حال المسلم في رمضان بين الواقع والمأمول
إن المشاهد لحال المسلمين في هذا الزمان يجد أن واقع الكثير منهم مخالف للمأمول منه بصفته الإسلامية، وفي هذه المقال سوف نتناول بعض الصور الواقعية لحال كثير من المسلمين في رمضان:
حال المسلم في رمضان بين الواقع والمأمول1- لقد تحولت العبادة عند الكثير من المسلمين إلى عادة، فهو يصلي عادة لا عبادة، ويصوم لأن المجتمع من حوله يصوم، وهذا لم يصم رمضان إيمانا واحتسابا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من صام رمضان إيمان واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه رواه البخاري (2014)، ومسلم (760).
2- شهر رمضان هو شهر المنافسة في الطاعات ولكن أصبحت منافسة الناس فيه – مع الأسف الشديد – على التنويع في المآكل والمشارب والملاهي، فتجد الناس في رمضان بل - وقبل رمضان - يفدون إلى الأسواق بأنواعها لاقتناء حاجيات رمضان، فهؤلاء يذهبون إلى أسواق المواد الغذائية، وأولئك يذهبون إلى المطاعم، بل وتجدهم يقفون أمامها بالصفوف في انتظار الدور ! والآخرون يذهبون إلى محلات الأواني المنزلية، وآخرون يذهبون للاشتراك في القنوات الفضائية.
بل حتى حركة المرور تضطرب أمام هذه الأماكن فيضطر رجال المرور إلى تكثيف وجودهم عندها حتى ينظموا حركة السير لما يحصل من الزحام والفوضى والاضطراب. ثم إذا أتيت إلى المنازل تجد النساء في البيوت ينهمكن طوال الليل والنهار في إعداد الأكلات المختلفة والأصناف المتنوعة، ويتنافسن فيما بينهن في ذلك.
3- الكثير من المسلمين يضيع وقته في رمضان فيما لا يعود عليه بالنفع في الدنيا ولا في الآخرة، بل ربما انهمك في المحرمات. ومن ذلك: أن الكثيرين يتسمرون أمام القنوات الفضائية لتلقف السموم التي تبثها تلك المحطات الشيطانية في هذا الشهر المبارك، فينتقل من تمثيلية مليئة بالصور المحرمة والأفكار الهدامة إلى أغنية ماجنة إلى مبارة إلى فوازير رمضان وإلى غير ذلك من البرامج السيئة. فتفوته صلاة التراويح، وتفوته قراءة القرآن، وتفوته الأعمال الصالحة في هذا الشهر المبارك، بل تفوته ليلة هي خير من ألف شهر، يا حسرته، بل ربما قصر بعضهم في أداء الواجبات التي أوجبها الله عز وجل، ولا شك أنه بفعله هذا قد جرح صومه ونقص ثوابه.
ومن المسلمين من يُعِدُّون ملاعبا لكرة القدم أو استراحات للعب الورق وغيره، لإضاعة الوقت فيها، فتجدهم يجتمعون من بعد الإفطار ويبدؤون بالعبث من ذلك الوقت إلى وقت السحور، وربما امتد الأمر ببعضهم إلى ما بعد صلاة الفجر، ثم ينامون، وقليل منهم من يستيقظ لأداء الصلاة في أوقاتها، أما أن يشغلوا وقتهم بقراءة القرآن والذكر والمكث في المساجد، فهذا ما لا يخطر لهم على بال، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومنهم من يمضون أوقاتهم التي لو كانت تباع لاشتراها العقلاء بأغلى من الذهب والفضة يمضونها في التسكع في الأسواق، بل ربما كان بعضهم في أشرف زمان في شهر رمضان، وفي أشرف مكان في بلد الله الحرام وتراه يتسكع في الأسواق لفعل ما يغضب الله عز وجل من النظر المحرم، والكلام الحرام، والعلاقات المحرمة، وقد قال الله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ الحج / 25.
4- عدم التلذذ بالعبادة، نجد أن الكثير من الناس ثقلت عليهم العبادات، وأصبحوا يطلبون الراحة منها، لا بها، ولا تحصل لهم بها أي لذة. وقد كان عبد الواحد بن زيد يبكي كثيرا ويقول: " فرق الموت بين المصلين ولذتهم في الصلاة، وبين الصائمين ولذتهم في الصيام. " " مختصر قيام الليل " لابن نصر (ص:106). وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن للصائم فرحتين، أما هؤلاء ففرحهم لسقوط حمل الصيام عنهم ومشقته، والذي لا يجدون له أي لذة. وهذا يرجع إلى الذنوب التي طمست القلوب، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقد سئل وهيب بن الورد: " هل يجد طعم الإيمان من يعصي الله؟ قال: لا، ولا من هَمَّ بالمعصية. وقال ذو النون: كما لا يجد الجسد لذة الطعام عند سقمه كذلك لا يجد القلب حلاوة العبادة مع الذنوب. " انتهى " فتح الباري " لابن رجب (1/50)
5- رمضان شهر شرع صيامه للاقتصاد في المآكل والمشارب، لما في ذلك من الفوائد الحسية والمعنوية، ولكن واقع الكثير من الناس اليوم بضد ذلك، فتجدهم يسرفون في المآكل والمشارب فيه أكثر من بقية الشهور، وقد قال الله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ لأعراف / 31. أسأل الله عز وجل أن يهدينا وسائر المسلمين لما يحبه ويرضاه، وأن يقينا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن يمن علينا بتوبة نصوح من جميع الذنوب والخطايا، آمين، آمين، آمين.
مختارات