عظيم مكانة أمنا الصديقة عند خير الخلق
يأتي الحبشة إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فتحب الصديقة أن تنظر إلى لعبهم بالحراب، ولا يكون إطلالها على هذا المشهد الطريف، إلا وهي مسندة رأسها على كتف النبي صلى الله عليه وسلم، ما بين أذنه وعاتقه، وهي تطيل الوقوف، لا استزادة من النظر، بل إظهارا لمكانتها عند النبي صلى الله عليه وسلم، فتقول أمنا: " فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حَسْبُكِ "، فقلت: يا رسول الله، لا تعجل، فقام لي، ثم قال: " حَسْبُكِ "، فقلتُ: لا تعْجَل يا رسول الله. قالت: وما بي حب النظر إليهم، ولكني أحببت أن يبلغَ النساءَ مقامُه لي، ومكاني منه ".
ففي هيئة الوقوف ما فيها من حنان النبي صلى الله عليه وسلم، وحبه لها، وقد كان بوسعه أن يجعلها تشاهد المشهد وحدها، بتهيئة مكان تطل منه على لعب الحبشة بالحِراب، وقد كان ممكنا أن يقف إلى جوارها، دون أن يجعل من كتفه الكريم موئلا لرأسها تستند عليه وتطل على المشهد من خلاله، وقد كان ممكنًا أيضًا أن لا يقف معها حتى تنتهي- وقد أطالت- بل كان مقبولا أن يقف قليلا ثم ينصرف لشأنه، وقد حُمِّل ما حُمِّلَ من أعباء الدعوة وأمر الأمة!
لكن هذا الإمكان َكُلَّه منفِيٌّ في حق الصديقة، ففي إفساحه الوقت لها، شاهد حبٍّ لا يتلعثم، وفي إطالة الوقوف، شاهد آخر، وفي هيئة الوقوف، شاهِدٌ ثالث، وفي احتماله إطالة الوقوف شاهد رابع، وفي رعايته لحداثة سنها، وصبره الودود، ولطفه الحاني شاهدٌ وشاهدٌ، فهو موقف زاخر بشواهد الفضل التي لا تنتهي على عظيم مكانة أمنا الصديقة عند خير الخلق صلى الله عليه وسلم.
مختارات