الرضا
· عمل عظيم من أعمال القلوب و من رؤوسها. الرضا: ضد السخط " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ".
الرضا: يقال (في عيشةٍ راضيةٍ)، أي: مرضيةٍ ذات رضا.
الرضوان: الرضا الكثير.
الرضا في الشرع: رضا العبد عن الله: أن لا يكره ما يجري به قضاؤه، و رضا الله عن العبد أن يراه مؤتمراً بأمره منتهياً عن نهيه.
أرضاه: أي أعطاه ما يرضى به، و ترضَّاه: أي طلب رضاه.
إذا العجوز غضبت فطلِّقِ
و لا ترضَّاها و لا تملَّقِ
و لمَّا كان أعظم رضا هو رضا الله سبحانه و تعالى ؛ خُصَّ لفظ الرضوان بما كان من الله عز وجل (يبتغون فضلاً من الله و رضواناً) و قال عز و جل: (يبشرهم ربهم برحمة منه و رضوان). و إذا نظرنا إلى هذا الرضا في القرآن فإننا سنجده في عدد من المواضع...
1/ قال الله عز و جل في العمل ابتغاء مرضاته سبحانه: (و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله و الله رؤوف بالعباد)، يشري نفسه: يبيع نفسه بما وعد الله به المجاهدين في سبيله، ابتغاء مرضاة الله: أي أن هذا الشاري يشري (يكون مشترياً حقاً)
إذا اشترى طلب مرضاة الله..
* كذلك في الصدقات، قال تعالى: (و مثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله)،
أي: يتصدقون بها و يحملون في سبيل الله و يقوّون أهل الحاجة من الغزاة و المجاهدين طاعةً لله و طلباً لمرضاته..
* و قال الله عن الذين يعملون أعمال البر ابتغاء رضاه..
(لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاح ٍ بين الناس و من يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً)، فأخبر تعالى عن عاقبة هذا بقوله: (فسوف نؤتيه أجراً عظيماً) إذا فعله ابتغاء مرضاة الله..
· و قد رضي الله الإسلام ديناً لهذه الأمة، فهذا مما رضيه سبحانه.. (اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام ديناً)
أي: رضيتُ لكم أن تستسلموا لأمري و تنقادوا لطاعتي على ما شرعته لكم و أن تستسلموا لشرعي و تنقادوا إليه طاعةً منكم لي
· و كذلك قوله تعالى: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبيّن لكم كثيراً مما كنتم تُخفون من الكتاب و يعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور و كتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام و يخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه و يهديهم إلى صراط مستقيم)، فيهدي سبحانه بهذا الكتاب المبين و يرشد و يسدِّد.. * و الرضا من الله سبحانه و تعالى أن يقبل العبد و هو مدح و ثناء، و كذلك فإنه عز و جل يرضى عنه و يقتضي رضاه على العبد الثناء عليه ومدحه..
· و قال عز و جل عن المنافقين و هم يحلفون الأيمان.. (يحلفون بالله لكم ليرضوكم و الله و رسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين)
فهؤلاء المنافقين يريدون بالأيمان الكاذبة الخداع، و يريدون الكيد للمسلمين و يحلفون الأيمان الفاجرة أنهم لا يريدون شراً بالمسلمين و أنهم لا يريدون المكيدة لهم، و لكنّ الله أبى أن يقبل المسلمون منهم هذا.. و لو أنهم كانوا صادقين لأرضوا ربهم تبارك و تعالى و ليس أن يسعوا في إرضاء المخلوقين..
* و كذلك فإن الله سبحانه ذكر في كتابه العزيز الذي يبني المساجد ابتغاء مرضاة الله..
(أ فمن أسّس بنيانه على تقوى من الله و رضوان خير أمّن بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم) فهؤلاء الذين بنوا المساجد خير أيها الناس عندكم من الذين ابتدؤوا البناء على اتقاء الله بطاعته في بنائه و أداء فرائضه و رضا من الله لبنائهم، فما فعلوه هو خير لهم. أما الذين ابتدؤوا بناءهم على شفا جرف هار فستكون عاقبتهم في النار، فأيّ الفريقين خيرٌ إذاً؟!!
· كذلك أثنى الله على الفقراء المهاجرين الذين خرجوا من مكة إلى المدينة و تركوا ديارهم و أموالهم يبتغون فضلاً من الله و رضواناً · و كذلك أراد الله أن يولّي نبيه قِبلة يرضاها فجعل يحوّل النبي صلى الله عليه و سلم و يصرف بصره في السماء يتمنى أن تحوّل القِبلة من بيت المقدس إلى الكعبة حتى أنزل الله
(فلنولّينّك قِبلة ترضاها) أي: فلنصرفنّك عن بيت المقدس إلى قِبلة تهواها و تحبّها.
· أداء الواجبات سبيل إلى رضوان الله عز و جل.. (الذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا في سبيل الله بأموالهم و أنفسهم أعظم درجة عند الله و أولئك هم الفائزون).. و النتيجة؟!! (يبشرهم ربهم برحمة منه و رضوان
و جنات لهم فيها نعيم مقيم * خالدين فيها أبداً إن الله عنده أجر عظيم)..
· وكذلك الصبر على الطاعة و العبادة يؤدي إلى حصول الرضا من العبد على الرب و من الرب على العبد، و من العبد عن الرب و من الرب عن العبد.. (فاصبر على ما يقولون و سبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس و قبل غروبها و من آناء الليل فسبِّحْ و أطراف النهار لعلَّك ترضى)..
* و الله يرضي أهل الإيمان و الدين لَمَّا ضحَّوا في سبيله، يرضيهم و يعطيهم يوم القيامة
حتى يأخذوا كل ما كانوا يرجونه و زيادة..
(و الذين هاجروا في سبيل الله ثم قُتِلُوا أو ماتوا ليرزقنّهم الله رزقاً حسناً و إن الله لهو خير الرازقين * ليدخلنّهم مُدْخَلاً يرضونه و إن الله لعليم حليم)..
