هل يجب علي أن أذكر الله في كل مجلس ؟
السؤال: ما معنى هذه الأحاديث الثلاثة: 1-(من قعد مقعداً لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة، ومن اضطجع مضجعاً لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة) 2-(ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم) 3- (ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة) هل يعني هذا أني لا بد أن أذكر الله دائماً، وأصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم كلما تكلمت مع أي شخص، وأني لو لم أفعل أثمت؟.
الجواب: الحمد لله
تدل هذه الأحاديث وغيرها على استحباب إعمار المجالس بذكر الله تعالى، وقضاء الأوقات في النافع المفيد، كما تدل على التحذير من الوقوع فيما يؤدي إلى الندم يوم القيامة، لا نعني الندم بسبب الوقوع في المعاصي، بل الندم بسبب عدم الاستكثار من الخير الذي يرفع الدرجات، ويبلغ بالمؤمن أعلى المقامات.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
(مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّهِ تِرَةٌ، وَمَنْ اضْطَجَعَ مَضْجَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّهِ تِرَةٌ)
رواه أبو داود (4856) وبوب عليه بقوله: باب كراهية أن يقوم الرجل من مجلسه ولا يذكر الله. وروى نحوه ابن حبان في " صحيحه " (3/133) وبوب عليه بقوله: ذكر استحباب الذكر لله جل وعلا في الأحوال، حَذَرَ أن يكون المواضع عليه ترة في القيامة.
وذكره المنذري في " الترغيب والترهيب " (2/262) تحت باب: " الترهيب من أن يجلس الإنسان مجلساً لا يذكر الله فيه، ولا يصلى على نبيه محمد صلى الله عليه و سلم " انتهى.
ولفظ الترمذي للحديث: (مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ)
رواه الترمذي في السنن (رقم/3380) وبوب عليه بقوله: باب في القوم يجلسون ولا يذكرون الله. وقال عقب الرواية: هذا حديث حسن، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى قوله: (ترة): يعني حسرة وندامة " انتهى.
فقد استدل العلماء بهذه الأحاديث على كراهة أن تخلو المجالس من ذكر الله، وليس على تحريم ذلك، فالحسرة لا يلزم أن تكون بسبب ترك الواجبات، بل يمكن أن تقع بسبب ترك المستحبات التي ترفع إلى أعلى الدرجات، وقد جاء عن بعض السلف أنه قال: يعرض على ابن آدم يوم القيامة ساعات عمره، فكل ساعة لم يذكر الله فيها تتقطع نفسه عليها حسرات. كما نقل ذلك الحافظ ابن رجب في " جامع العلوم والحكم " (ص/135).
وقوله في الحديث: (إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم) يدل بظاهره على وجوب الذكر في كل مجلس، لأن العذاب والمغفرة لا يكون إلا عن ذنب، إما بترك واجب، وإما بفعل محرم. قال ابن علان رحمه الله:
" (فإن شاء عذبهم) جزاء ما قصروا في ذلك بتركها (وإن شاء غفر لهم) ذلك النقص. وهذا يقتضي وجوب وجود الذكر والصلاة على النبي في المجلس، لأنه رتب العذاب على ترك ذلك وهو آية الوجوب، ولم أر من ذكر عنه القول بوجوب ذلك في كل مجلس، والحديث يقتضيه " انتهى. دليل الفالحين شرح رياض الصالحين (6/127).
والذي حمل أهل العلم الحديث عليه هو كراهة إخلاء المجلس من ذكر الله تعالى.
قال الإمام النووي رحمه الله:
" يكره لمن قعد في مكان أن يفارقه قبل أن يذكر الله تعالى فيه، لحديث أبي هريرة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم...وذكر الحديث " انتهى.
" المجموع " (4/477-478).
وأما المغفرة المذكورة فهي محمولة على ذنوب أخرى، أو على التشديد في ترك ذلك.
قال الملا علي القاري رحمه الله:
" (إن شاء عذبهم) أي: بذنوبهم السابقة وتقصيراتهم اللاحقة.. قال الطيبى: قوله فإن شاء عذبهم، من باب التشديد والتغليظ، ويحتمل أن يصدر من أهل المجلس ما يوجب العقوبة ".
" مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (8/37).
والله أعلم.
مختارات