القدس الآن وحتى عام 2020
تستغل المؤسسة الإسرائيلية انشغال الإعلام العربي والدولي بالثورات العربية مندفعة باتجاه تنشيط الاستيطان في الأراضي الفلسطينية خاصة في مدينة القدس حيث باتت تخطط للإطباق على المدينة وتهويدها بحلول العام 2020.
وقد أشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية المختلفة عن البدء في إنشاء 1800 وحدة استيطانية في مدينة القدس وفي أطواق تهويدية حولها، وترافق ذلك مع مخطط تهويدي إحلالي ضخم أعلن عنه مؤخرا يهدف إلى إقامة 70 ألف وحدة استيطانية بحلول العام المذكور، والعمل على تهيئة الظروف المختلفة بما فيها المالية لجعل العرب المقدسيين أقلية لا تتجاوز نسبتهم 12%.
واللافت أن حكومة نتنياهو تسعى في تسابق مع الزمن إلى فرض أمر واقع استيطاني في مدينة القدس لمحاصرة آمال الفلسطينيين في إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
ولم تخف وزارة الخارجية الإسرائيلية عزمها على القيام بحركة دبلوماسية كبيرة لدعم تنشيط الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة كرد مباشر على قبول فلسطين عضواً كامل العضوية في اليونسكو، وقبل ذلك ًذهاب الفلسطينيين في سبتمبر/أيلول الماضي إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف الكامل بدولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
الإجراءات الإسرائيلية في القدس
تجري محاولات إسرائيلية حثيثة لتطبيق سياسة سكانية مبرمجة لتهويد القدس في السنوات القادمة، وذلك في سياق سياسة ديموغرافية، اعتمدت أساساً على طرد أكبر عدد من العرب الفلسطينيين من المدينة بذرائع مختلفة، وجذب أكبر عدد من المهاجرين اليهود، والهدف من ذلك كله محاولة فرض الأمر الواقع الصهيوني، وتدمير حضارتها التي مازالت من أهم الدلالات على تاريخ الإنسان العربي فيها.
وفي السياق، طبقت السلطات الإسرائيلية قوانين عنصرية جائرة على أهالي القدس وأرضهم، فمن جهة استخدمت قانون الغائب للسيطرة على أراضي المقدسيين المتواجدين خارج مدينة القدس. ومن جهة أخرى سعت السلطات الإسرائيلية إلى القيام بعملية إفراغ المدينة من خلال تطبيق قوانين سحب الهوية الإسرائيلية من المقدسيين الذين يقيمون لأكثر من عام خارج مدينة القدس، وكذلك هي الحال بالنسبة للعرب المقدسيين الذين حازوا جنسيات أخرى في دول العالم، وتبعاً لذلك هناك خمسون ألف مقدسي مهددون بسحب هوياتهم وطردهم والسيطرة على عقاراتهم وأرضهم.
وفي سياق السياسات الإسرائيلية التهويدية في مدينة القدس، كثفت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من مخططاتها لفرض الأمر الواقع التهويدي في مدينة القدس، ومنه مخطط للقيام بعمليات جرف وتدمير لآلاف المنازل لكسر التجمع العربي في داخل الأحياء العربية بمدينة القدس مثل حي الشيخ جراح والعيزرية.
ونتيجة تلك المخططات ثمة 35 ألف مقدسي مهددون هم الآخرون بالطرد إلى خارج مدينة القدس. وبعد استصدار القانون الإسرائيلي القاضي بتهويد قطاع التعليم العربي في مدينة القدس، خاصة في المراحل الابتدائية والإعدادية، فإن شبح الترانسفير يلاحق 30 ألف فلسطيني من القدس للحصول على فرص التعليم في بقية مدن الضفة الغربية.
وكانت " إسرائيل " قد طردت 15 ألف مقدسي أثناء احتلالها للقدس الشرقية في العام 1967، وقبل ذلك طرد 60 ألف مقدسي في العام 1948 بعد ارتكاب مجازر مروعة في العام المذكور.
آثار القدس واليونسكو
يعد وجود الآثار والمعالم المسيحية في القدس جنبا إلى جنب مع المعالم والآثار الإسلامية ذا دلالة هامة وكبيرة على مدى التسامح الإسلامي ونبذ الطائفية، وهو ما أدى إلى تمكين الطائفة المسيحية في القدس وما حولها من مدن فلسطينية من ممارسة طقوسها وشعائرها الدينية.
ويشار في هذا الإطار إلى أن الخليفة العادل عمر بن الخطاب ذهب إلى بيت المقدس سنة 15 هجرية 636 ميلادية وأعطى الأمان لأهلها وتعهد لهم بأن تصان أرواحهم وأموالهم وكنائسهم.
كما منح الخليفة العادل عمر بن الخطاب سكان المدينة الحرية الدينية، ورفض أن يصلي في كنيسة القيامة لئلا تتخذ صلاته سابقة لمن يأتي من بعده، حيث تميز الحكم العربي الإسلامي بالتسامح الديني، واحتفظ المسيحيون بكنائسهم وبحرية أداء شعائرهم الدينية.