· و إن الصحابة لما جاهدوا في سبيله و اتبعوا نبيه و دافعوا عن شريعته و نشروا دينه و بلّغوا شريعته.. (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً)..
و هؤلاء الذين هاجروا في سبيل الله لا يوادّون من حادّ الله و رسوله و لو كانوا آباءهم
أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان و أيّدهم بروحٍ منه و يدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم و رضوا عنه..
فالرضا هنا متبادل بين الرب و العبد..
و يوم القيامة ستكون العيشة الراضية عاقبة هؤلاء و أهل اليمين، قال تعالى: (فأما من أوتي كتابه بيمينه * فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه * إني ظننت أني مُلاقٍ حسابيه * فهو في عيشة راضية)، و قال تعالى: (وجوه يومئذٍ ناعمة * لسعيها راضية)، و قال تعالى: (يا أيّتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضيّة)، و قال تعالى: (و سيجنّبها الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكّى * و ما لأحدٍ عنده من نعمةٍ تُجْزَى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى * و لسوف يرضى)،و قال تعالى: (فأما من ثَقُلَتْ موازينه *فهو في عيشة راضية)..
· رضا الله عز و جل أعلى مطلوب للنبيّين و الصديقين.. (ذكر رحمت ربك عبده زكريّا * إذ نادى ربه نداءً خفياً * قال ربِّ إنّي وهن العظم منّي و اشتعل الرأس شيباً و لم أكن بدعائك ربِّ شقياً * و إني خفت الموالي من ورائي و كانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك وليّاً * يرثني و يرث من آل يعقوب و اجعله ربِّ رضِيَّاً).
(و اذكر في الكتاب إسماعيل إن كان صادق الوعد و كان رسولاً نبياً * و كان يأمر أهله بالصلاة و الزكاة و كان عند ربه مرضيَّاً)..
ماذا فعل موسى عندما استعجل لقاء الله؟! و لماذا استعجل؟!!
(و ما أعجلك عن قومك يا موسى * قال هم أولاء على أثري و عجلتُ إليك ربِّ لترضى).. استعجل الخير و اللقاء لينال رضا الله..
و كذلك سليمان عليه السلام لما سمع كلام النملة تبسم ضاحكاً من قولها، و قال:
(ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي َّ و على والديَّ و أن أعمل صالحاً ترضاه)..
وكذلك فإن هذا الإنسان الذي يبلغ أشده و يبلغ أربعين سنة يقول صاحبه:
(ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ و على والديَّ و أن أعمل صالحاً ترضاه)..
و هذا مطلوب الصحابة لمّا عبدوا الله يبتغون فضلاً من الله و رضواناً..
و يوم القيامة: الفئة هذه المرضيّ عنها هي التي تشفع و الذين لا يرضى الله عنهم
ليسوا من أهل الشفاعة..
(يومئذٍ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن و رضي له قولاً)..
فأهل رضاه يشفعون..
و قال عز و جل: (و لا يشفعون إلا لمن ارتضى)..
و شرع الله لنا ديناً يرضيه لنا (و ليمكّننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم)..
و من الأمور التي ينبغي على العبد: أن يرضى بما قسم الله له..
و يعمل الزوج لكي ترضى زوجاته عن عيشهنّ بالعدل بينهنّ (* ترجي من تشاء منهنّ و تؤوي إليك من تشاء و من ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقرَّ أعينهنّ و لا يحزنّ و يرضين بما آتيتهنّ كلهنّ)..
إذا انتقلنا إلى سنّة النبي صلى الله عليه و سلم، نجد طائفة من الأحاديث عن الرضا:
· أخبر أن الله يرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها و يشرب الشربة فيحمده عليها. · أخبر أن الله رضي لنا أن نعبده لا نشرك به شيئاً و أن نعتصم بحبله و ألا نتفرق، و كره لنا قيل و قال و كثرة السؤال و إضاعة المال.
· أخبر أن رضا الرب في رضا الوالد. · أخبر أن السواك مطهرة للفم و مرضاة للرب. · أخبر أن من التمس رضا الله بسخط الله رضي الله عنه و أرضى عنه الناس. · أخبر أن ملائكته تلعن المتمردة على زوجها الناشزة عن فراشه حتى يرضى عنها. · أخبر أنه عندما مات ولده لا يقول إلا ما يُرضي الرب، فلما مات إبراهيم جعلت عيناه تذرفان، ثم أتبع الدمعة بدمعةٍ أخرى، و قال: (إن العين لتدمع، و إن القلب ليحزن، و لا نقول إلا ما يُرضي ربنا، و إنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون). · علّمنا في السجود في الدعاء. (نستعيذ برضا الله من سخطه).
هذا الرضا شأنه عظيم و أمره كبير و منزلته في الدين عالية..
هذا الرضا عليه مدار أمورٍ كثيرةٍ من الأمور الصالحات، هذا الرضا الذي هو من منازل السائرين و السالكين، ما حكمه؟
هل هو واجبٌ؟! أم مستحبٌ؟!
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله: و أما الرضا فقد تنازع العلماء و المشايخ من أصحاب الإمام أحمد و غيرهم في الرضا بالقضاء، هل هو واجبٌ أو مستحبٌ على قولين: فعلى الأول يكون من أعمال المقتصدين، و على الثاني يكون من أعمال المقرَّبين. و الخلاصة: أن أصل الرضا واجب و منازله العليا مستحبّة.
و الرضا له أصلٌ و مراتبٌ أعلى من الأصل..
فيجب الرضا من جهة الأصل: (فالذي ليس عنده رضا عن الله و الدين و الشرع و الأحكام فهذا ليس بمسلمٍ )..
فلابد لكلِّ مسلمٍ موحّدٍ يؤمن بالله و اليوم الآخر من درجةٍ من الرضا، أصل الرضا لابد أن يكون متوفّراً ؛ لأنه واجبٌ.. فقد قال صلى الله عليه و سلم: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمد نبياً)..
قال تعالى: (فلا و ربك لا يؤمنون حتى يُحَكِّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيتَ و يُسَلِّموا تسليماً) و هذا هو الرضا (و لو أنهم رضوا ما آتاهم الله و رسوله و قالوا حسبنا الله..).. (ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله و كرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم)..
