في الصحيحين من أبي ذر من حديث طويل حين سأل عن أفضل الأعمال

: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ ؟ قَالَ: " تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ ".

وعند الأصوليين أن الترك الذي هو بمعنى الكف عن الشيء والامتناع عنه مع القدرة عليه والعلم به وقيام دواعيه فعل

وهذا الحديث يدل على ذلك

بل يدل على أن كف الأذى من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره في سياق الجواب عن أفضل الأعمال.

وذلك لأن الدواعي إلى أذية الخلق وإلحاق الضرر بهم كثيرة وأعظمها وساوس الشيطان والنفس الظلوم الجهول.

والخواطر الرديئة

فحبس النفس عن أذية الخلق مشروع عظيم وغاية كبرى تحتاج إلى كفاح وصبر

وتعب ونضال ويقظة وحذر

ولا يطيقها إلا من أحبه الله.

تحتاج إلى وعي وإدارة حازمة للذات وقيود يطوق بها الأنسان نفسا شديدة الفلتان والروغان.

الحياة كلها محراب لكف الأذى في البيت والطريق والمسجد والسوق مع الأقارب والأباعد.

المؤمن معه شرطة في داخله تحرس الناس منه

شرطة يقظة تلاحق لسانه وجوارحه وتحاسبه وتعاتبه وتعاقبه.

ولذا في،صحيح البخاري، عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ: " مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ".

وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام قوله

َالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ

بل جعله صلى الله عليه وسلم أفضل الأعمال بعد الجهاد على الفور

ففي،الصحيحين من حديث أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ". قَالُوا: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ: " مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَتَّقِي اللَّهَ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ ".

كل مكان فيه بشر فهو مظنة الزلل عليهم

لذا لم يكن إلا الشعب الخالي الذي يمكن أن يرتاح فيه الإنسان من عدوان نفسه على الخلق بلسانه أو بيده.

ومع مواقع التواصل وقع الإنسان في فخ الأذى الأعظم

وانطلقت سباع نفسه على الآلاف بل الملايين

تؤذيهم في دينهم في أخلاقهم في مشاعرهم في أعراضهم

يكتب شيئا قبيحا فيدمي به نفوسا بريئة في قارات العالم.

يكتب في غرفته الخالية

حروفا تؤذي نفسا على بعد آلاف الأميال

يا له من مأزق علقت فيه النفس البائسة.