(لم أخنه بالغيب)
في قوله تبارك وتعالى في قصة يوسف عليه السلام:
(ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب)....
ذهب عامة مفسري السلف إلى أن ذلك من كلام يوسف عليه السلام.
وبه قال ابنُ عباس من طرق، ومُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْر، وَعِكْرِمَةُ، وَابْنُ أَبِي الهُذَيل، وَالضَّحَّاكُ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، والسُّدي....
ولم يحك الطبري وابن أبي حاتم عنهم غير هذا القول...
واشتهر في كلام المتأخرين أن هذا من من كلام امرأة العزيز.
حتى صار القول الأول غريبا.
وحجة المتأخرين في ذلك:
السياق والدلالة العقلية.
وأشهر من أطال في بيان حجة القول الثاني شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وهذا من المواطن التي يجد فيها الناظر دقة فهم السلف رحمهم الله، وقوة أقوالهم حتى مع جلالة من خالفهم وتبحره وإمامته.
ولعدم الإطالة؛
فإن القول الأول هو الأقرب للصواب لوجوه منها:
أنه قول عامة مفسري السلف واقتصر المعتنون بأقوالهم كالطبري وابن أبي حاتم في نقلهم عليه.
الوجه الثاني:
أن أصحاب القول الثاني استشكلوا القول الأول واحتجوا لقولهم بدليلي السياق والأدلة العقلية.
فأما السياق فقد أشكل عليهم نسبة القول ليوسف عليه السلام بعد ما جاء الخبر عن امرأة العزيز دون فصل قال تعالى
قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡـَٔـٰنَ حَصۡحَصَ ٱلۡحَقُّ أَنَا۠ رَ ٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّـٰدِقِینَ ٥١ ذَ ٰلِكَ لِیَعۡلَمَ أَنِّی لَمۡ أَخُنۡهُ بِٱلۡغَیۡبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی كَیۡدَ ٱلۡخَاۤىِٕنِینَ ٥٢
وهذ الوجه أجاب عنه الطبري رحمه الله بقوله:
واتصل قوله: ﴿ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب﴾، بقول امرأة العزيز: ﴿أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين﴾، لمعرفة السامعين لمعناه، كاتصال قول الله: ﴿وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾، بقول المرأة: ﴿وجعلوا أعزة أهلها أذلة﴾، [سورة النمل: ٣٤] وذلك أن قوله: ﴿وكذلك يفعلون﴾، خبر مبتدأ، وكذلك قول فرعون لأصحابه في"سورة الأعراف"، ﴿فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾، وهو متصل بقول الملأ ﴿يُريدُ أن يُخْرِجَكُمْ مِنْ أرْضِكُمْ﴾ [سورة الأعراف: ١١٠].(٣)
وهذا الجواب واضح ولذلك لم يذكره ابن تيمية في أدلته على القول الثاني.
وأما الأدلة العقلية فنقتصر على الجواب عن أدلة شيخ الإسلام بتصرف للاختصار.
ولولا أن القول الأول هو قول عامة مفسري السلف لما تقحمت مناقشة قول هذا الإمام رحمه الله.
فإن له في قلبي محبة ومهابة كبرى.
الجواب الأول:
١- يقول ابن تيمية رحمه الله
فكيف يقول يوسف: ﴿وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء﴾ وهو يعلم أنّ نفسه بريئة زكية غير أمارة.
فالجواب
أن اتهام النفس ونسبة الظلم لها هو من كمالات الأنبياء وتعظيمهم لربهم
قال الله تعالى عن آدم
﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمۡنَاۤ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمۡ تَغۡفِرۡ لَنَا وَتَرۡحَمۡنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ﴾
وقال عن موسى عليه السلام
قَالَ رَبِّ إِنِّی ظَلَمۡتُ نَفۡسِی فَٱغۡفِرۡ لِی فَغَفَرَ لَهُۥۤۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ ١٦
وفي صحيح البخاري
عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي هَزْلِي وَجِدِّي وَخَطَايَايَ وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عندي).
فاتهامه لنفسه وغمصه لها من تواضعه لربه وذله له سبحانه.
قال الطبري: يقول يوسف صلوات الله عليه: وما أبرئ نفسي من الخطأ والزلل فأزكيها...