حتى المنهيّات لابد أن نفهم ما معنى الرضا بالمنهيّات؟!
لا يُشْرَع الرضا بالمنهيّات طبعاً..
كما لا تُشْرَع محبتها ؛ لأن الله لا يرضاها و لا يحبها..
و الله لا يحب الفساد و لا يرضى لعباده الكفر.. و هؤلاء المنافقين يُبَيّتون ما لا يرضى من القول، بل اتبعوا ما أسخط الله و كرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم..
فالرضا الثابت بالنص هو أن يرضى بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمدٍ صلى الله عليه و سلم نبياً،يرضى بما شرعه الله لعباده من تحريم حرامٍ أو إيجاب واجبٍ أو إباحة مباحٍ، يرضى عن الله سبحانه و تعالى و يرضى عن قضائه و قدره و يحمده على كل حالٍ و يعلم أن ذلك لحكمةٍ، و إن حصل التألم بوقوع المقدور..
فإن قال قائل: لماذا يحمد العبدُ ربَّه على الضراء؟ إذا مسّه الضراء؟.. فالجواب من وجهين:
1/ أن تعلم أن الله أحسنَ كل شيءٍ خلَقه و أتقنَه، فأنت راضٍ عما يقع في أفعاله؛ لأن هذا من خلقه الذي خلقه، فالله حكيم لم يفعله إلا لحكمةٍ.
2/ أن الله أعلم بما يصلحك و ما يصلح لك من نفسك، و اختياره لك خيرٌ من اختيارك لنفسك.
قال صلى الله عليه و سلم: (و الذي نفسي بيده لا يقضي الله لمؤمنٍ قضاءً إلا كان خيراً له) و ليس ذلك إلا للمؤمن (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً)
فهذا حديثٌ عظيمٌ: فالمسلم في أذكار الصباح و المساء و في أذكار الأذان بعد " أشهد أن محمداً رسول الله " الثانية يقول: (رضيتُ بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمد نبياً)..
رضا بربوبيته سبحانه و رضا برسوله صلى الله عليه و سلم و الانقياد و التسليم و لذلك من حصلت له هذه الأمور الأربعة: الرضا بربوبيته و ألوهيته سبحانه و الرضا برسوله و الانقياد له و الرضا بدينه و التسليم له فهو الصدِّيق حقاً..
و هي سهلةٌ بالدعوى، و لكن ما أصعبها عند الامتحان !!!
أما الرضا بالله: فيتضمّن الرضا بمحبته وحده و الرضا بعبادته وحده أن تخافه وحده ترجوه و تتبتّل إليه و تتذلل إليه عز و جل و تؤمن بتدبيره و تحب ذلك و تفرده بالتوكل عليه و الاستعانة به و تكون راضياً عما يفعل عز و جل فهذا رضا بالله..
ترضى بما قدّر و حكم.. حَكَم أن الزنا حرامٌ، و أن الربا حرامٌ، و أن بر الوالدين واجبٌ، و أن الزكاة فرضٌ، فيجب أن ترضى بحكمه..
قدّر عليك أشياء من فقرٍ، و ضيق حالٍ، فيجب أن ترضى..
الرضا بمحمدٍ صلى الله عليه و سلم نبياً: أن تؤمن به و تنقاد له و تستسلم لأمره و يكون أولى بك من نفسك، و أنه لو كان موجوداً صلى الله عليه و سلم و وجِّهَ إليه سهمٌ وجب عليك أن تتلقاه عنه و أن تفتديه بنفسك، و أن تموت فداءً له.
و ترضى بسنّته فلا تتحاكم إلا إليها..
ترضى بسنّته فلا ترجع إلا إليها و لا تُحَكِّم إلا هي..
الرضا بالإسلام ديناً: فما في الإسلام من حكمٍ أو أمرٍ أو نهيٍ فإنك ترضى عنه تماماً و ليس في نفسك أيّ حرجٍ و تُسَلِّم تسليماً كاملاً لذلك و لو خالف هواك و لو كان أكثر الناس على خلافه و لو كنتَ في غربةٍ و لو كانت عليك الأعداء مجتمعون فيجب أن ترضى بأحكام الدين و تسعى لتنفيذها و إن خالفتَ العالم..
سؤال / الرضا هل هو شيءٌ موهبيٌّ أم كسبيٌّ؟ أي: هل يُوهَبُ من الله أم يمكن للعبد تحصيله؟ هل هو فطريٌّ أم العبد يُحَصِّل هذا بالمجاهدة و رياضة النفس إذا روَّض نفسه؟!!
الرضا كسبيٌّ باعتبار سببه، موهبيٌّ باعتبار حقيقته..
فإذا تمكن العبد في أسباب الرضا و غرس شجرة الرضا في قلبه جنى الثمرة..
لأن الرضا آخر التوكل..
بعدما يعجز التوكل يأتي الرضا..
و الذي ترسخ قدمه في طريق التوكل ينال الرضا..
لأن بعد التوكل و التسليم و التفويض يحصُل الرضا، و بدونها لا يحصل الرضا،
و لذلك لو قال أحدهم: نريد تحصيل الرضا، نقول له: يجب أن يكون لديك توكلٌ صحيحٌ و تسليمٌ و تفويضٌ ثم ينتج الرضا بعد ذلك..
و لذلك لم يُوجِب الله على عباده المنازل العالية من الرضا ؛ لأن ذلك شيءٌ صعبٌ جداً، و أكثر النفوس ربما لا يحصُل لها ذلك..
فالله ندب إليه و لم يوجبه (ليس أساس الرضا و إنما ما فوق ذلك)..
فإذا حصل للعبد شيءٌ فإنه لابد أن يكون محفوفاً بنوعيه من الرضا: رضا قبله، و رضا بعده..
و كذلك الرضا من الله عز و جل عن العبد إنما هو ثمرة رضا العبد عن الرب سبحانه، فإذا رضيتَ عن الله رضي الله عنك..
