النسمة التاسعة - الزائر الأخير - (8)
فوائد ذكر الموت:
1. شغل الأوقات: الوقت البطيء السريع.. متحرك دائب المضي، ولا يعود بعد مروره فخسارته خسارة لا يمكن تعويضها، لأن لكل وقت ما يملؤه من العمل.
إذا كنت أعلم علما يقينا *** بأن جميع حياتي كساعة
فلم لا أكون بها ضنينا *** واجعلها في صلاح وطاعة
ولذا نقل عن الرجل من السلف أن قوما دخلوا عليه فقالوا: لعلنا شغلناك. قال: أصدقكم.. كنت اقرأ القرآن فتركت القرآن لأجلكم!!.
ولذات السبب لما وقف قوم على رجل صالح وقالوا: إنا سائلوك، أفتجيبنا أنت؟! قال: سلوا ولا تكثروا، فإن النهار لا يرجع، والعمر لن يعود، والموت حثيث في طلبي ذو اجتهاد.
إخواني.. السنين مراحل، والشهور فراسخ، والأيام أميال، والأنفال خطوات، والطاعات رؤوس أموال، والمعاصي قطاع طرق، والربح الجنة، والخسران النار.
صدق أو لا تصدق: واسمعوا خبر قاضي قضاة الدنيا يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، صاحب أبي حنيفة وتلميذه وناشر مذهبه يباحث وهو في النزع الأخير بعض عائديه في مسألة فقهية رجاء أن ينتفع بها المسلمون.
قال تلميذه القاضي إبراهيم بن الجراح الكوفي: مرض أبو يوسف فأتيته أعوده فوجدته مغمى عليه، فلما آفاق قال لي: يا إبراهيم ما تقول في مسألة؟
قلت: في مثل هذه الحالة؟!
قال: ولا بأس بذلك، ندرس لعله ينجو به ناج!! ثم قال: يا إبراهيم أيهما أفضل في رمي الجمار: أن يرميها ماشيا أم راكبا؟.
قلت: راكبا. قال: أخطأت.
قلت ماشيا. قال أخطأت.
قلت: قل فيها يرضى عنك الله.
قال: أما ماكان يقف عنده للدعاء فالأفضل أن يرميه ماشيا، أماما كان لا يوقف عنده فالأفضل أن يرميه راكبا، ثم قمت من عنده، فما بلغت باب داره حتى سمعت الصراخ عليه، وإذا هو قد مات.
مختارات