الصفة الخامسة عشرة من صفات المتقين العفو عن الناس
وقد ذكر الله -تعالى- هذه الصفة في أوصاف المتقين الذين وعدهم بالمغفرة لذنوبهم، وأعد لهم الجنة جزاء لهم على أعمالهم الصالحة، وأمر عباده بالمسارعة إلى المغفرة والجنة، وذلك بالمسارعة إلى أسباب ذلك وهي الأعمال الصالحة، فقال -تعالى-: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ.
فقوله -تعالى- في هذه الآية: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ أي: عمن ظلمهم وأساء إليهم، وهذا عام وهو ظاهر بالآية، فهم مع كف الشرّ يعفون عمن ظلمهم في أنفسهم، فلا يبقى في أنفسهم موجدة على أحد، وهذا أكمل الأحوال.
والعفو عن الناس من أجلّ ضروب الخير، حيث يجوز للإنسان أن يعفو، وحيث يتّجه حقه، وكل من استحق عقوبة فتركت له، فقد عُفي عنه.
وفي الحديث: ثلاث أقسم عليهن: ما نقص مال من صدقة، وما زاد الله عبدًا يعفو إلا عزًا، ومن تواضع لله رفعه.
وروى الحاكم في مستدركه، من حديث موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى بن أبي طلحة القرشي عن عبادة بن الصامت عن أُبيّ بن كعب -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من سرّه أن يشرف له البنيان، وترفع له الدرجات فليعف عمن ظلمه، ويعط من حرمه، ويصل من قطعه ثم قال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
وقد قال -تعالى- في سورة الشورى في وصف الذين آمنوا: وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ أي: سجيّتهم تقتضي الصفح والعفو عن الناس، ليس سجيتهم الانتقام من الناس.
وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما انتقم لنفسه قط، إلا أن تنتهك حرمات الله، وقال إبراهيم النخعي كان المؤمنون يكرهون أن يُستذلّوا، وكانوا إذا قدروا عفوا، وأخرجه ابن أبي حاتم عنه.
مختارات