الجواب عن الدليل الثاني
قال ابن تيمية رحمه الله:
- أنّ قوله: ﴿ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب﴾ إذا كان معناه على ما زعموه أن يوسف أراد أن يعلم العزيز أني لم أخنه في امرأته على قول أكثرهم؛ أو ليعلم الملك أو ليعلم الله لم يكن هنا ما يشار إليه، فإنه لم يتقدم مِن يوسف كلام يشير به إليه، ولا تقدم أيضًا ذكرَ عفافه واعتصامه؛ فإن الذي ذكره النسوة قولهن: ﴿ما علمنا عليه من سوء﴾. وقول امرأة العزيز: ﴿أنا راودته عن نفسه﴾. وهذا فيه بيان كذبها فيما قالته أوَّلًا، ليس فيه نفس فعله الذي فعله هو. فقول القائل: إنّ قوله: ﴿ذلك﴾ من قول يوسف، مع أنّه لم يتقدم منه هنا قول ولا عمل؛ لا يَصِحُّ بحال.انتهى كلامه
والجواب:
أن الإشارة في قوله:(ذلك): ليست إلى فعل ليوسف أو قول يتعلق بعفافه بل
إلى فعله عليه السلام من رده رسول الملك
فالإشارة واضحة أنها لامتناعه. ولا شك أن فعلا كهذا ورد رسول الملك يحتاج إلى ذكر سبب وقد بينه عليه السلام بهذه الإشارة(ذلك)
قال الطبري: يعني بقوله: ﴿ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب﴾، هذا الفعل الذي فعلتُه، من ردّي رسول الملك إليه، وتركي إجابته والخروج إليه، ومسألتي إيّاه أن يسأل النسوة اللاتي قطَّعن أيديهن عن شأنهن إذ قطعن أيديهن، إنما فعلته ليعلم أني لم أخنه في زوجته="بالغيب"، يقول: لم أركب منها فاحشةً في حال غيبته عني.الجواب على الدليل الثالث:
قال ابن تيمية رحمه الله:
أنّ المعنى على هذا التقدير -لو كان هنا ما يشار إليه مِن قول يوسف أو عمله-: إنّ عِفَّتي عن الفاحشة كان ليعلم العزيزُ أنِّي لم أخنه، ويوسف إنّما تركها خوفًا مِن الله ورجاء لثوابه؛ لا لأجل مجرد علم مخلوق. قال الله تعالى: ﴿ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين﴾. فأخبر أنّه رأى برهان ربه، وأنّه مِن عباده المخلصين. ومَن ترك المحرمات ليعلم المخلوق بذلك لم يكن هذا لأجل برهان من ربه، ولم يكن بذلك مخلصًا، فهذا الذي أضافوه إلى يوسف إذا فعله آحادُ الناس لم يكن له ثواب من الله؛ بل يكون ثوابه على مَن عمل انتهى.
والجواب
جواب الثاني فلم تكن الإشارة لعفافه بل لامتناعه عن إجابة رسول الملك حتى يسأل النسوة وهذا من تمام إحسانه عليه السلام الذي وصفه الله به وأنه من المحسنين فإنه أراد ظهور عفته ليطمئن من كان عنده أنه حفظ عرضه وصان بيته وأنه حفظ إحسانه وجميله. وهذا من أكمل الخلق وأتمه.
ولا شك أن ظهور هذا بعد انتشار الخبر في المدينة من أعظم الإحسان لزوجها وتنزيه فراشه. وهو من الإحسان الذي دعت إليه الشرائع وقد أراد بذلك الإحسان إلى الخلق وجه الله تعالى.
لأنه يعلم أن من كان عنده إذا بان له صدق يوسف وعفته اطمأن وذهبت عنه قالة السوء.
الجواب على الدليل الرابع:
قال ابن تيمية رحمه الله
أنّ الناس عادتهم في مثل هذا يعرفون بما عملوه مَن لذلك عنده قدر، وهذا يناسب لو كان العزيز غيورًا، وللعِفَّة عنده جزاء كثير، والعزيز قد ظهرت عنه مِن قلة الغيرة وتمكين امرأته مِن حبس يوسف مع الظالمين مع ظهور براءته ما يقتضي أنّ مثل هذا ينبغي في عادة الطباع أن يقابل على ذلك بمواقعة أهله، فإنّ النفس الأمارة تقول في مثل هذا: هذا لم يعرف قدر إحساني إليه وصوني لأهله؛ بل سلَّطها ومكَّنها. فكثير من النفوس لو لم يكن في نفسها الفاحشة إذا رأت مَن حاله هذا تفعل الفاحشة؛ إما نكاية فيه ومجازاة له على ظلمه، وإمّا إهمالًا له لعدم غيرته وظهور دياثته، ولا يصبر في مثل هذا المقام عن الفاحشة إلا من يعمل لله خائفًا منه، وراجيًا لثوابه، لا من يريد تعريف الخلق بعمله... انتهى
والجواب
أن هذا لا يوافق ظاهر القرآن من إحسان العزيز إلى يوسف عليه وسلم في قوله تعالى ( أكرمي مثواه) وقوله تعالى (إنه ربي،أحسن مثواي)
فكيف يتصور ممن يقول ذلك عن العزيز ألا يكون له اهتمام به وبرعاية حقه واهتمام ان يعلم براءته وصيانة عرضه وحفظه لغيبته.
