" السلامة من شح النفس "
" السلامة من شح النفس "
من صفات أهل الفلاح السلامة من الشح، قال تعالى : "وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" [الحشر: 9] .
قال ابن كثير : أي من سلم من الشح فقد أفلح، وأنجح ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءكم واستحلوا محارمهم» [ رواه مسلم ] .
قال النووي : «قوله : واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم» قال القاضي : يحتمل أن هذا الهلاك هو الهلاك الذي أخبر عنهم به في الدنيا : بأنهم سفكوا دماءهم، ويحتمل أنه هلاك الآخرة، وهذا الثاني أظهر، ويحتمل أنه أهلكهم في الدنيا والآخرة .
قال جماعة : الشح أشد البخل، وأبلغ في المنع من البخل ، وقيل : هو البخل مع الحرص ، وقيل : البخل في أفراد الأمور، والشح عام ، وقيل : البخل في أفراد الأمور والشح بالمال والمعروف، وقيل : الشح : الحرص على ما ليس عنده، والبخل بما عنده (شرح صحيح مسلم للنووي ) .
وقال ابن القيم رحمه الله : «وأما الشح فهو خلق ذميم، يتولد من سوء الظن، وضعف النفس، ويمده وعد الشيطان حتى يصير هلعًا، والهلع : شدة الحرص على الشيء، والشره به، فتولد عنه المنع لبذله والجزع لفقده، كما قال تعالى : "إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا" [المعارج: 19-21]» (الروح) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «شر ما في المرء شح هالع وجبن خالع» [ رواه أبو داود وصححه الألباني ٍ] .
وعن الأسود بن هلال قال : جاء رجل إلى عبد الله فقال : يا أبا عبد الرحمن إني أخاف أن أكون هلكت ، فقال له عبد الله : وما ذاك ؟ قال : سمعت الله يقول : "وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" [الحشر: 9] وأنا رجل شحيح لا أكاد أن أخرج من يدي شيئًا فقال عبد الله : ليس ذاك بالشح الذي ذكره الله في القرآن، إنما الشح الذي ذكر الله في القرآن أن تأكل مال أخيك ظلمًا، ولكن ذاك البخل، وبئس الشيء البخل .
وعن أبي الهياج الأسدي، قال : كنت أطوف بالبيت فرأيت رجلاً يقول : اللهم قني شح نفسي لا يزيد على ذلك ، فقلت له (أي راجعته في مقولته) : فقال : إني إذا وقيت شح نفسي لم أسرق ولم أزن ولم أفعل، وإذا الرجل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه (تفسير ابن كثير) .
قال تعالى : "وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ" [المؤمنون: 117] .
وقال تعالى : "وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ" [القصص: 82] .
2- الذين يفترون على الله الكذب :
قال تعالى : "قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ" [يونس: 68، 69] .
وقال تعالى : "وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ" [النحل؛: 116] .
قال تعالى : "فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ * قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ"[يونس: 76، 77] .
وقال تعالى : "وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى" [طه: 69] .
قال تعالى : "فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ" [يونس: 17] .
قال تعالى : "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ" [الأنعام: 21] .
وقال تعالى : "وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ" [يوسف: 23] .
وقال تعالى : "وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ" [القصص: 37] .
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل الفلاح، وأن يقربنا من صفاتهم وأعمالهم وأن يباعد بيننا وبين سبيل المجرمين الخاسرين، أنه ولي ذلك والقادر عليه .