" اهتمام الإسلام بخلق علوّ الهمَّة "
" اهتمام الإسلام بخلق علوّ الهمَّة "
اهتمَّ الإسلام بعلوِّ الهمَّة وحضَّ عليه، وحثَّ المسلمين على التحلِّي بهذا الخلق الطيب، ووجَّههم إلى طريق اكتسابه، وحرص على تربيتهم عليه وتنوعت الآيات والأحاديث الدالة على ذلك، وكثرت مظاهر اهتمام الإسلام به، ويمكن توضيح ذلك في النقاط الآتية:
1- إنَّ القرآن قرن بين الإيمان والعمل كما في قوله تعالى: " إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ " [العصر: 3] والعمل هو الظاهرة المادية لعلوِّ الهمَّة في النفس؛ لأنه هو التحرُّك الجاد الذي تُبذل فيه الطاقات لتحصيل أيِّ غاية من الغايات.
2- إنَّ الإسلام حثَّ على ترقية غايات المسلمين، وهذا إعلاء لهممهم وارتفاع بها عن الدنايا، وأخذ بها إلى معالي الأمور.
3- إنَّ الإسلام وجَّه المسلمين لكسب أرزاقهم عن طريق الكدح والعمل والمشي في مناكب الأرض حتى يعفَّ الإنسان نفسه ويستغني عن غيره، ووجَّههم في المقابل إلى الترفُّع عن مسألة الناس ما لم تدع الضرورة إلى ذلك، وعرَّفهم أنَّ اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى.. قال صلى الله عليه وسلم: «لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي الجبل، فيجيء بحزمة الحطب على ظهره، فيبيعها يكفَّ الله بها وجهه خيرٌ من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه» (رواه البخاري).
4- ومنها أنه حثَّ المسلمين على التنافس في فعل الخيرات، والتسابق إلى معالي الأمور ورفيع المنازل، وعودهم على الجد في العمل والقيام به بهمَّة ونشاط.. قال تعالى: " سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ " [الحديد: 21].
وقال سبحانه: " وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ " [آل عمران: 133].
5- ومنها أنه أمر المسلمين بالجهاد ورغَّبهم فيه أيما ترغيب، والجهاد أقصى مراتب العمل الجاد.. قال تعالى: " لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً... " [النساء: 95].
6- ومنها أنَّ الإسلام ذم التواني والكسل، وأمر بالبعد عن الهزل واللهو واللعب، ونأى بأتباعه عن كلِّ أمرٍ لا فائدةً تُرجى من ورائه، وأمرهم بالبعد عن سفاسف الأمور والترفُّع عن الدنايا والمحقِّرات والزهد بالدنيا طلبًا لِما هو أجلَّ وأعظم وأبقى وأخلد، ألا وهو النعيم المقيم في جنات النعيم.
7- ومنها أنَّ الإسلام وضع المسلمين في موضع قيادة البشرية، وحملهم تبعات هذه القيادة، وفي هذا غرس لخلق علو الهمَّة في نفوسهم، وحفز شديد لهم حتى يتحلوا بكل ظواهرها من اختراق الصعاب وتحمل المشاق.
8- ومنها أنَّ الإسلام وجَّه المسلمين للدعاء، والدعاء بابٌ عظيمٌ من أبواب علوِّ الهمَّة، فبه تكبر النفس وتشرف وتعلو الهمَّة وتتسامى، وذلك أنَّ الداعي يأوي إلى رُكن شديد ينزل به جميع حاجاته، ويستعين به في كافة أموره.
9- ومنها أنَّ الإسلام حثَّ المسلمين على خُلق الحياء، لأنه مظهر من أعظم مظاهر علوِّ الهمَّة، وسببٌ عظيم لاكتسابها، وذلك لأنه يدفع المرء للتحلِّي بكلِّ جميلٍ محبوب، والتخلِّي عن كلِّ قبيح مكروه.
10- ومنها - بل ومن أغربها - ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله يُحب العُطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس أحدكم فحمد الله فحقَّ على كلِّ مسلم سمعه أن يشمته، أمَّا التثاؤب فإنما هو من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليردَّه ما استطاع، فإنَّ أحدكم إذا قال " ها " ضحك منه الشيطان» (رواه البخاري).
فالعطاس الذي لا يكون عن مرضٍ هزَّة عصبية موقظة للنشاط والعمل، وهو من علوِّ الهمَّة، بخلاف التثاؤب الذي هو ظاهرةٌ من ظواهر الفتور والكسل وميل الأعصاب إلى الاسترخاء والخلود إلى الراحة وعزوف النفس عن العمل والحركة، وكل ذلك من ضعف الهمَّة، ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم التثاؤب من الشيطان، أي مما يرضي الشيطان.
ولَمَّا كان العطاس باعثًا على اليقظة والنشاط كان حقًّا على العاطس أن يحمد الله، لأنَّ العطاس نعمة.
ولَمَّا كان التثاؤب دليلٌ على الكسل والفتور وضعف الهمَّة كان من الأدب أن يردَّه المسلم عن نفسه ما استطاع.
وبالجملة: فالإسلام أخي الحبيب دين العزة والكرامة، ودين السمو والارتفاع، ودين الجدِّ والاجتهاد، ليس دين كسل وخمول وذلَّة ومسكنة، حثَّ على علو الهمَّة ودعا إليه، وتنوَّعت مظاهر اهتمامه به كما رأيت.
مختارات