تبسيط معنى التوكل.
عندما توكل إنسانا ليقوم بمهمة تريدها
فإن مشاعرك تجاه هذه الوكالة ونفعها والوكيل بحسب ما يتوفر في هذا الوكيل من الصفات وأهمها صفتان:
الصفة الأولى إيمانك وعلمك أنه قادر على ما وكلته فيه،
وهذا العلم والثقة يحصل بأمور:
أولا قدرة الوكيل وقوته
ثانيا علمك بقوة الوكيل وقناعتك في قلبك بها وخبرتك بشواهدها وأدلتها وتكرار تأملها ويقينك بها.
ثالثا طبيعة المهمة ويسرها أو صعوبتها في ذاتها فكلما كانت المهمة يسيرة جدا فإنه يذهب القلق عنك بقدر سهولتها ويسرها.
الصفة الثانية
ثقتك في إرادة الوكيل ورغبته بنفعك وتحقيق مرادك ويقينك بأنه يريد ذلك ويحبه ويفرح به.
فقد يكون قادرا ولكنه لا يريد ذلك ولا تأمنه.
والشعور بالثقة وحسن الظن بالوكيل يحصل لك بقوة علاقتك بهذا الوكيل ومحبته لك وطول الصحبة وتكرار إحسانه إليك وعونه لك وظهور شواهد محبته لك ولطفه بك.
حين توكل ابنا بارا محبا لك في إحضار كأس من الماء من المطبخ.
وبعد أن يذهب هل يساورك قلق أو شك أو تفكير أو أنك تذهل عن الموضوع ولا تهتم كأنه قد حصل وكأن الماء قد صار بين يديك.
اعتمادك على ابنك البار قائم على شعور مركب
من ثقتك بقدرته وسهولة المهمة ووضوحها ومحبة ابنك لك ورغبته في طاعتك وعدم وجود أي موانع.
ولله المثل الأعلى
تعال بنا إلى مثال يبسط الموضوع
عندك قسط متأخر ودين
ومشاعرك لا تخلو حينئذ من أحوال
التفكير في أسباب تحصيل هذا الدين وتسديده ومنها الأسباب الشرعية كالدعاء والاستغفار وبعد فعلها تبقى قلقا خائفا ولا تنشغل بفكرة التوكل أصلا.
الحال الثانية
كالحال الأولى لكنك تستشعر أهمية التوكل ولكنك تعاني من فهم التوكل وتحصيله إن فهمته كشعور في،قلبك.
الحال الثالثة وهي حال المتوكلين وهي تحقيق التوكل
ولتبسيط حصوله معرفيا وإلا فلا يحصل في القلب إلا بتوكل آخر وافتقار إلى الله.
نقول
حين تذهب للوظيفة أو العمل في مزرعة أو متجر أو التجارة لتحصيل رزقك وقلبك مشغول بالدين
ينبغي لك أن تتعلم
أن توكل شأن الدين وقضائه إلى الله
بقولك وقلبك
فتقول يارب أفوض أمري ولو قلت أمر قرضي إليك
وأجعلك وكيلا وأنتم نعم الوكيل وكفى بك وكيلا في،قضائه عني.
ولتعزيز هذا الشعور في قلبك تحتاج إلى تجديد إيمانك بأمور
أن الذي وكلته هو الله الرب القدير على كل شيء القوي الذي،لا يعجزه شيء وكل شيء عليه هين ويسير
فلا تقلق من ثقل ما أنت فيه من دين أو غيره.
ولا بد لتحقيق هذا المعنى في قلبك من تكراره وعرض شواهده وتحصيل اليقين به ما أمكنك والتفكر فيه عند قراءة القرآن.
وثانيا أن تعلم أن الذي وكلته رحيم وكريم وجواد وبر ولطيف بعباده ورؤوف بهم وأرأف من الأم بولدها فهو مع كمال القدرة كامل الرأفة والإحسان والبر. وتأمل في سوابق إحسانه إليك وإلى غيرك
وثالثا إن كنت تقول أعلم أن الله على كل شيء قدير وأعلم أنه أرحم الراحمين ولكنني لا أستحق رحمته فأنا مذنب فاعلم أن الذي وكلته هو الغفور العفو التواب الذي سبقت رحمته غضبه وأنه لا يؤاخذ الناس بكل ما كسبوا رحمة بهم وإلا لعجل لهم العذاب فمهما بلغت ذنوبك فإنه كما ترى يجرى أنفاسك والدماء في عروقك ويطعمك ويسقيك ويشفيك ويعطيك وهي نعم أعظم بعدد الحصا مما تسأله من جزئيات حياتك الصغيرة من مرض أو دين أو هم أولاد أو مشاكل عائلية
ورابعا أن التوكل في ذاته هو سبب الكفاية ولو تخلفت أسباب أخرى قال سبحانه (ومن يتوكل على الله فهو حسبه)
ولم يذكر شرطا آخر في تحصيل كفايته غير التوكل وكلما عظم التوكل التام حصلت الكفاية التامة بل قال ابن القيم إن بعض أهل المعاصي يعتمدون ويتوكلون على الله في تحصيل أسباب معصيتهم فتحصل لهم مع إثمهم بسبب صدق توكلهم (مثل أن يعتمد إنسان على الله في إتمام صفقة ربا )
وخامسا أن التوكل مراتب ويقوى في القلب مع الاجتهاد في تحصيله.
تعالوا إلى مثال المديون
يارب أفوض أمر ديني إليك وأتوكل عليك في سداده فأنت ربي وخالقي وأنت على كل شيء قدير وكل شيء عليك هين وليس لي من أذهب وأشكو إليه غيرك وأنت بيدك الخزائن ولا تغيضك نفقة ولا ينقص من ملكك شيء وأنت الجواد الكريم قد أعطيتني مع ذنوبي وآثامي فاحمل هم هذا الدين عني
وأعني على ألا يقع في قلبي قلق بعد توكلي عليك وأذهب كل وساوس الشيطان التي تضعف توكلي.
ذكرت مثالا على التوكل في أمر دنيوي ليسهل فهمه
ولعلنا نرتقي للتوكل على الله تعالى أمر عبادة من العبادات في مقال آخر.
ويسرني مناقشتكم لإثراء فهم هذه العبادة العظيمة والعمل بها
مختارات