" الاستعاذة : (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) "
" الاستعاذة: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) "
1- الحكمة من التعوذ: يستعيذ المسلم بالله سبحانه من الشيطان الرجيم، في جميع أقواله وأفعاله المشروعة، وفي ذلك اعتصام بجناب الله تعالى من كيد الشيطان ومكره، واستجارة بالله سبحانه من همزه ونفخه ونفثه، كأنه يقول: أستجير بالله تعالى من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي، أو يصدني عن فعل ما أُمرت به، أو يحثني على فعل ما نُهيت عنه؛ فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله تعالى.
وأعتصم بحول الله تعالى وقوته أن يقطع هذا الشيطان – الملعون المذموم – العلاقة بيني وبين ربي، وألجأ إلى الله تعالى وألوذ بحماه، وآوي إلى ركنه الشديد أن يغويني الشيطان أو يضلني أو يفسد علي صلاتي، وفي هذه الاستعاذة إقرار بأن الشيطان عدو مبين للإنسان، كما قال تعالى: " إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ " [فاطر: 6].
والمسلم باستعاذته بالله من الشيطان الرجيم، يعترف بعجزه وضعفه أمام حيل الشيطان ووساوسه، وأنه لا يقوى على مقاومة الشيطان وحده.
ويعترف أيضًا بقوة الله تعالى وقدرته، وأنه وحده القادر على دفع جميع الثغرات، ومنها كيد الشيطان؛ إذ لا يقدر على دفعها عن العبد إلا الله سبحانه، فالمسلم إذن يستعين بالله تعالى ويلجأ إليه ويسأله أن يدفع عنه كيد عدوه؛ حيث لا يقدر على ذلك إلا الله سبحانه.
ولفظ " الشَّيْطَانَ " مشتق من (شَطَنَ) بمعنى (بَعُد) أي: أنه بعيد عن الخير وبعيد عن طباع البشر.
و " الرَّجِيمِ " بمعنى المرجوم، أي: المطرود من رحمة الله تعالى، والمطرود عن الخير كله، و(الاستعاذة) طلب العوذ بمعنى اللجوء إلى الله تعالى، واللياذ بحماه من هذا الشيطان، وقد أمرنا أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم عند بدء القراءة فقال: " فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " [النحل: 98] والأمر في الآية للوجوب.
قال جعفر الصادق: إنه لابد قبل القراءة من التعوذ، وأما سائر الطاعات فإنه لا يتعوذ منها، والحكمة في ذلك أن العبد قد ينجس لسانه بالكذب، أو الغيبة، والنميمة ونحو ذلك، فأمره الله تعالى بالتعوذ؛ ليعود لسانه طاهرًا، فيقرأ بلسان طاهر كلامًا أُنزل من رب طيب طاهر (تفسير الفخر الرازي).
إن بعض أجهزة التحليل الصوتي أو التحليل الضوئي قد تتمكن من الوصول إلى معرفة شيء من المهام العلمية، سواء رُكبت هذه الأجهزة في أقمار صناعية، أم في محطات فضائية، أم في أطباق طائرة، لكنها حين تحاول التجسس في نطاق الملأ الأعلى فإنها تكون قد سعت إلى حتفها ودحرها، ومن ثم فإن الوحي الإلهي في مأمن تام من استراق الإنس أو الجن، سواء أكان ذلك التجسس على الكوكب الأرضي أم على غيره من الكواكب " لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ " [الصافات: 8، 9].
2- ضعف الشيطان أمام قوة الإيمان:
وقد حمل الشيطان على عاتقه إغواء بني آدم، وإتيانهم من جميع الجهات، والقعود لهم بكل مرصد، إلا عباد الله المخلصين، الذين قويت إرادتهم، وأصبح إيمانهم أقوى من كيد الشيطان، فإنه لا سلطان له عليهم، فقد أعان الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم على شيطانه حتى أسلم، وأصبح زمامه بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث لا يقوى على كيده، وكذلك عمر رضى الله عنه كان أقوى من الشيطان بقوة إيمانه، فما سلك عمر فجًا إلا وسلك الشيطان فجًا غيره.
