خاتمة تهز القلب
بينما يقرأ القارئ بالأمس في سورة هود وقبل النهاية بدأت السورة في وصف حال أهل الشقاء من قوله تعالى: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) …واستمر في آيات تزلزل القلبوحال يهز الوجدان ويدمي العين..حتى ختم مصير أهل النار بهذه الخاتمة التي تنزل على القلب كالصاعقة ولولا لطف الله لمزقته أنها قوله سبحانه: (إن ربك فعال لما يريد) إنها خاتمة تهز وتدمر فقد أتى الله فيها بصفة ربوبيته وأضافه إلى نبيه والربوبية تقتضي النعم ويؤتى بها في سياق النعم وفي المواطن التي تتطلب الحمد والثناء على الله ومن ثم فإن ربك بمعنى إن صاحب النعم عليك فعال لما يريد..يا للعجب يأتي بوصف النعم في خاتمة آيات الهلاك والعذاب وكأن في هذا إشارة إلى أن الله إذا أراد أن يهلك عبدا فلا تمنعه نعمة أنعم بها على هذا العبد من إهلاكه.فهو الذي أنعم على قارون بالمال فلما أراد إهلاكه لم يمنعه من ذلك مال قارون وهو الذي أنعم على فرعون وهامان بالملك والوزارة فلما أراد إهلاكهما لم تمنعه هذه النعم التي رباهم بها من إهلاكهم.فإن ربك فعال لما يريد أي صاحب النعم عليك يفعل ما يريد ولا تمنع إرادته تربية عبادة ونعمه على خلقه.
ثم تأمل قوله (فعّال) فقد أتي بها مصاغة بصيغة المبالغة وهذه الصيغة لها معنيان في اللغة:
الأول: المبالغة للتعدد بمعنى أنه قادر أن يفعل هذا الفعل أكثر من مرة مع اكثر من أمة فهو فاعل مع هذا ومع هذا ومع ذاك ومن ثم صار فعال بهذا الاعتبار وإن كانت درجة الفعل واحدة.وهذا فيه تهديد لنا فكما انه فعل مع هؤلاء القوم هذا الهلاك فهو قادر على أن يفعله معنا ومع غيرنا فهو الفعال لما يريد
الثاني:المبالغة في قوة الفعل بمعنى أنه قادر على أن يفعل هذا الفعل بقوة وشدة تناسب قوته وشدته فعال لان الله إذا فعل فعلا فلن يكون كفعل غيره لا في القوة ولا في الأثر وها يدل على شدة فعل الله وقوته وأنه يصل لدرجة لا توصف
ثم انظر إلى قوله (فعال لما يريد) فأتى بما الدالة على العموم ليدل على انه قادر على فعل أي شيء ولكن لا يمنعه فعله إلا شيء واحد ألا وهو إرادته فهو سبحانه إذا أراد فعل أي شيء فعله أهم شيء ان يريده سبحانه الشرط أن يريد هذا الشيء (فعال لما يريد)
فلا تظن ان الله عزوجل غير قادر على أن يهب لك زوجة صالحة او ذرية طيبة أو أن يفتح قلبك لكتابه
لا تظن ان الله غير قادر على ان يهلك بلاد الكفر ويدمر حصون الكفر ويأخذ الظلمة والمفسدين بل هو قادر إلا أنه لم يرد
ألم تر لما طلب زكريا الولد وجعل يدعو ويدعو بذلك ومع ذلك ما استجاب الله له دهرا فلما بلغ في الكبر عتيا ودعى استجاب الله له فتعجب كيف يكون لي ولد وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر)فماذا قالت الملائكة له؟ قالت:كذلك قال ربك.فإن الله قد أراد ان يكون لك ولد فقال ولا قول بعد قول الله وإذا قال الله كان التنفيذ في الحال
وتأمل لما ذهبت الملائكة بالبشرى لإبراهيم بالولد تعجبت زوجه فقالت الملائكة لها: أتعجبين من أمر الله.أي إن الله قد أراد فأمر وفعله لا يوقفه إلا إرادته إن ربك فعال لما يريد.
مختارات