الأيام التي تؤدى فيها مناسك الحج ستة
الحمد لله القائل: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ﴾ [البقرة: 197]، والصلاة والسلام على محمدٍ خير البريات، وعلى آله وصحبه مصابيح الهدايات.
وبعد، فقد ذكر الله تبارك وتعالى أشهر الحج في الآية السابقة، وفيها حذف تقديره: وقت عمل الحج أشهر.
• هذه الرحلة الإيمانية لها ميقاتان: ميقات زمني، وقد ذكرته الآية السابقة، وميقات مكاني، وقد بينته السنة النبوية، لا يجوز تجاوزه إلا والمرء لابس إحرامه.
بَيْدَ أن مناسكَ الحجِّ لا تستغرقُ جميعَ أشهرِ الحجِّ إلا لمن لبس إحرامه من أولها، أو تأخر في أداء بعض مناسك الحج إلى آخرها.
فالأيام التي تُؤدى فيها مناسك الحج ستة، وهي:
• أولًا: اليوم الثامن من ذي الحجة، ويسمى يوم التروية [1]، ففي صبيحة هذا اليوم يحرم الحاج بالحج إن لم يكن قد أحرم من قبل، ثم يتوجه إلى منى بعد طلوع الشمس، ويمكث بها إلى ما بعد شروق شمس اليوم التالي (يوم عرفة).
• ثانيًا: اليوم التاسع من ذي الحجة: وهو يوم الوقوف بعرفة، ثم الـمبيت بمزدلفة، فبعد طلوع الشمس، وهو في منى يتوجه إلى عرفة لأداء أكبر أركان الحج، ويستمر واقفًا إلى غروب الشمس يصلي فيها الظهر، والعصر جمع تقديم، فإذا غربت سار إلى الـمزدلفة مُكثرًا من التلبية، فهذا من آكد مواطنها، ويصلي فيها الـمغرب والعشاء جمع تأخير، ويأخذ الحصيات لرمي الجمرات، ويبقى فيها إلى ما بعد طلوع فجر يوم النحر.
• ثالثًا: اليوم العاشر من ذي الحجة: وهو يوم عيد الأضحى أو يوم النحر:
وقبيل طلوع الشمس في يوم عيد الأضحى يبدأ بالسير إلى منى، فإذا ما وصل إلى منى كانت هناك عدة وظائف يجب القيام بها، وهي:
الأولى: رمي جَمرة العقبة: فيستحب أن يُعجل بالرمي فور وصوله إلى منىً.
الوظيفة الثانية: النَّحر: ثم يذهب إلى الـمنحر لنحر الهدي، فإنه واجب على الـمتمتع، وعلى القارن، وأما الـمفرد فلا يجب عليه ذبح الهدي، بل يستحب له أن يضحيَ.
الوظيفة الثالثة: الحلق أو التقصير: ثم على الحاج أن يحلق شعر رأيه أو يقصره، ويحصل بالحلق التحليل الأول، فتحل للحاج جميع محظورات الإحرام إلا النساء.
الوظيفة الرابعة: طواف الزيارة (الإفاضة): فإذا فرغ الحاج من الحلق أفاض (رحل) إلى مكة، ليطوف طواف الزيارة سبعة أشواط، وهو ركن للحج بإجماع الـمسلمين، ثم يسعى بين الصفا والـمروة سعي الحج، إن لم يكن قد قدمه.
ويحصل بطواف الزيارة التحليل الثاني، إذا سبقه حلق، وتَحِلُّ بعده النساء.
• رابعًا، وخامسًا: اليوم الحادي، والثاني عشر من ذي الحجة، وهذان اليومان هما أول وثاني أيام التشريق، وهما أيضًا ثاني وثالث أيام العيد: فعقب طواف الزيارة يوم العيد يبادر بالرجوع إلى منى، ليدرك بها الظهر إن تيسر له، وعلى الحاج أن يقوم بوظائف أربع:
الأولى: المبيت بمنى ليلتي هذين اليومين: وهو سنة عند الحنفية، واجب عند غيرهم.
الوظيفة الثانية: رمي الجمار الثلاث: يجب على الحاج رمي الجمار الثلاث كلها في هذين اليومين، ويبدأ وقت الرمي إذا زالت الشمس في اليوم الأول من أيام التشريق، فيبدأ بالجمرة الصغرى (الأولى) فيرميها بسبع حصيات، ثم يرمي الجمرة الوسطى (الثانية) بسبع حصيات، ثم يرمي جمرة العقبة (الجمرة الكبرى - أو الثالثة).
وإذا زالت الشمس من ثاني أيام التشريق (ثالث أيام العيد) يرمي الحاج الجمار الثلاث كما فعل بالأمس.
الوظيفة الثالثة: النَّفرُ الأول: إذا رمى الحاج الجمار ثاني أيام التشريق (ثالث أيام العيد) جاز له أن يرحل إلى مكة الـمكرمة، ويسقط عنه رمي اليوم الثالث إذا جاوز حدود منى قبل غروب الشمس عند الشافعية، وقبل الفجر عند الحنفية، وهذا هو النفر الأول.
فإن لم يخرج الحاج من منى إلى ذلك الوقت، بات في منى، وقد وجب عليه رمي اليوم الثالث من أيام التشريق (اليوم الرابع من يوم العيد).
الوظيفة الرابعة: التحصيب: فإذا نفر الحاج - النفر الأول- إلى مكة فسيصل إلى وادي الـمُحَصَّب عند مدخل مكة بين الجبلين إلى المقبرة المسماة بالحجون، ويقع الآن بين قصر الملك وبين جبانة المصلى، فيسن أن ينزل الحاج فيه ويصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
• سادسًا: اليوم الثالث عشر: ثالث أيام التشريق (أو رابع يوم العيد) ويسمى يوم النفر الثاني، وفيه وظيفتان:
الأولى: الرمي: وإذا الحاج لم ينفر في اليوم السابق، وجب عليه في هذا اليوم أن يرمي الجمرات الثلاث كما سبق.
الوظيفة الثانية: النفر الثاني: وبعد الرمي تنتهي مناسك منى، ويرحل الحاج جميعهم إلى مكة، ويسمى هذا النفر الثاني، ولا يُشرع المكث بمنى بعد رمي هذا اليوم.
وإذا أدى الحاج الحج مفردًا فله أن يعتمر، والعمرة جائزة أيام السنة كلها إلا يوم عرفة، وأربعة أيام بعده فإنها تكره، فيخرج إلى منطقة الحل كي يحرم منها بالعمرة، وأقرب بقاع الحل من مكة التنعيم، إليه يخرج الناس للإحرام بالعمرة، ويعرف المكان باسم: مسجد عائشة رضي الله عنها، وبعد الإحرام يطوف بالبيت، ثم يسعى بين الصفا والمروة، ثم يحلق أو يقصر، وبه يتحلل من إحرامه.
• آخر أعمال الحج: طواف الوادع:
وإذا أراد الحاج السفر طاف في البيت بلا رَمَل ولا سعي، وهذا طواف الوداع، وهو واجب، ووقته بعد طواف الزيارة.
وإذا كانت المرأة حائضًا أو نفساء، سقط عنها طواف الوداع
[1] سمي بذلك لأنهم كانوا يرتوون فيه من الـماء لما بعده: أي يسقون ويستقون، انظر «النهاية» (2 /280).
مختارات