الجواب عن الدليل الخامس
قال ابن تيمية رحمه الله:
أنّ الخيانة ضد الأمانة، وهما من جنس الصدق والكذب، ولهذا يقال: الصادق الأمين، ويقال: الكاذب الخائن. وهذا حال امرأة العزيز، فإنها لو كذبت على يوسف في مغيبه وقالت: راودني. لكانت كاذبة وخائنة، فلما اعترفت بأنها هي المراودة كانت صادقة في هذا الخبر أمينة فيه، ولهذا قالت: ﴿وإنه لمن الصادقين﴾. فأخبرت بأنه صادق في تبرئته نفسه دونها. فأما فعل الفاحشة فليس من باب الخيانة والأمانة، ولكن هو من باب الظلم والسوء والفحشاء كما وصفها الله بذلك في قوله تعالى عن يوسف: ﴿معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون﴾. ولم يقل هنا: الخائنين، ثم قال تعالى: ﴿كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين﴾. ولم يقل: لنصرف عنه الخيانة.
والجواب:
أن نسبة هذا القول لامرأة العزيز مع إقرار الله لها مع ما وقع منها من الخيانة حقا بالمروادة ودعوة يوسف للفاحشة بعيد جدا
وكونها خيانة من أظهر ما يكون إذ أن المرأة مؤتمنة حافظة لغيب زوجها
وهي مع ذلك لم تحفظ أمانة زوجها بل سعت بكل وسيلة لإيقاع يوسف في الفاحشة فكيف يصدق عليها أنها لم تكن خائنة.
وتسمية الفاحشة خيانة معروف في اللغة وكتب السنة حتى قال عبدالملك بن حبيب في كتابه أدب النساء باب المرأة تخون زوجها.
كما إنها امرأة العزيز من مجتمع وثني فكيف يكون منها هذا الكلام الذي هو من أحسن الكلام وأبينه توحيدا
تأمل قوله تعالى
ذَ ٰلِكَ لِیَعۡلَمَ أَنِّی لَمۡ أَخُنۡهُ بِٱلۡغَیۡبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی كَیۡدَ ٱلۡخَاۤىِٕنِینَ ٥٢ ۞ وَمَاۤ أُبَرِّئُ نَفۡسِیۤۚ إِنَّ ٱلنَّفۡسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوۤءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّیۤۚ إِنَّ رَبِّی غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ ٥٣﴾ [يوسف ٥٠-٥٣]
هل تقول امرأة أرادت إغواء فتى كان في بيتها وبهتته وافترت عليه وتسببت في حبس بريء سنوات طوال ولم يخرج بسبب منها بل لولا لطف الله برؤيا الملك لظلت على حالها وما برأت يوسف عليه السلام.
فكيف تزكى بنقل مقالتها وإقرارها.!!! الجواب على الدليل السادس
قال ابن تيمية رحمه الله أنّ النفوس منقسمة إلى مرحومة وأمارة كما قال القرآن: ﴿إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي﴾. وقد علِمنا قطعًا أنّ نفس امرأة العزيز من النفوس الأمارة بالسوء، وأمّا نفس يوسف ﵇ فإن لم تكن من النفوس المرحومة عن أن تكون أمّارة فما في الأنفس مرحوم؛ فإنّ مَن تدَّبر قصة يوسف علم أن الذي رُحم به وصرف عنه من السوء والفحشاء من أعظم ما يكون، ولولا ذلك لما ذكره الله في القرآن وجعله عبرة، وما من أحد من الصالحين الكبار والصغار إلا ونفسه إذا ابتليت بمثل هذه الدواعي أبعد عن أن تكون مرحومة من نفس يوسف. وعلى هذا التقدير: فإن لم تكن نفس يوسف مرحومة فما في النفوس مرحومة، فإذًا كل النفوس أمارة بالسوء، وهو خلاف ما في القرآن
والجواب ظاهر
فإن يوسف عليه السلام
لم يزك نفسه بل قال (وما أبرئ نفسي)
ولم يقل إن نفسي أمارة بالسوء
بل قال ( إن النفس أمارة بالسوء)
إلا مارحم ربي
وهو ممن رحمه الله
فقال ذلك معتصما بربه
كقوله
(وَإِلَّا تَصۡرِفۡ عَنِّی كَیۡدَهُنَّ أَصۡبُ إِلَیۡهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلۡجَـٰهِلِینَ)
وكقول النبي صلى الله عليه وسلم
والله لولا الله ما اهتدينا
والحديث القدسي:
كلكم ضال إلا من هديته.