و الرضا باب الله الأعظم و جَنة الدنيا و مُسْتَراح العارفين و حياة المحبين و نعيم العابدين و هو من أعظم أعمال القلوب..
قال يحيى بن معاذ لما سئل: متى يبلغ العبد إلى مقام الرضا؟ قال: ( إذا أقام نفسه على أربعةِ أصولٍ يُعامِل بها ربه..
يقول: إن أعطيتني قبلتُ، و إن منعتني رضيتُ، و إن تركتني عبدتُ، و إن دعوتني أجبتُ..)..
و الرضا إذا باشر القلب ؛ فإنه يدل على صحة العلم و ليس الرضا و المحبة كالرجاء و الخوف، فمن الفروق أن أهل الجنة مثلاً لا يخافون في الجنة و لا يرجون مثل رجاء الدنيا.. لكن لا يفارقهم الرضا أبداً..
فإن دخلوا الجنة فارقهم الخوف (لا خوفٌ عليهم و لا هم يحزنون)..
في الدنيا هناك خوف.. إذا دخلوا الجنة زال الخوف.. أما الرضا فلا يزول.. خارج الجنة و داخلها.. الرضا موجودٌ..
الخوف و الرجاء في الدنيا ليس موجوداً عند أهل الجنة يفارقون العبد في أحوال..
أما الرضا فلا يفارق العبد لا في الدنيا و لا في البرزخ و لا في الآخرة و لا في الجنة، ينقطع عنهم الخوف ؛ لأن الشيء الذي كانوا يخافونه أمِنوه بدخولهم الجنة، و أما الشيء الذي كانوا يرجونه فقد حصل لهم، أما الرضا فإنه لا يزال معهم و إن دخلوا الجنة: معيشتهم راضيةٌ و هم راضون، و رضوا عن الله، و راضون بثوابه و ما آتاهم في دار السلام..
· هل يشترط أن الرضا إذا حصل لا يكون هناك ألمٌ عند وقوع مصيبة؟! الجواب: ليس من شروط الرضا ألا يحس العبد بالألم و المكاره، بل من شروط الرضا عدم الاعتراض على الحكم و ألا يسخط، و لذلك فإن الرضا لا يتناقض مع وجود التألم و كراهة النفس لما يحصل من مكروه..
· فالمريض مثلاً يرضى بشرب الدواء مع أنه يشعر بمرارته و يتألم لمرارته، لكنه راضٍ بالدواء مطمئنٌ بأخذه مقبلٌ على أخذه، لكنه في ذات الوقت يَطْعَم مرارة الدواء.. · الصائم رضي بالصوم و صام و سُرَّ بذلك.. لكنه يشعر بألم الجوع.. هل بشعوره بألم الجوع يكون غير راضٍ بالصيام؟! لا.. هو راضٍ بالصيام و يشعر بالجوع.. * المجاهد المخلص في سبيل الله راضٍ عند الخروج للجهاد.. و مُقْدِمٌ عليه.. مقتنع به..
لكن يحس بالألم.. و التعب.. و الغبار.. و النعاس.. و الجراح..
إذاً لا يشترط أن يزول الألم و الكراهية للشيء إذا حصل الرضا، لكن بعض أصحاب المقامات العالية جداً يستلذّون بالألم إذا حصل في الجهاد أو الصيام..
لكن لا يشترط أن الفرد إذا أحس بالألم في العبادة أن يكون غير راضٍ.. ليس شرطاً.،.
و طريق الرضا طريقٌ مختصرٌ قريبةٌ جداً، لكن فيها مشقةٌ، و ليست مشقتها أصعب من مشقة المجاهدة، و لكن تعتريها عقبتان أو ثلاث: 1/ همةٌ عاليةٌ،
2/ نفسٌ زكيّةٌ، 3/ توطين النفس على كل ما يَرِدُ عليها من الله تعالى..
و يسهُل ذلك على العبد إذا عرف ضعفه و قوة ربه، و جهله و علم ربه،
و عجزه و قدرة ربه.. و أن الله رحيمٌ شفيقٌ به، بارٌّ به، فهو البرُّ الرحيم..
فالعبد إذا شهد هذه المقامات رضي، فالله عليمٌ حكيمٌ وهو رؤوفٌ، وهو أعلم بما يُصْلِح العبد من العبد، و توقن أن ما اختاره لك هو الأفضل و الأحسن..
عباراتٌ أحياناً ترد لكن الإنسان إذا آمن بها وصل إلى المطلوب..
أحياناً هناك مقاماتٌ إيمانيةٌ يبلغها الإنسان بقلبه و يأخذ بها أجراً عظيماً يرتقي بها عند الله وهي عبارةٌ عن تفكّراتٍ (يفكّر فيها فيهتدي إليها فيأخذ بها فيحصل على المطلوب فلم يبذل جهداً بل هي أشياءٌ تأمليةٌ)..
فالتفكّر من أعظم العبادات...
فإذا تفكّر العبد أن ما يختاره له ربه هو الأحسن و الأفضل..
فإذا آمن بها الإنسان رضي..
و تحصيل الرضا غير معقّدٍ.. كيف؟!
أن تؤمن بأن ما اختاره الله لك وقدّره عليك هو أحسن شيءٍ لك.. سواءً كان موتُ ولدٍ أو مرضٍ أو تركُ وظيفةٍ..
لكن أنت قد تجهل لماذا هو أحسن شيءٍ !! أنت لا تعلم لماذا لو أعطاك ليس مصلحتك !!
أنت في حال الفقر لا تعلم لماذا ليس في مصلحتك أن تحصّل المال.. و هكذا..
فنتيجة إذا اعترف العبد بجهله و آمن بعلم ربه و أن اختياره له أولى و أفضل
و أحسن من اختياره لنفسه..
وصلنا إلى الرضا..
* فطريق المحبة و الرضا تسير بالعبد و هو مستلقٍ على فراشه فيصير أمام الركب بمراحل !!
