النسمة السادسة - أنا الفقير إليك - (4)
4. فهم طبيعة الدنيا:
دار تعب: لا راحة في الدنيا لأحد.. مؤمنا كان أم كافرا.. فقيرا كان أم غنيا.. صحيحا كان أم سقيما، وهذا ما عبر عنه عباس العقاد في قوله:
صغيرا يشتهي كبرا *** وشيخ ود لو صغرا
وخال يبتغي عملا *** وذو عمل به ضجرا
ورب المال في تعب *** وفي تعب من افتقر
يضيق المرء منهزما *** ولا يرتاح منتصرا
فهل حاروا من الأقدار أم هم حيرو القدرا
وهذا لتعليم فقرك فتطلب العون من المعين، وتستجلب القدر من القدير.
دار فناء: الدنيا يا سادة.. زهر زهرتها آفل، وطل طليلها زائل، وأفراحا مشوبة بالأحزان، صحتها مقرونة بالأسقام، مدة اللقاء فيها قلائل، حلالها حساب، حرامها عقاب، نورها يعقبه ظلام، وحلاوة شهوتها مقروتة بالآثام، مآل وصلها إلى الفراق، حسن جمالها مستعار، حلاوة عيشها منغصة بالأكدار، سمينها مهزول، وواليها معزول، سم شهواتها قاتل، بريق نعميها زائل.
دار شغل: قال ابن القيم في الفوائد: كيف يسلم من له زوجة لا ترحمه، وولد لا يعذره، وجار لا يأمنه، وصاحب لا ينصحه، وشريك لا ينصفه، وعدو لا ينام عن معاداته، ونفس أمارة بالسوء، ودنيا متزينة، وهوى مرد، وشهوة غالبة، وغضب قاهر، وشيطان متزين، وضعف مسئول عليه، فإن تولاه الله وجذبه إليه انقهرت له هذه كلها، وإن تخلى عنه ووكله إلى نفسه اجتمعت عليه فكانت " الهلكة ".
ما أحوجنا ونحن نلقى كل هذه المهلكات في خضم الحياة أن نهتف في الأسحار.. نستغيث به.. نستنجد بلطفه.. نناجيه:
يا من يرى ما في الضمير ويسمع *** أنت المعد لكل ما يتوقع
يا من يرجى للشدائد كلها *** يا من إليه المشتكى والمفزع
يا من خزائن جوده في قول كن *** امنن فإن الخير عندك أجمع
مالي سوى فقري إليك وسيلة *** وبالافتقار إليك ربي أضرع
مالي سوى قرعي لبابك حيلة *** فلئن رددت فأي باب أقرع
ومن الذي أدعو وأهتف باسمه *** إن كان فضلك عن فقيرك يمنع
حاشا لجودك أن يقنط عاصيا *** الفضل أجزل والمواهب أوسع
مختارات