ما هي مناسك الحج؟
في اليوم الثامن إن شاء الله - تعالى - يحرم الحجاج من أماكنهم ومنازلهم للحج، هؤلاء المحلون، وأما الذين هم مفردون أو مقرنون فهم على إحرامهم، يخرج الجميع إلى منى ويصلون فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح كل صلاةٍ في وقتها يقصرون الرباعية، ويبيتون ليلة التاسع بمنى، هذا العمل كله سُنةٌ، من تمكن من أدائه فهو أكمل وقد أتى بالسّنة، ومن لم يتمكن فلا شيء عليه، فإذا طلعت الصبح توجه الجميع إلى عرفة مكبرين ومهللين وملبين: " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد "، فإذا وصلوا إلى عرفة جلسوا هناك واستظلوا في الخيام وتحت الشجر، فإذا زالت الشمس وأذّن المؤذن صلوا الظهر والعصر بأذانٍ واحدٍ وإقامتين جمعاً وقصراً، ثم يشتغلون بعد ذلك بالدعاء والذكر والتضرع بين يدي الله - عزَّ وجلَّ - وسؤاله الرحمة والمغفرة والعتق من النار، ويكثرون من قول: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قديرٌ "، يقول - عليه الصلاة والسلام -: " أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قديرٌ ".
وإن قرأ القرآن كان حسناً يعني يجمع بين القراءة وبين التسبيح والتهليل وبين الاستغفار وبين الذكر والدعاء، يعني تارةً هذا وتارةً ذاك، ويلح على الله ويلجأ إليه - سبحانه وتعالى - اغتناماً لهذا الموسم العظيم، فإنه موسمٌ عظيمٌ يجود به الله - سبحانه وتعالى - على عباده فيه بالفضل ويباهي بهم الملائكة يقول: " هؤلاء أتوني شعثاً غبراً "، فيُفيض الله - تعالى - على عباده في هذا اليوم العظيم من النفحات الكريمة، ويغفر لهم - سبحانه وتعالى - في هذا الموسم العظيم، ما رُئي الشيطان أحقر ولا أصغر ولا أدحر من يوم عرفة لما يرى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام، الشيطان الحقير الدنيء لأنه يرى عفو الله -عزَّ وجلَّ- وتجاوزه عن الذنوب العظام، فإذا غربت الشمس وتأكد الإنسان الغروب دفع إلى المزدلفة بسكينٍة ووقارٍ وهدوءٍ تأسياً بالنّبي - عليه الصلاة والسلام -، كان - عليه الصلاة والسلام - يسير العنق - يعني السيل المعتدل -، فإذا وجد فجوةً نص - يعني أسرع -، وكان - عليه الصلاة والسلام - لما انصرف من عرفة إلى المزدلفة شنق للقصواء الزمام، يعني مسك الزمام بيده اليسرى ورد رأسها حتى جعل رأس الراحلة يصيب مورك رحله، ويقول بيده اليمنى - عليه الصلاة والسلام -: أيها الناس السكينة السكينة، ليس البر في الإيضاع - أي الإسراع - ".
وكان إذا واجه حبلاً من الحبال - يعني رملاً من الرمال - أو جبلاً أرخى لها حتى تصعد، فإذا وصل الحاج إلى المزدلفة لا يفعل مثلما يفعل الناس اليوم أول ما يصلون يرمون الجمار، لا؛ أول ما يصل يؤذن المؤذن فيصلون المغرب والعشاء جمعاً وقصراً، ثم يستريح الحاج - ينام - لا يفعل شيئاً، تحتاج إلى أكلٍ وشربٍ، كُل واشرب ثم نم، فإذا أذّن الفجر تقوم وتصلي الفجر بأذانٍ وإقامةٍ ثم تضرع إلى الله - عزَّ وجلَّ - وتذكره وتهلله وتسبحه حتى تُسفر جِداً، فإذا أسفرت جِداً اندفعت إلى منى، ويجوز للضعفاء ومن في حكمهم الدفع بعد نصف الليل، فإذا وصل إلى منى رمى جمرة العقبة وسبع حصياتٍ ويكبر مع كل حصى: " الله أكبر الله أكبر الله أكبر "، ثم يتوجه إلى هديه وينحره ثم يحلق رأسه ثم يفيض إلى مكة ويطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة هذا إذا تمكن، وإذا لم يتمكن من الترتيب فإنه يفعل ما تيسر له من الرمي وإن شاء قدّم الحلق، وإن شاء قدّم الذبح وإن شاء قدّم الطواف والسعي، لأنّ النّبي - عليه الصلاة والسلام - في ذلك اليوم ما سُئل عن شيءٍ قُدم ولا أُخر إلا قال للسائل: " افعل ولا حرج ".
ثم يبقى في منى ليالي منى يوم الحادي عشر والثاني عشر، يبيت في منى ليلة الحادي عشر والثاني عشر ويرمي الجمار إذا زالت الشمس، يعني يبدأ بعد الظهر يعني الساعة الثانية عشر ونصف تقريباً، يبدأ من الجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف ثم الوسطى ثم العقبة وهكذا في اليوم الثاني العشر، ثم بعد ذلك إن شاء تعجل ونزل إلى مكة لقوله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾[البقرة: 203].
وإن أقام ليلة الثالث عشر بات هناك ورمى بعد الزوال كما رمى بالأمس، ثم يفيض وينزل إلى مكة، وإن كان يريد السفر فليودع البيت ثم يتوكل على الله إلى أهله، لحديث ابن عباس: " أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خُفف عن الحائض ".
هكذا حج نبيكم عليه الصلاة والسلام...
مختارات