هناك أناسٌ يعملون و يجهدون و صاحب الرضا بعبادته القلبية يسبقهم بمراحل،
و هم من خلفه مع أنه على فراشه و هم يعملون ؛ لأنه راضٍ عن الله و يتفكّر في هذا الأمر و يؤمن به فيقترب من الله و أناسٌ لم يصلوا لهذا المستوى و يعملون و يجهدون...
لذلك أعمال القلوب مهمةٌ جداً ؛ لأن المرء يمكن يبلغ بها مراتب عند الله و هو قاعدٌ..
و هذا لا يعني ألا يعمل و لا يصلي..
و قد يكون هناك أناسٌ آخرين أكثر منه عملاً (صيام ــ صدقة ــ حج)، لكنهم أقل منه درجةً..
لماذا؟!!
لأنك بهذا العلم بأعمال القلوب قد تحصّل مراتب عند الله أكثر منهم ؛ لأن عمل القلب نفسه يرفع العبد في كثيرٍ من الأحيان أكثر من عمل الجوارح …
فأبو بكر ما سبق أهل هذه الأمة لأنه أكثرهم صلاةً و قياماً في الليل... هناك أناسٌ أكثر منه في عمل العبادات و الجوارح... لكن سبقهم بشيءٍ وَقَرَ في نفسه..
الرضا عن الله لو تحققت في صدر العبد ؛ تميز بين مستويات العباد و ترفع هذا فوق هذا.. ينبغي التفطّن لها.. كما تعمل بالجوارح هناك أعمال قلوبٍ لا تقل أهميةً بل هي أعلى منها، مع الجمع بين الواجب من هذا و ذاك..
و لكن قد يدرك الإنسان أحياناً بتفطّنه و تأمله و تفكّره و إيمانه مراتب أعلى من الذي أكثر منه عملاً بالجوارح.. و لذلك يقول ابن القيّم: (فطريق الرضا و المحبة تسيّر العبد و هو مستلقٍ على فراشه فيصبح أمام الركب بمراحل) " و هو على فراشه "..
الرضا مقاماتٌ فمنها:
3/ الرضا بما قسم الله و أعطاه من الرزق و هذا ممكنٌ يجيده بعض العوامّ..
و المرتبة الأعلى:
2/ الرضا بما قدّره الله و قضاه..
و مرتبةٌ أعلى من هذه..
1/ أن يرضى بالله بدلاً من كل ما سواه..
هذه منازل قد يأتي البعض بواحدةٍ و لا يقدر على الأخرى، و قد يأتي البعض بجزءٍ من الدرجة.. و لا يحقق كل الدرجة..
قد يرضى عن الله فيما قسم له من الزوجة و لا يرضى بما قسم له في الراتب.. مثلاً..
قد يصبر على سرقة المال.. و لا يصبر على فقد الولد..
· و أما أن الإنسان يرضى بالله عن كل ما سواه، معنى ذلك أن يهجر كل شيءٍ لا يؤدي إلى الله (ملاهٍ ــ ألعاب ــ أمورٌ مباحةٌ لا تقود إلى الله) فالمشتغل بها لا يعتبر أنه رضي بالله عن كل ما سواه.. هذه حالةٌ خاصةٌ لشخصٍ مع الله دائماً، كل شيءٍ أي عملٍ أي حركةٍ أي سكنةٍ كلها طريقٌ إلى الله تؤدي إلى مرضاة الله. درجات الرضا:
· منها الرضا بالله رباً و تسخّط عبادة ما دون الله، و هذا قطب رحا الإسلام لابد منه، أن ترضى بالله و لا ترضى بأي إلهٍ آخر.. (بوذا.. ما يعبده المشركون.. اليهود.. النصارى)، لم يتخذ غير الله رباً يسكن إليه في تدبيره و ينزل به حوائجه.. · و هذا محرومٌ منه غلاة الصوفية المشركون عبّاد القبور، فينزلون حوائجهم بالأولياء و الأقطاب و يسألونهم و يستغيثون بهم و يتوكّلون عليهم و يرجون منهم ما لا يقدر عليه إلا الله.. لو آمنوا بالله حقاً لطلبوا المدد من الله و لم يذهبوا إلى المخلوقين في قبورهم، يقولون:
يا فلان المدد، يا فلان أغثنا..!!
ثم يأتي الصوفية و يقولون: نحن متخصّصون بالقلوب و قد ضيّعوا الأساس..!!
(قل أ غير الله أبغي رباً و هو ربُّ كل شيءٍ)؟ قال ابن عباس: " يعني سيداً و إلهاً، فكيف أطلب رباً غيره و هو ربُّ كل شيءٍ؟!! "
(قل أ غير الله أتخذ ولياً فاطرِ السماوات و الأرض) يعني: أ غير الله أتخذ معبوداً
و ناصرا و مُعيناً و ملجأً؟!!
ولياً من الموالاة التي تتضمّن الحب و الطاعة..
(أ فغير الله أبتغي حكماً و هو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصّلاً) هل أرضى بحَكَمٍ آخر يحكم بيني و بينكم غير الله بكتابه و سنّة نبيه صلى اله عليه و سلم..
فلو قال أحدهم: أنا أرضى بالقانون الوضعيّ يحكم بيننا.. هذا لا يمكن أن ينطبق عليه أنه يؤمن بالله ربا..!! إذاً هناك أناسٌ يدّعون الرضا بالله ثم يخالفون في تعاملاتهم قاعدةً و أساساً من أعظم الأسس..، فإذا رضيت بالله رباً: يجب أن ترضى به حَكَماً (إنِ الحُكْمُ إلا لله) و من خصائصه سبحانه: أن التحكيم و الحُكْمَ له سبحانه وحده..
ثم إذا تأملتَ هذه الأمور عرفتَ أن كثيراً من الناس يدّعون الرضا بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمدٍ نبياً ثم هنا يخالفون حكم الله و يرضون بحكم غيره و يخالفون السنّة و هناك يميلون و يوالون أصحاب دياناتٍ أخرى، فأين هم من هذه الثلاثة؟؟!!