فلا إشكال في نسبة هذه المقالة ليوسف عليه السلام أو نبي غيره. بل هي من أخلاق الأنبياء ودينهم بالاعتصام بربهم والخوف على أنفسهم.
الجواب عن الدليل السابع
قال ابن تيمية رحمه الله
أن هذا الكلام فيه -مع الاعتراف بالذنب- الاعتذار بذكر سببه، فإنّ قولها: ﴿أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين﴾ فيه اعتراف بالذنب، وقولها: ﴿وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء﴾ إشارة تطابق لقولها: ﴿أنا راودته﴾، أي: أنا مُقِرَّة بالذنب ما أنا مبرئة لنفسي، ثم بينت السبب فقالت: ﴿إن النفس لأمارة بالسوء﴾ فنفسي من هذا الباب، فلا ينكر صدور هذا منِّي، ثم ذكرت ما يقتضي طلب المغفرة والرحمة، فقالت: ﴿إن ربي غفور رحيم﴾. فإن قيل: فهذا كلام مَن يُقِرُّ بأن الزنا ذنب، وأن الله قد يغفر لصاحبه. قيل: نعم، والقرآن قد دل على ذلك حيث قال زوجها: ﴿واستغفري لذنبك﴾. وهذا دليل أنهم كانوا يرون ذلك ذنبًا ويستغفرون منه وإن كانوا مع ذلك مشركين؛ إذ الفواحش مما اتَّفق اهل الأرض على استقباحها.
الجواب على الدليل السابع
أن يقال
إن قولها كما ذكر الله تعالى عنها (الآن حصحص الحق) دليل على أنه لم تعترف بذنبها إلا في ذلك المقام نفسه (الآن)
فكيف تقول (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) فهل هناك أعظم خيانة من أنها بعد دعوته للفاحشة وافترائها عليه وتآمرها على سجنه وبقائها على ذلك السنوات الطوال وكل ذلك في الغيب عنه
ولم تكن لتقر بذنبها لولا تقدير الله تعالى لرؤيا الملك وما حصل تبعا لها.
ثم ما الذي بينهما من عهد حتى لا تخونه؟.
ولم يكن لها بد من الاعتراف مع حضور النسوة وإقرارها لهن حين جمعتهن بمراودته وإخبارها بامتناعه واستعصامه
ولذا قالت حصحص الحق أي،ثبت واستقر.
فلم يكن منها مبادرة للتوبة حتى بان الحق وظهر.
وهذا كل يدل على بعد هذا القول وضعفه.
الجواب على الدليل الثامن
قال ابن تيمية رحمه الله:
أنّ الله لم يذكر عن نبيٍّ ذنبًا إلا ذكر توبته منه، ويوسف لم يذكر القرآن أنه فعل مع المرأة ما يتوب منه، وما نقل عن وقوعه في بعض مقدمات الذنب كحل السراويل ونحوها فهذا ليس مما ينقل عن النبي، بل عن أهل الكتاب، وقولهم في الأنبياء معروف، فلو لم يكن معنا ما يرد نقلهم لم نصدقهم فيما لم نعلم صدقهم فيه، فكيف نصدقهم فيما قد دل القرآن على خلافه. والقرآن قد أخبر عن يوسف مِن الاستعصام والتقوى والصبر في هذه القضية ما لم يذكر عن أحد نظيره، فلو كان يوسف قد أذنب لَكان إما مصرًّا وإما تائبًا، والإصرار ممتنع، فتعيَّن أن يكون تائبًا، واللهُ لم يذكر عنه توبة في هذا ولا استغفارًا كما ذكر عن غيره من الأنبياء؛ فدلَّ ذلك على أن قوله: ﴿إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي﴾ إنما يناسب حال امرأة العزيز لا يناسب حال يوسف.
الجواب:
أن قول يوسف عليه السلام (وما أبرئ نفسي) لا يلزم منه وقوع الخطيئة
بل هو ما تقدم من التواضع لربه والتبرؤ من تزكية نفسه.
مختارات