أسباب الحيرة متعددة
ربما يحتار المرء لأنه يجد تعارضا بين الأدلة أمام ناظريه، فلا يهتدي إلى الحق، وهذا يحصل كثيرا بسبب قصور المرء إما في البحث والاستقصاء وإما في الفهم والتأمل، وهذه من أسباب الحيرة المعلومة.
ومن أعجب أحوال هذه النفس مع الحق
أنه في أحيان أخرى كثيرة لا يكون الحق خافيا في حقيقة الحال، وإنما هو في غاية الظهور والبروز، ومع ذلك تعرض الحيرة الشديدة للباحث عنه، ويشعر أنه حيال مسألة معقَّدة لا يمكن الجزم بها، وينبغي التوقف حيالٓها !
يحصل مثل ذلك بسبب حجاب الأهواء حين يرخي ستاره على الأفئدة، فينظر الباحث في الأدلة وهو يبحث من بينها عن الحق الذي يلائمه ويناسبه، فإذا رأى الحق خلاف ما يهواه؛ شعر بحيرة شديدة وترددٍ هائلٍ، وشعر أن ثمة تعارضا قويا بين الأدلة، وربما حاول أن يجمع بين هذه المتعارضات، وهو في حقيقة الحال يحاول الجمع بين الحق الذي أبصره بعينيه، وبين الهوى الذي يعتلج في جوفه..
وقد ذكر شيخ الإسلام إشارة عابرة في غاية الدقّة لهذين السببين من أسباب الحيرة، وجمعهما في جملة واحدة، فقال: (تعرض الحيرة لطوائف من الناس، لعدم ظهور الحق، إما لخفاء الحق عليه، أو لخفاء ما يناسب هواه عليه!).
مختارات