و القرآن مليءٌ بوصف المشركين أنهم اتخذوا من دون الله أولياء !! من تمام الإيمان صحة الموالاة و مدار الإسلام على أن يرضى العبد بعبادة الله وحده و يسخط عبادة غيره..، و الفرق بين الرضا بالله والرضا عن الله:
أ ــ الرضا بالله: تحدثنا عنه.بأنه الله و أنه المعبود فقط لا غيره و أن الحكم له فقط لا لغيره و أن نرضى بما شرع. و لا يمكن أن يدخل فيه المؤمن و الكافر معاً. لا يكون إلا للمؤمن..
ب ــ الرضا عن الله: أي: ترضى بما قضى و قدّر.. تكون راضياً عن ربك فيما أحدث لك و خلَق من المقادير.. و يدخل فيه المؤمن و الكافر..
فلابد من اجتماع الأمرين معاً: الرضا بالله و لرضا عن الله، و الرضا بالله أعلى شأناً و أرفع قدراً ؛ لأنها مختصّةٌ بالمؤمنين. و الرضا عن الله مشتركةٌ بين المؤمن و الكافر ؛ لأن الرضا بالقضاء قد يصح من المؤمن و الكافر، فقد تجد تصرّف كافرٍ فتقول: هذا راضٍ بالقضاء و مسلّم و لا اعتراض عنده، لكنه لم يرضَ بالله رباً.
فالرضا بالله رباً آكد الفروض باتفاق الأمّة.. فمن لا يرضى بالله رباً فلا يصح له إسلامٌ و لا عملٌ..
· الرضا عن الله.. الرضا بالقضاء.. ما حكمه؟! يجب التفصيل أولاً في قضيّة القضاء:
1/ قضاءٌ شرعيٌّ: و هو ما شرعه الله لعباده (و قضى ربك ألا تعبدوا إلا إيّاه و بالوالدين إحساناً) قضى علينا و شرع.. قد يلتزم العباد به و قد لا يلتزمون به..
2/ قضاءٌ كونيٌّ: كُنْ فيكون.. إذا قضى الله بموتِ شخصٍ.. أو مرضٍ.. أو شفاءٍ.. أو غنىً.. أو فقرٍ.. أو نزولِ مطرٍ.. إذا قضاها فلا رادّ لقضائه، قضاءٌ كونيٌّ.. لا يستخلف.. لابد أن يقع.. كُنْ فيكون..
فبالنسبة للقضاء الشرعي أن يكون عندنا رضا به قطعاً و هو أساس الإسلام و قاعدة الإيمان.. لابد أن نرضى بدون أي حرجٍ و لا منازعةٍ و لا معارضةٍ..
(فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيتَ و يسلّموا تسليماً)..
لكن الرضا بالمقادير التي تقع، هناك فرقٌ بين الرضا و الصبر، الرضا بالمقدور
و الصبر على المقدور.. الرضا درجةٌ أعلى من الصبر..
ليس الرضا عمليةً سهلةً.. و على ذلك يُحْمَل كلام من قال من العلماء إن الرضا ليس بواجبٍ في المقدور..
الله لم يوجب على عباده أن يرضوا بالمقدور (المصائب) ؛ لأن هذه الدرجة لا يستطيعها كل العباد، و لكن أوجب عليهم الصب، و هناك فرقٌ بين الرضا و الصبر..
قد يصبر الإنسان و هو يتجرّع المرارة و ألم المصيبة، و يمسك نفسه و يحبسها عن النياحة و شقّ الجيب أو قول شيءٍ خطأٍ، فنقول: هو صابرٌ..
لكن هل وصل إلى مرحلة الرضا؟!!
يعني هل وصل إلى مرحلة الطمأنينة و الرضا بهذه المصيبة؟!!
ليس كل الناس يصلون إلى هذا..
لا يجوز لطم الخدود و لا النياحة و لا شقّ الجيب ؛ لأن هذا ضد الصبر الواجب، فالرضا لم يوجبه الله على كل عباده.. لكن من وصل إلى الرضا شأنه عظيمٌ..
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (الرضا بالقضاء ثلاثة أنواعٍ:
1ــ أحدها: الرضا بالطاعات: و حكمها طاعةٌ..
2ــ الرضا بالمصائب: فهذا مأمورٌ به، فهو إما واجبٌ أو مستحبٌّ..
أما الواجب: فهو ما يوازي الصبر و هو الدرجة الأولى من الرضا..
أما الدرجة العليا من الرضا عند المصيبة التي فيها سكينة النفس التامة: فهذا عزيزٌ لا يصل إليه إلا قلّةٌ من المخلوقين..
و الله من رحمته لم يوجبه عليهم ؛ لأنهم لا يستطيعونه..
3ــ الرضا بالمعصية: معصيةٌ..)..
· فما حكم الرضا بالكفر و الفسوق و العصيان؟! يرى في أهله الخبث و هو راضٍ.. الرضا بالمعصية معصيةٌ حرامٌ..
الرضا بالكفر.. كفرٌ..
حكم الرضا بالمعصية.. لا يجوز..
بل الإنسان مأمورٌ ببغض المعصية، و الله لا يحب الفساد و لا يرضى لعباده الكفر و لا يحب المعتدين و لا يحب الظلم و لا الظالمين..
ثمرات الرضا:
إن للرضا ثمراتٌ كثيرةٌ.. على رأسها..
1ــ الرضا و الفرح و السرور بالرب تبارك و تعالى.. و النبي صلى الله عليه
و سلم كان أرضى الناس بالله و أسرّ الناس بربه و أفرحهم به تبارك و تعالى..
فالرضا من تمام العبودية و لا تتم العبودية بدون صبرٍ و توكلٍ و رضا و ذلٍّ و خضوعٍ و افتقارٍ إلى الله..
2ــ إن الرضا يثمر رضا الرب عن عبده، فإن الله عز و جل رضي بمن يعبده عمّن يعبده على من يعبده و إذا ألححتَ عليه و طلبتَه و تذلّلتَ إليه أقبل عليك.
