المرأة في القرآن
المرأة في القرآن ليست ضميراً غائباً ولا مستتراً وإنما كيان بشري؛ يخاطبها القرآن كما يخاطب الرجل، لم تكن أبداً مهمشة كما تزعم بعض النسويات، وإن الانتصار للقرآن والتصدي لتفنيد شبهات النسويات تجاهه لمما ندعو له المتخصصين والمتخصصات في أقسام القرآن وعلومه.
ولما كان القرآن يهيئ الأمة لقيادة العالم ﴿ لَقَد أَنزَلنا إِلَيكُم كِتابًا فيهِ ذِكرُكُم﴾، ﴿وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ = اعتنى القرآن بحقوق الضعفاء فكان منافحاً لهم معتنياً بإرساء قواعد العدل وإعلان الحرب على الظلم بشتى صوره.
أناط القرآن التمكين في الأرض بإقامة الدين ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّـهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾، وإقامة العدل لمن إقامة الدين، ولذلك نجد في القرآن إرساء قواعد العدل قبل نشوء الدولة الإسلامية في المدينة لتكون قاعدة الدولة متينة صلبة لا يبغي فيها أحد على أحد، وإن من دقيق الظلم الذي حاربه الإسلام وأد الجاهليين لبناتهم فشنع عليهم في ذلك: ﴿وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثى ظَلَّ وَجهُهُ مُسوَدًّا وَهُوَ كَظيمٌ ﴿٥٨﴾ يَتَوارى مِنَ القَومِ مِن سوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمسِكُهُ عَلى هونٍ أَم يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ ﴾، وفي الآية الأخرى جاءت تنسف عادة وأد البنات في مجتمعهم: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ﴿٨﴾ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ﴾، إنها رحمة الإسلام بالمرأة وهي في مهدها لا تملك أن تدافع عن نفسها بكلمة، برغم أن قتلهم للأولاد كان عاماً، إلا أننا نجد التخصيص بدفن الإناث في آيات، بينما لا نجد تخصيص النهي عن قتل الذكور في آية؛ إقراراً عملياً لحقوق المرأة، لا مجرد شعارات مرفوعة ومنظمات تملأ الدنيا ضجيجا ولا نسمع لها حراكاً.
جاء القرآن لتحرير المرأة ولكنه ليس تحريراً لمصلحة الرجل، بل هو تحرير لها لمصلحتها، فتحدث عنها رضيعة وقاعداً لا ترجو نكاحا وما بينهما من أطوار حياتها.
أرسى القرآن حقوق المرأة في أشد حالات ضعفها؛ يتيمة ومطلقة وأرملة، بل بلغ اهتمامه بها أن تولى الله الإفتاء في أمر النساء: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّـهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ﴾ الآية، وشمل خطابه الإماء فجاء في تقرير حقوقهن في الإعفاف: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾.
وخير الحقوق ما أتى من غير طلب ولا تبذل ولا خلع حياء، وهكذا جاءت حقوق المرأة في القرآن، فلم تذكر لنا كتب السيرة خروج الصحابيات في مظاهرات للمطالبة بحقوق المرأة ولا قيامهن بثورات ومسيرات كما هو حال بلاد الغرب، بل أعطاها الحقوق كاملة غير منقوصة، عادلة غير جائرة، من غير كل هذا، ومن أراد أن يطلع على شيء من اهتمام القرآن بالمرأة، فليطالع غير مأمور سبب نزول قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ﴾ الآية، فهي وإن تعددت الأقوال إلا أنها تصب في كونه جبراً لخاطر المرأة.
ولما جاءت خولة بنت ثعلبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها، تولى الله بنفسه تفريج كربتها، وأنزل لأجلها، رغم أن بيتها لم يكن من كبار بيوتات المدينة بل ما بين لابتيها لم يكن أهل بيت أفقر من بيتها، ومع هذا كله نَزَّل في شأنها قرآناً يتلى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّـهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّـهِ وَاللَّـهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾.
وهذا غيض من فيض في حديث القرآن عن المرأة، وإذا تدبرنا حديثه عنها وتكريمه لها ندرك سر بكاء أم أيمن رضي الله عنها على انقطاع نزوله، فلما انطلق الصديق والفاروق رضي الله عنهما لزيارتها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، " فلما انتهوا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء. فجعلا يبكيان معها " ([1])
أيتها المسلمة: نناشدك أن تقرئي القرآن بعيون أم أيمن رضي الله عنها لا بعيون أعدائك فمقالنا لا يسع للمزيد.
([1]) مسلم ح (2454)
مختارات