" نماذج من كتمان السر "
" نماذج من كتمان السر "
1- لما تأيمَّت حفصة بنت عمر عرضها أبوها على عثمان ليتزوجها فاعتذر فعرضها على أبي بكر فلم يرد عليه بإيجاب أو نفي، فغضب منه أكثر من غضبه على عثمان، فلما خطبها النبي صلى الله عليه وسلم وقابل أبو بكر عمر قال له: لعلك وجدت علىَّ حين عرضت حفصة علي فلم أرجع إليك شيئًا؟ قال: نعم، قال: إنه لم يمنعني أن أرجع إليك شيئًا حينما عرضت علي إلا أنني كنت علمت أن النبي يذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ( رواه البخاري).
2- لما ولى عمر بن الخطاب قدامة بن مظنون بدل المغيرة أمره ألا يخبر أحدا، فلم يكن له زاد، فتوجهت امرأته إلى دار المغيرة وقالت لهم، أقرضونا زادًا، لراكب فإن أمير المؤمنين ولى زوجي الكوفة، فأخبرت امرأة المغيرة زوجها، فجاء عمر واستأذن عليه وقال له: ولَّيتَ قدامة الكوفة وهو رجل قوي وأمين، فقال: ومن أخبرك؟ قال: نساء المدينة يتحدَّثن به، فقال: اذهب وخذ منه العهد (محاضرات الأدباء للأصفهاني).
3- قال العباس لابنه عبد الله: (إني أرى هذا الرجل – يعني عمر بن الخطاب – يقدمك على الأشياخ فاحفظ عني خمسًا: لا تفشينَّ له سرا، ولا تغتابن عنده أحدًا ولا تجرين عليه كذبًا، ولا تعصين له أمرًا، ولا يطَّلِعَنَّ منك على خيانة (الإحياء).
4- طلب بنو قريظة من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسل إليهم (أبا لبابة) لاستشارته فيما عرض عليهم النبي فقاموا إليه يبكون، قال: كيف ترى لنا؟ أننزل على حكم محمد؟ قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه – يقول – إنه الذبح، ثم علم من فوره أنه خان الله ورسوله، فمضى ولم يرجع إلى النبي حتى أتى مسجد المدينة فربط نفسه بسارية وحلف ألاَّ يحلَّه إلا رسول الله بيده، لا يدخل أرض بني قريظة أبدًا، ثم تركه النبي حتى تاب الله عليه فحلَّه بيده (زاد المعاد).
5- لما اعتزم النبي فتح مكة أمر عائشة أن تجهزه، فدخل عليها أبوها أبو بكر وهي تُعِدّ الجهاز، فقال: أي بنية أمركن رسول الله بتجهيزه؟ قالت: نعم قال: فأين ترينه يريد، فقالت: والله ما أدري، ثم أعلم النبي الناس أنه سائر إلى مكة وأمرهم بالجد والتجهيز وقال: «اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها»، لكن حاطب بن أبي بلتعة كتب إلى قريش بذلك وأرسل الكتاب مع امرأة وجعل لها جعلاً فأخفته في قرون رأسها، وكان من أمره ما كان وكان من رأي عمر قتله، ولكن النبي عفا عنه لأنه من أهل بدر، ونزل في ذلك قول الله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ " [الممتحنة: 1].
6- ففي هذه القصة عدم إخبار عائشة أباها بمقصد النبي، ومنها دعاء النبي أن يأخذ العيون من قريش حتى يبغتها، وغضب النبي على عمل حاطب، ورأي عمر في قتله، ووعيد الله للجواسيس والعملاء.
وهذه فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها – تضرب لنا مثالاً في أمانة حفظ السِّر، كما روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: إنَّا كُنَّا أزواج النَّبي صلى الله عليه وسلم عنده جميعًا لم تغادرْ منا واحدة، فأقبلت فاطمة رضي الله عنها تمشي ما تُخطئ مشيتَهَا من مِشيةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآها رحَّب، قال: «مرحبًا بابنتي ثم أجلسها عن يمينه – أو عن شماله – ثم سارَّها»، فبكت بُكاء شديدًا، فلما رأى حُزْنَها سارها الثانية، فإذا هي تضحك، فقالت لها: أنا من نسائه خصك رسول الله بالسِّر من بيننا ثم أنت تبكين ! فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتُها عمَّا سارَّها؟ قالت ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره، فلما توفي قلت لها: عزمت عليك – بما لي عليك من الحق – لما أخبرتني ! قالت: أما الآن فنعم، فأخبرتني قالت: أما حين سارني في الأمر الأول فإنه أخبرني أن جبريل - عليه السلام - كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة وإنه قد عارضني به العام مرتين، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتقي الله واصبري، فإني نعم السلف أنا لك، قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي سارَّني بالثانية، قال: يا فاطمة ! ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة !» (رواه البخاري).
مختارات