسول الله :
دققوا : الشيء بالشيء يذكر ، الله عز وجل قال : " وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ " [ص:23] من الخلطاء ؟ الزوجات ، الشركاء ، الورثة ، الأولاد ، الأقرباء ، كلهم خلطاء " وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ " نتابع الآية : " إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ " [ص:23] استنبط الإمام الشافعي أن الذي يبغي على خليطه ليس مؤمناً ، ليس مؤمناً أصلاً " وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ " المؤمن لا يبغي على خليطه .
الحقيقة حينما قال الله عز وجل :" وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً " [الأنعام:115] من معاني هذه الآية أن القرآن الكريم فيه ستمئة صفحة ، في دفتي المصحف الشريف آيات كثيرة ، كل هذه الآيات لا تزيد عن أن تكون أمراً أو خبرا ً، إن كانت أمراً فالأمر عدل ، وإن كانت خبراً فالخبر صدق " وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً " .
صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ :
سوف أمهد لهذه الفكرة : البعوضة هذا المخلوق الحقير الذي لا شأن له في حياة الناس ، وقد أكد هذا المعنى النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال : " لو كانت الدنيا تزن عند الله تبارك وتعالى جناح بعوضة ، ما أعطى كافراً منها شربة ماء " [أخرجه ابن أبي شيبة عن رجل من بني فهم] .
هذه البعوضة بعد أن وضعت تحت مجهر إلكتروني يكبر آلاف المرات تبين أن في رأسها مئة عين ، وفي فمها ثمانية وأربعون سناً ، وفي صدرها قلوب ثلاثة ، قلب مركزي ، وقلب لكل جناح ، ولكل قلب أذينان ، وبطينان ، ودسامان ، وتملك جهاز استقبال حراري ، حساسيته واحد على ألف من الدرجة المئوية ، تملك جهاز تحليل دم ، تملك جهاز تخدير ، تملك جهاز تمييع ، في خرطومها ستة سكاكين ، في يديها وأرجلها مخالب ومحاجم ، ما علاقة هذا المثل والحكم الذي نحن في صدده ؟ إذا كانت عظمة الخلق بهذه الدقة لبعوضة ، وعظمة الخلق تدل على عظمة التشريع ، كيف أن خلقه فيه دقة بالغة ، فيه إحكام ، فيه إتقان .
" صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ " [النمل:88] .
الحكم الإلهي في القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه :
إعجاز الخلق يقابله إعجاز للتشريع ، يعني التشريع الإلهي ، الحكم الإلهي في القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ليس هذا التشريع منتجاً بشرياً ، إنه منتج سماوي ، وحي السماء ، هذا التشريع الإلهي لا يخضع للبحث ولا للدرس ، لا يخضع للتعديل ، ولا للتطوير ، ولا للتحديث ، لا يخضع للحذف ولا للزيادة .
" وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ " [الأحزاب:36] .
شيء حكم الله به في القرآن حكماً قطعياً ، لا يمكن أن يكون هذا الموضوع قابلاً للبحث ، التشريع الإلهي وحي السماء ، لا يقبل لا البحث ، ولا الدرس ، ولا التعديل ولا التطوير ، ولا الزيادة ، ولا الحذف ، إنه من عند الله جل جلاله .
لذلك : " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ " .
القلب السليم القلب الذي لا يحتكم إلا لشرع الله ولا يُحكّم غير شرع الله :
الآية الثالثة : " يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ " [الشعراء:88-89] من أدق ما قيل في القلب السليم ، القلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله ، القلب السليم القلب الذي لا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله ، القلب السليم القلب الذي لا يحتكم إلا لشرع الله ، القلب السليم القلب الذي لا يُحكّم غير شرع الله ، ولا يعبد إلا الله .
أنا قلت لكم قبل أيام ، حضرت مؤتمراً السكان في القاهرة ، قلت في هذا المؤتمر : إن العالم الإسلامي مع أنه يعاني ما يعاني ، لا يمكن أن يقبل حلاً لمشكلاته ، بعيداً عن الكتاب والسنة ، عن ثوابته الدينية ، عن ثوابته الإيمانية ، عن قيمه الأصيلة ، هذا شأن عظيم لهذا الشرع الكريم .
ذكرت كلمة قالها بعض الفلاسفة في الشرق ، قال : أنا أفتح النوافذ لأجدد هواء غرفتي ، شيء طيب لا يوجد مانع ، ولكنني لن أسمح للرياح العاتية أن تقتلعني من جذوري أنا أفتح النوافذ ، وأجدد الهواء ، لكن أحافظ على هويتي ، أحافظ على مبادئي ، على ديني على قيمي ، أفتح النوافذ لأجدد الهواء ، ولا أسمح أبداً للرياح العاتية أن تقتلعني من جذوري .
لأحد المفكرين كلمة رائعة ، يقول : إن ثقافة أية أمة ملك البشرية جمعاء ، لأنها بمثابة عسل استخلص من زهرات مختلف الشعوب على مرّ الأجيال ، وهل يعقل إذا لدغتنا جماعة من النحل أن نقاطع عسلها ؟ لا ، الإنجاز الحضاري ملك البشرية جمعاء ، لأنه بمثابة عسل استخلص من زهرات مختلف الشعوب على مرّ الأجيال .
الحكم الكوني والحكم التشريعي :
أيها الأخوة ، الآن : " مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ " [المائدة:117] هو الذي يحكم في خلقه كما أراد ، يحكم في خلقه حكماً إلزامياً لا يرد .
" وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ " [الرعد:41] .
أحياناً القاضي ( قاضي الصلح ) يحكم ، يحكم كما يأتي في مقدمة حكمه باسم الشعب السوري أصدر هذا الحكم ، لكن في محكمة الاستئناف تنقض هذا الحكم ، تعقب عليه وتلغيه ، وقد يحكم قاضي الاستئناف ، باسم الشعب السوري يصدر هذا الحكم ، فتأتي محكمة النقض فتنقض هذا الحكم ، لكن الله عز وجل يقول : " وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ " .
إذاً الله عز وجل يحكم في خلقه كما أراد حكماً لا يرد ، ولا يعقب عليه ، حكماً كونياً ، يعني هذا الإنسان الله عز وجل ساق له بعض الشدائد ، هذا حكم إلهي ، فلان ساق له بعض الخير ، هذا حكم ، هذا حكم مبرم كوني ، وهناك حكم تكليفي ، حكم للمرأة بالمهر ، هذا حكم ، وحكم في الإرث لهذه الأنصبة التي وردت في القرآن الكريم ، هذا حكم ، الله عز وجل له حكم كوني ، جعل هذا الإنسان عقيماً ، هذا حكم ، وقد يكون ملكاً ، وبيده طب العالم كله ، ومع جهود جبارة لم يستطع أن يُنجب من هذه الملكة ، هذا حكم ، العقم حكم .
لذلك : " وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ " .
هناك حكم كوني ، وهناك حكم تشريعي .
الحكم الكوني حكم واقع لا محالة :
أيها الأخوة ، الحكم الكوني واقع لا محالة ، كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، لا يليق بألوهية إلهنا العظيم أن يقع في ملكه ما لا يريد ، كل شيء وقع أراده الله ، كل شيء أراده الله وقع ، إرادته متعلقة بالحكمة المطلقة ، حكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق .
لذلك لا يوجد بقاموس المؤمن لو .
"فلا تَقُل: لو أنَّي فعلتُ لكان كذا وكذا ولكن قل : قَدَّر الله وما شاءَ فَعَل فإن ' لو ' تفتحُ عَمَلَ الشيطان" [مسلم] .
"ولكل شيء حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه" [الطبراني] .
" وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ " .
يحكم حكماً تكوينياً " أفعاله " جعل هذا عقيماً ، جعل هذا وسيماً ، جعل هذا دميماً ، جعل هذا متألقاً ، جعل هذا محدوداً ، هذا حكم إلهي .
مشكلة الخلق مع الله عز وجل ملخصة بكلمة واحدة هي الحمد :
لكن دققوا : حينما يكشف الله للإنسان يوم القيامة الحكمة مما ساق له من شدائد ، أو الحكمة من الحظوظ التي منحه إياها ، حينما يكشف الله لهذا الإنسان يوم القيامة لماذا زوى عنه هذا ؟ ولماذا أعطاه هذا ؟ ينبغي أن يذوب كالشمعة محبة لله عز وجل ، لأن مشكلة الخلق مع الله عز وجل ملخصة بكلمة واحدة ، هي الحمد : " وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " [يونس:10] .
للعبد مما أعطاه الله عز وجل ، هذا حكم كوني ، أي جعلك ذكراً ما جعلك أنثى ، أحد سألك ؟ أحد خيرك ؟ جعلك من هذا الأب وهذه الأم ، جعلك في هذه البلدة ، جعلك في التسعينات ، في الثمانينات ، من اختار لك زمن الولادة ؟ ومكان الولادة ؟ والأب والأم والجنس ؟ هذه أشياء أنت مسير بها ، هذا حكم إلهي ، لكن حينما تكتشف الحقائق ، تكشف الحكمة من القضاء والقدر يوم القيامة ، المؤمن يقول كلمة واحدة : يا رب لك الحمد على ما سقت لي ، لذلك من أدق الأدعية النبوية : " اللَّهمَّ ما رَزَقْتَني مما أُحِبُّ فاجعَلْهُ قُوَّة لي فيما تُحِبُّ ، وما زَوَيْتَ عني مما أُحِبُّ فاجعَلْهُ فَرَاغا لي فيما تُحِبُّ " [الترمذي] .
" عَجَبا لأمر المؤمن ! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر ، فكان خيراً له ، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر ، فكان خيراً له " [مسلم] .
من عرف أسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى التزم منهجه سبحانه :
أيها الأخوة ، هناك حكم ثانٍ حكم تشريعي ، حكم تكليفي ، يوجد فرائض ، ويوجد سنن ، هناك مستحبات ، هناك مكرهات ، هناك افعل ، هناك لا تفعل ، هناك مئات الألوف من الأحكام ، المنهج الإسلامي منهج واسع جداً ، مثلاً : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ " [المائدة:1] .
الله عز وجل أمرنا بأمر صريح أن تلتزم بالعقد الذي أبرمته مع المسلم ، المسلمون عند شروطهم هذا أمر إلهي .
الآن : " وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ " [الشورى:10] إلى الكتاب وإلى السنة .
أيها الأخوة ، الحقيقة أن الله عز وجل حينما نعرف أسماءه الحسنى ، وصفاته الفضلى نحبه ، وحينما نحبه نطيعه ، ومن أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه ، ومن أعجب العجب أيضاً أن تحبه ثم لا تطيعه .
والحمد لله رب العالمين