(يفطر على رطبات)
من السنة الإفطار على رطبعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلَى تَمَرَاتٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ رواه أحمد (12265)، وأبو داوود (2356).
الحديث دليل على بعض آداب الإفطار التي ينبغي للصائم أن يتأسى بنبيهﷺ فيها ومن ذلك الإفطار قبل صلاة المغرب، وهذا والله أعلم إشارة إلى كمال المبالغة في استحباب تعجيل الإفطار والمبادرة به.
ومن ذلك الإفطار على رطب فإن لم يتيسر أفطر على تمر - وهو يابس ثمر النخل – فإن لم يتيسر فعلى ماء، والبلاد التي لا يوجد فيها الرطب أو التمر يغني عنه بعض الفواكه الأخرى أو شيء من الحلو.
وعن سلمان بن عامر الضبيِّ يبلغ به النبيﷺ قال:إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر إنه بركة، فإن لم يجد فعلى الماء فإنه طهور رواه الترمذي (658).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن النبي ﷺ كان إذا أفطر بدأ بالتمر.
وعنه أيضاً رضي الله عنه قال: ما رأيت النبيﷺقط يصلي حتى يفطر ولو على شربة من ماء. رواه الفريابي في " الصيام " (67) وإسناده صحيح.
الفوائد الطبية لتناول الرطب والماء عند الإفطاروالاقتصار على الرطب والماء عند الإفطار له فائدة طبية وهي ورود الطعام إلى المعدة بالتدريج، حتى تتهيأ للطعام بعد ذلك. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: " وفي فطر النبي ﷺ من الصوم على الرطب أو على التمر أو الماء تدبير لطيف جداً، فإن الصوم يخلي المعدة من الغذاء فلا تجد الكبد فيها ما تجذبه وترسله إلى القوى والأعضاء، والحلو أسرع شيء وصولاً إلى الكبد وأحبه إليها، ولا سيما إن كان رطباً، فيشتد قبولها له، فتنتفع به هي والقوى، فإن لم يكن فالتمر لحلاوته وتغذيته فإن لم يكن فحسوات من الماء تطفئ لهيب المعدة وحرارة الصوم، فتنتبه بعده للطعام، وتأخذه بشهوة ".
ولا تنبغي المبالغة في تقديم صنوف الأطعمة وأنواع الأشربة عند الإفطار، فإن هذا خلاف سنة المصطفى ﷺ وهو يشغل عن المبادرة لحضور صلاة المغرب مع الجماعة بل قد يفوتها معهم بالكلية لقلة وقت الانتظار فيها، قال ابن العربي: " كان النبي ﷺيفطر قبل أن يصلي على شيء يسير لا يشغله عن الصلاة، وفيه ثلاث فوائد تعجيل الإفطار وتفريغ البال للصلاة، وفصل ما بين زمان العبادة والعبادة وبينهما في أنفسهما ".
بل لا ينبغي للصائم الإسراف في وجبة طعام العشاء في رمضان والإكثار من الأكل، فإن رمضان موسم طاعة وعبادة لا موسم للموائد وملء البطون.
إن رمضان فرصة يتعلم فيها الصائم الاقتصاد وتدبير المعيشة. وفي تنويع الأطعمة والإكثار منها إشغال لربات البيوت عن تلاوة القرآن وذكر الله تعالى، حتى صار رمضان عند كثير من الأسر موسماً لتنويع المأكولات والمشروبات، وكأنهم يريدون أن يعوضوا ما فاتهم في نهار الصيام، ولا أدل على ذلك من استعداد الأسواق قبيل ذلك بكل ما لذَّ وطاب مما يشبع الرغبات والشهوات، حتى صار رمضان شهر التخمة والبطنة والتنعم بعد أن كان شهر الصبر والعبادة والجهاد، والله المستعان.
إن الاقتصاد في وجبة العشاء يجعل الصائم في حالة صحية يستطيع معها أن يقوم لصلاة التروايح والتهجد في الليل بكل نشاط ورغبة وهذا أمر ملحوظ، فإن ملأ بطنه بالطعام احتاج إلى الشرب فيرتخي جسده وتتخدر أعضاؤه، فيكسل عن العبادة، ولا ينتفع بنفسه في باقي ليله، فعلى الصائم إن يأخذ بقول المصطفى ﷺ: ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه رواه الترمذي (2381).
وإذا كان الصائم قد ترك في نهار الصيام جميع مألوفاته التي اعتادها احتساباً لله تعالى ووفاء بأمانة الصوم الذي أضافه الله إليه، مما يدل على قوة إرادته وصدق عزيمته، فحريٌّ به أن لا يفعل عند الإفطار ما يخل بهذه القوة أو يوهنها فيفطر على ما حرم الله، فيهدم في ليله ما بناه في نهاره، فيضيع الحزم ويبرهن على ضعف إرادته، وقلة صبره. ومن ابتلي بشرب الدخان أو غيره من العادات الضارة فعليه أن يستغل مدرسة شهر الصوم، فيصوم عنه في ليله كما صام عنه في نهاره، ليهجره إلى غير رجعة. عليه أن يواصل عزيمته وقوة إرادته بالليل كما كانت بالنهار، ويقطع مجالسه السابقة ويعتاض عنها بمجالس أهل الخير والصلاح فهي عون له على ذلك بعد إعانة الله وتوفيقه.
المرجع
أحاديث الصيام للفوزان، ص 93.
مختارات