وبقيت المعالم المسيحية في مدينة القدس ماثلة للعيان حتى وقتنا الراهن، ومن بين تلك المعالم الموجودة بالمدينة كنيسة القيامة وكنيسة المخلص وكنيسة يوحنا المعمدان وكنيسة المسيح وكنيسة مرقص وكنيسة القديس يعقوب، بالإضافة إلى بطريركيات وأديرة للروم الأرثوذكس والأقباط واللاتين والأرمن.
وتقع جميع تلك المعالم في الجهة الغربية للقدس القديمة المسورة، كما تنتشر كنائس ومواقع مسيحية أخرى في الشمال والشمال الغربي من منطقة الحرم القدسي بحيث أصبح في القدس نحو 20 كنيسة وديرا وبطريركية مسيحية.
كما تزخر المدينة بالآثار والمعالم الإسلامية التي تعكس هويتها العربية الإسلامية، وتشير الدراسات إلى أن في القدس القديمة أكثر من 200 أثر ومعلم إسلامي في المقدمة منها الحرم القدسي الشريف، وكذلك سور القدس الشامخ الذي بني في عهد العرب اليبوسيين في العام 2500 قبل الميلاد وطرأت عليه تعديلات وعمليات ترميم في العهدين الأيوبي والمملوكي.
وتمثل تلك الآثار والمعالم جزءاً من تاريخ الأمة وحضارتها الماثلة للعيان، كما تؤكد في الوقت نفسه أهمية القدس في حياة العرب والمسلمين حيث تربطهم بها روابط عقائدية وثقافية.
ومن الآثار والمعالم الإسلامية البارزة في مدينة القدس أبواب الحرم والمسجد الأقصى ومسجد عمر ومسجد قبة الصخرة المشرفة، فضلاً عن المتحف الإسلامي والحمامات والزوايا والقباب.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الجيش الإسرائيلي طرد تحت وطأة المجازر نحو مائة ألف مقدسي في العام 1948 من بينهم الآلاف من المسيحيين، وتكررت عملية الترانسفير أثناء احتلال الجيش الإسرائيلي للجزء الشرقي من مدينة القدس في العام 1967 حيث طرد 15 ألف عربي من المقدسيين المسلمين والمسيحيين.
وبعد احتلال الجيش الإسرائيلي للقدس القديمة في يونيو/حزيران 1967، حاولت السلطات الإسرائيلية القضاء على التراثين الإسلامي والمسيحي في القدس للإطباق عليها وبالتالي تهويدها بشكل كامل.
وتمثل النهج الإسرائيلي في عدد من الإجراءات التي تمت ضد الأماكن الإسلامية والمسيحية بهدف تدميرها وتشويه الطابع الحضاري لمدينة القدس وإزالة الأماكن المقدسة والقضاء بالتالي على ما تمثله هذه الأماكن من ارتباطات إسلامية ومسيحية بالمدينة المقدسة.
ففي 21 أغسطس/آب 1969 دبرت السلطات الإسرائيلية عملية لإحراق المسجد الأقصى، كما قامت بمحاولة لنسفه في بداية العام 1980 على يد الحاخام المقتول مئير كاهانا لتتكرر الاعتداءات منذ العام 1967 على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية.
وجرت محاولات إسرائيلية لإقامة الصلوات في ساحة المسجد الأقصى وسرقة بعض محتويات كنيسة القيامة، واستملاك الأراضي التابعة لبعض الأديرة المسيحية في القدس.
وبعد نيل فلسطين للعضوية الكاملة في اليونسكو يمكن مطالبة المنظمة المذكورة في حماية آثار القدس ومعالمها الدينية من مخاطر التهويد الذي يهدد المدينة وتاريخها وهويتها العربية الإسلامية.
الثورات العربية وقضية القدس
يمكن الجزم بأن انتصار الثورات الشعبية في أكثر من دولة عربية واستمرارها في دول عربية أخرى ستؤدي في نهاية المطاف إلى فرض إرادة الشعوب العربية وحضورها بقوة للتعبير عن وقوفها إلى جانب الحقوق العربية على امتداد الوطن العربي، وفي مقدمتها الحقوق الفلسطينية.
فالعلم الفلسطيني الذي رفع ويرفع مرارا في ميادين التحرير وساحات التغيير دلالة كبرى على مدى أهمية نصرة الحق الفلسطيني، وليس غريبا أن يتحدث الفلسطينيون عن ربيع فلسطيني قادم بعد الربيع العربي.
اليوم، وبعد حصول الفلسطينيين على العضوية الكاملة في منظمة اليونسكو للثقافة والتربية والعلوم باتت الأبواب مفتوحة لقبول عضوية فلسطين في أكثر من منظمة دولية تتبع الأمم المتحدة، وقد عزز هذا الاتجاه الربيع العربي.
ومن الأهمية التأكيد على أنه بعد انتصار الثورات العربية والوصول إلى الحالة الديمقراطية العربية المثلى ستكون قضية القدس حاضرة بقوة في الخطاب السياسي العربي ومن أولوياته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزيرة نت
الكاتب: نبيل السهيلي
مختارات