3ــ الرضا يخلّص من الهمّ و الغمّ و الحزن و شتات القلب و كسف البال و سوء الحال، و لذلك فإن باب جنة الدنيا يفتَح بالرضا قبل جنة الآخرة ؛ فالرضا يوجب طمأنينة القلب و بَرْده و سكونه و قراره بعكس السخط الذي يؤدي إلى اضطراب القلب و ريبته و انزعاجه و عدم قراره
فالرضا ينزِل على قلب العبد سكينةً لا تتنزّل عليه بغيره و لا أنفع له منها ؛ لأنه متى ما نزلت على قلب العبد السكينة: استقام و صلُحت أحواله و صلُح باله، و يكون في أمنٍ و دَعَةٍ و طيبِ عيشٍ..
4ــ الرضا يخلّص العبد من مخاصمة الرب في الشرائع و الأحكام و الأقضية..
مثلاً إبليس لما أُمِر بالسجود عصى؟ رفض؟
لم يرضَ.. كيف أسجد لبشرٍ خلقتَه من ترابٍ؟.. فعدم الرضا من إبليس أدّى إلى اعتراضٍ على أمر الله.. فإذاً منافقو عصرنا الذين لا يرضون بحكم الله في الربا و الحجاب و تعدّد الزوجات في كل مقالاتهم في مخاصمةٍ مع الرب سبحانه.. لماذا؟!!! … كلامهم يدور على مخاصمة الرب في شرعه و إن لم يصرّحوا بهذا.. ! فالرضا يخلّص الإنسان من هذه المخاصمة..
5ــ الرضا من العدل.. الرضا يُشْعِر العبد بعدل الرب..و لذلك كان صلى الله عليه و سلم يقول: (عدلٌ فيَّ قضاؤك).. و الذي لا يشعر بعدل الرب فهو جائرٌ ظالمٌ، فالله أعدل العادلين حتى في العقوبات..
فقطع يد السارق عقوبةٌ،فالله عدَل في قضائه و عقوباته فلا يُعْتَرض عليه لا في قضائه و لا في عقوباته..
6ــ و عدم الرضا إما: 1ــ لفواتِ شيءٍ أخطأك و أنت تحبه و تريده..
2ــ أو لشيءٍ أصابك و أنت تكرهه و تسخطه.. فيحصل للشخص الذي ليس عنده رضا قلقٌ و اضطرابٌ إذا نزل به ما يكره و فاته ما يحب حصل له أنواع الشقاء النفسي، و إذا كان راضياً لو نزل به ما يكره أو فاته ما يحب ما شقي و لا تألّم ؛ لأن الرضا يمنع عنه هذا الألم، فلا هو يأسى على ما فاته و لا يفرح بما أوتي.. (لكيلا تأسوا على ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم)..
* الرضا مفيدٌ جداً أن المرء لا يأسف على ما فاته و لا يحزن و لا يتكدّر
على ما أصابه ؛ لأنه مقدّرٌ مكتوبٌ..
7ــ الرضا يفتح باب السلامة من الغشّ و الحقد و الحسد ؛ لأن المرء إذا لم يرضَ بقسمة الله سيبقى ينظر إلى فلانٍ و فلانٍ.. فيبقى دائماً عينه ضيقةٌ و حاسدٌ
و متمنٍّ زوال النعمة عن الآخرين.. و السخط يدخل هذه الأشياء في قلب صاحبه..
8ــ الرضا يجعلك لا تشكّ في قضاء الله و قدره و حكمته و علمه.. فتكون مستسلماً لأمره معتقداً أنه حكيمٌ مهما حصل.. لكن الإنسان الساخط يشكّ
و يوسوس له الشيطان ما الحكمة هنا و هنا؟؟.. !!
و لذلك (الرضا و اليقين) أخوان مصطحبان..
و (السخط و الشكّ) توأمان متلاصقان.. !!
· إذا استطعتَ أن تعمل الرضا مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع فإن في الصبر خيراً كثيراً.. 9ــ من أهم ثمرات الرضا: أنه يثمر الشكر...
فصاحب السخط لا يشكر.. فهو يشعر أنه مغبونٌ و حقّه منقوصٌ و حظّه مبخوسٌ.. !! لأنه يرى أنه لا نعمة له أصلاً..!!
السخط نتيجة كفران المنعم و النعم..!!!
الرضا نتيجة شكران المنعم و النعم..!!!
10ــ الرضا يجعل الإنسان لا يقول إلا ما يرضي الرب..
السخط يجعل الإنسان يتكلّم بما فيه اعتراضٌ على الرب، و ربما يكون فيه قدحٌ في الرب عز و جل..
صاحب الرضا متجرّدٌ عن الهوى.. و صاحب السخط متّبعٌ للهوى..
و لا يجتمع الرضا و اتباع الهوى، لذلك الرضا بالله و عن الله يطرد الهوى..
صاحب الرضا و اقفٌ مع اختيار الله..
يحسّ أن عنده كنزٌ إذا رضي الله عنه أكبر من الجنة..
لأن الله عندما ذكر نعيم الجنة قال: (و رضوانٌ من الله أكبر)..
رضا الله إذا حصل هو أكبر من الجنة و ما فيها..
و الرضا صفة الله و الجنة مخلوقةٌ.. و صفة الله أكبر من مخلوقاته كلها..
(وعد الله المؤمنين و المؤمنات جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و مساكنَ طيبةً في جناتِ عدْنٍ و رضوانٌ من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم)..
رضا الله أكبر من الجنة..!!!
11ــ الرضا يخلّص العبد من سخط الناس.. لأن الله إذا رضي عن العبد أرضى عنه الناس.. و العبد إذا سعى في مرضاة الله لا يبالي بكلام الناس..
أما المشكلة إذا سعى في مرضاة الناس فسيجد نفسه متعباً ؛ لأنه لن يستطيع إرضاءهم فيعيش في شقاءٍ.. أما من يسعى لرضا الله فلا يحسب لكلام الناس أي حسابٍ و لن يتعبَ نفسياً.. و لو وصل إليه كلام الناس فلن يؤذيَه نفسياً و لن يبالي مادام الله راضياً عنه..
12ــ الله يعطي الراضي عنه أشياءَ لم يسألها، و لا تكون عطايا الله نتيجة الدعاء فقط مادام في مصلحته..
