وافدة النساء
تخطئ المرأة في بلادي كثيرا حينما تظن أن سعادتها في تحقيق ما ينادي به من يسمون أنفسهم ـ زورا وبهتاناـ بمحرري المرأة.
تخطئ حينما تلهث وراء أفكارهم المطروحة، ومطالبهم المشبوهة، وحينما يتعلق قلبها وتشرئب نفسها لرؤية هذه الأفكار واقعا ملموسا وأمرا مشاهدا محسوسا.
تخطئ حين تبهرها أضواء كلماتهم الرنانة، وتخدعها لافتاتهم الطنانة.
تخطئ حين تنخدع بأقوال المغررين بها، والمتصيدين لها، أصحاب العاهات العقدية وطالبي المتعة الجسدية، والأمراض القلبية.
تخطئ حينما تظن أن ما يصلح للمرأة الغربية يصلح باللزوم والتبع للمرأة الشرقية، وأن ما يصلح للكافرات يوافق المؤمنات، وما يوافق المتبرجة المتحللة يصلح للعفيفة الطاهرة.
إن ما يُطلـَب للمرأة في الغرب إنما هي أفكار وآراء ـ في غالبها أو مجملهاـ فصلت لشخصية غير شخصيتك، ومطالب لبيئة غير بيئتك، وحالة غير حالتك.
إن من البلاهة أن نطالب بحرية المرأة في اللباس ونجعل لها الحق في التعري وترك الحشمة وإظهار المفاتن بدعوى الحرية الشخصية.
إن من الدياثة أن نطالب لها بحرية الجسد، فتفعل به ما تشاء مع أي شخص تريد، في أي وقت كان.. يلبسها أحدهم كما يلبس حذاءه متى احتاجه، ويخلعه متى استغنى عنه، أو تغير هي فيهم كما تغير جواربها.
من العجب أن نستورد لها ما يلغي فطرتها، ويلغي أمومتها، ويصادر أنوثتها؛ بدعوى حرية العمل والرأي والفكر واللبس والجنس.
مظلومة.. ولكن:
ربما كانت بعض النساء في بلادنا مظلومة مهضومة في مناح عدة، وجهات مختلفة، نقر بهذا، ولكن ليس هذا ـ أبداـ بسبب أوامر دينها، ولا ضوابط إسلامها، وإنما بسبب جهل الكثيرات منهن أولا، وجهل كثير من الرجال بمفاهيم الإسلام وحقيقة أوامره وطبيعة ضوابطه، وبسبب تغول الرجل أحيانا وسوء تصرفه ومخالفته للدين في أغلب الأحايين.
نعم ربما كانت تحتاج إلى شيء من الإنصاف والتطوير والتنوير والتحرير... ولكنه أبدا ليس تحرير المغررين بها، ولا تنوير المتصيدين لها، ولا تطوير المتربصين بها، المتسترين بمسمى التحرير وحقيقتهم التغرير، والظاهرين في صورة أصدقائها وهم ألد أعدائها، الذين لبسوا لها لبوس الضأن على قلوب الذئاب يتحينون الفرص لافتراسها.
إن الله خلق المرأة لوظيفة كونية عظيمة، وهيأها لذلك أعظم تهيئة، وإنما تتناغم مع الكون حين تعرف حقيقة وجودها، إعمار الكون بمراد خالقه، فلها وظيفتها الهائلة كما للرجل وظيفته، وأفضلهما في النهاية أتقاهما.
فإذا ترك كل منهما أو أي منهما ما خلق له، وأراد أن يعيش كما يحلو له لا كما يريد الله منه، فسد نظام الكون، وضاق على أصحابه، وعم الشقاء أفراده، وجاءت التعاسة من حيث تظن السعادة، والضنك والضيق من حيث ابتغيت الفسحة والسعة.
إن المرأة إنما تنال سعادتها بقدر ما تعرف من مقصود الله منها، وبقدر ما تحقق من وظيفتها التي جبلها الله لتتوافق مع فطرتها، وهذا ما فهمته وافدة النساء فاطمة بنت قيس فاسمع قصتها:
وافدة النساء:
أخرج البيهقي عن أسماء بنت يزيد الأنصارية [أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه فقالت: بأبي أنت وأمي إني وافدة النساء إليك، وأعلم نفسي - لك الفداء - أنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا إلا وهي على مثل رأيي، إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء فآمنا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمعة والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مرابطاً حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا لكم أثوابكم، وربينا لكم أموالكم، فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟
فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال: هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مُساءلتها في أمر دينها من هذه؟ فقالوا: يارسول الله! ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها ثم قال لها: انصرفي أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء إن حسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته، يعدل ذلك كله. فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشاراً].
مختارات