وهكذا كل مسلم قوي الإيمان، يتحصن بالله تعالى من كيد الشيطان، فيستعيد به سبحانه، ويلوذ بحماه في صباحه ومسائه، وغدوه ورواحه، وأقواله وأفعاله، ولذا: أُمرنا بقراءة المعوذات (الإخلاص والفلق والناس) في صباحنا ومسائنا، وعند النوم، وفي أدبار الصلوات، لاسيما المغرب والفجر، أي: في أول النهار وآخره، وعند النوم، وكذا قراءة آية الكرسي، وآخر سورة البقرة؛ دبر كل صلاة طلبًا للتحصن من الشيطان، فضلًا عن أن ذلك عبادة، وفيه أجر من الله تعالى.
ومن فضل الله تعالى علينا، أن الشيطان يضعف ويخنس ويبطل عمله بتلاوة آيات التحصن، نعوذ بالله تعالى من شره، قال تعالى: " وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " [الأعراف: 200].
وقال سبحانه: " وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " [فصلت: 36].
وقال جل شأنه: " وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ " [المؤمنون: 97، 98].
3- الوسوسة في الصلاة: والاستعاذة بالله تعالى من الشيطان، تطهر القلب من كل ما يشغل العبد عن ربه، لاسيما إذا وقف بين يدي الله تبارك وتعالى يناجيه في صلاته، فهي تطرد عنه وسوسة الشيطان وهواجسه التي تنقص من أجر الصلاة أو تذهب بها.
عن أبي علاء: أن عثمان بن أبي العاص رضى الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي، يلبسها علي، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ذاك شيطان يقال له: حنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل عن يسارك ثلاثًا، قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني» (صحيح مسلم).
4- كل متمرد من الإنس أو الجن فهو شيطان:
فهناك شيطان الإنس وشيطان الجن، وهو المتمرد من كل منهما، وكلاهما يؤذي ويضر ويغوي، فالمتمرد بعدت أخلاقه عن الخير، وابتعد عن بني جنسه، فناسب إطلاق الشيطان عليه، قال تعالى: " وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ " [الأنعام: 128].
وقال تعالى: " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ " [الأنعام: 112].
ودليل إطلاق مسمى الشيطان على المتمرد من الدواب، قول عمر رضى الله عنه وقد ركب برذونًا فتبختر به فقال: (لقد حملتموني على شيطان، والله لقد أنكرت نفسي) فناسب إطلاق الشيطان عليه.
وكل من شيطان الإنس والجن يضل ويغوي، ويتسبب في جلب الشر ودفع الخير، لكن الشيطان يكون خفيًا، يوسوس من الداخل، والإنسان يكون ظاهرًا ماثلًا أمام العينين يحسن ويزين العمل السيئ للمرء فيراه حسنًا، ويقلب الخير شرًا والمعروف منكرًا، وشيطان الإنسان يمكن مصانعته ومداراته وكف شره، بإسداء الجميل إليه وبذل المعروف له، قال تعالى: " وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ " [فصلت: 34] وقال: " خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِي " [الأعراف: 199].
أما شيطان الجن فلا يقدر عليه إلا قوي الإيمان، ولا يكف أذاه إلا الله سبحانه؛ لأنه شرير بطبعه، ولا يكف عن أذى خلقه، وشيطان الدواب يؤذي كذلك، من غير تعرض له بالأذى.
فكل متمرد من شياطين الإنس والجن والحيوان يؤذي، ولا يرد أذاهم إلا الله سبحانه.
وقد أمرنا سبحانه أن نستعيذ بالله، ونستعين به على كف شرورهم، فهو وحده القادر على ذلك، وفي الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم تحصن وكف لذلك كله.
عن سليمان بن صرد قال: اسْتَبَّ رجلان عندَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فغَضِبَ أحدُهُمَا، فاشتدَّ غضبُه حتى انْتَفَخَ وجهُه وتغيَّرَ ؛ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: إنِّي لأَعْلَمُ كلمةً لو قالها لَذَهَبَ عنه الذي يَجِدُ، فانطلق إليه الرجلُ فأخبرَه بقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وقال: تَعَوَّذْ باللهِ مِنَ الشيطانِ، فقال: أَترى بي بأسًا ! أَمجنونٌ أنا ! اذهبْ ( صحيح البخاري).
مختارات