13ـ الرضا يفرّغ قلب العبد للعبادة.. فهو في صلاته خالٍ قلبُه من الوساوس.. في الطاعة غير مشتّت الذهن.. فيستفيد من العبادة..الرضا يركّز و يصفّي الذهن فينتفع صاحبه بالعبادة..
14ــ الرضا له شأنٌ عجيبٌ مع بقية أعمال القلوب الصالحة، فأجره لا ينقطع و ليس له حدٌّ بخلاف أعمال الجوارح، فأجرها له حدٌّ تنتهي بمدّةٍ معينةٍ.. فعمل الجوارح محدودٌ.. لكن عمل القلب غير محدودٍ..
فأعمال الجوارح تتضاعف على حدٍّ معلومٍ محسوبٍ.. أما أعمال القلوب فلا ينتهي تضعيفها و إن غابت عن بال صاحبها.. كيف؟؟!!
إنسانٌ راضٍ يفكّر بذهنه و قلبه أنه راضٍ عن الله و عن قضائه، عرضت له مسألةٌ حسابيّةٌ فانشغل ذهنه بها.. العلماء يقولون: أجر الرضا لا ينقطع و إن شُغِل الذهن بشيءٍ ثانٍ ؛ لأن أصله موجودٌ و لو انشغل القلب بشيءٍ ثانٍ الآن..
إنسانٌ يخاف الله، أحياناً يحصل له بكاءٌ و وجلٌ نتيجة هذا الخوف، لو انشغل باله مع ولده يضمّد جراح ولده و نسي موضوع التأمل في الخوف و ما يوجب البكاء و الخشية فلازال أجره على الخوف مستمرّاً؛ لأنه عملٌ قلبيٌّ مركوزٌ في الداخل لم ينتهِ أجره بل هو مستمرٌّ.. و هذا من عجائب أعمال القلوب...
و هذا يمكن أن يوضِّح لماذا أجر أعمال القلوب أكثر من أجر أعمال الجوارح، مع أنه لابد من أعمال الجوارح طبعاً.. لأنه إذا لم يكن هناك أعمال جوارح فالقلب خرِبٌ..
· هل الرضا يتنافى (يتعارض) مع الدعاء؟!! لا.. لسبب أن الدعاء يرضي الله و هو مما أمر الله به..
· هل الإنسان إذا دعا أن يزيل الله عنه مصيبةً لا يكون راضياً؟!! الجواب: لا.. ليس هكذا.. لأن الله قال: (ادعوني أستجب لكم)
و قال: ( يدعون ربهم خوفاً و طمعاً) يدعون ربهم يريدون نعماً و دفعَ نقمٍ.
الدعاء لجلبِ منفعةٍ أو دفعِ مضرّةٍ.. فلأن الله قال: ادعوني و لأن الدعاء يرضي الله، فإن الدعاء لا يتعارض مع الرضا..
فالمرء لو كان راضياً بالمعصية و سأل الله أن يزيل أثرها أو يعوّضه خيراً، لم يعارضِ الدعاءُ الرضا.. لأن الله أمرنا أن نسأله الرزق فقال: (فابتغوا عند الله الرزق)..
· هل الرضا يتنافى مع البكاء على الميّت؟!! قال شيخ الإسلام: (البكاء على الميت على وجه الرحمة حسنٌ مستحبٌّ و ذلك لا ينافي الرضا، بخلاف البكاء عليه لفوات حظه منه).. و بهذا يُعْرَف قوله صلى الله عليه و سلم لما بكى على الميت: (إن هذه رحمةٌ جعلها الله في قلوب عباده و إنما يرحم الله من عباده الرحماء..
و ينبغي أن نفرّق ؛ لأن النبي صلى الله عليه و سلم لما رأى ولده إبراهيم يموت بكى لماذا بكى؟.. رحمةً أو تأسّفاً على فقد الولد !!..
و إن هذا ليس كبكاء من يبكي لحظِّه إلا لرحمة الميت، فإن الفضيل بن عياض لما مات ابنه علي ضحك و قال: (رأيت أن الله قد قضى، فأحببتُ أن أرضى بما قضى الله به).. فحاله حالٌ حسنٌ بالنسبة لأهل الجزع، و أما رحمة الميت مع الرضا بالقضاء و حمد الله على كل حالٍ كما قال صلى الله عليه و سلم فهذا أكمل..
فإذا قيل: أيهما أكمل: النبي صلى الله عليه و سلم بكى رحمةً بالميت أو الذي من السلف ضحك؟؟!!
بكاء رحمة الميت مع حمد الله و الرضا بالقضاء أكمل، كما قال تعالى: (ثم كان من الذين آمنوا و تواصوا بالصبر و تواصوا بالمرحمة) فذكر الله التواصي بالصبر
و التواصي بالمرحمة..
الناس أربعة أقسامٍ: 1ــ منهم من يكون فيه صبرٌ بقوةٍ (ما فيه رحمة).
2ــ و منهم من يكون فيه رحمةٌ بقوةٍ (ينهار).
3ــ و منهم من يكون فيه القسوة و الجزع (جمع الشر من الطرفين).
4ـ المؤمن المحمود الذي يصبر على ما يصيبه و يرحم الناس.
و مما يجب أن يعلم أنه لا يسوغ في العقل و لا في الدين طلب رضا المخلوقين
بإطلاقٍ ؛ لوجهين: 1ــ أحدهما أن هذا غير ممكن، كما قال الشافعي: (رضا الناس غايةٌ لا تُدْرَك)، فعليك بالأمر الذي يصلحك فالزمه و دع ما سواه و لا تعانِه …
2ــ أنّنا مأمورون أن نتحرّى رضا الله و رسوله (و الله و رسوله أحقُّ أن
يُرْضوه)..
· هل نحن مكلّفون أن نرضي الناس كلهم؟!! لا، لسنا مكلّفين ؛ لسببين: 1ــ لأنه غير ممكنٍ،2ــ لأننا مكلّفون بإرضاء الله و ليس بإرضاء
مختارات