رساله فمن يعقلها
إن من رحمة الله علينا ولطفه بنا أنه خلقنا ثم لم يتركنا هملا في الأرض لا بل خلقنا وأنزل إلينا الكتب وأرسل الرسل وشرع شرعا هو أهدى السبل لأنه أعلم بنا من أنفسنا هو سبحانه العليم بنا والعليم بكل أحوالنا بما يصلحنا ويصلح لنا:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الملك: 14] فأرسل إلينا الرسل وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه رسالته السماوية القرآن منبع الهدى والخير ومعين الحياة لمن أرادها، الحياة الحقيقية حياة الروح:{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى: 52] فالقرآن رسالة الله إلى خلقه رحمة بهم ولطفا وتوددا فيه هداياته وفيه بركاته ولذلك قال سبحانه:{إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [الدخان:5، 6] فالقرآن رحمة من الله وهو زاد كل إنسان يريد الوصول إلى الله ويريد أن يسلم من كل أذى وضرر قد يلحق بالمرء، إن القرآن هو كلام الله وكفى هو رسالته إلى خلقه لكي لا يضلوا ولهذا فإنه بدونه لن تحصل لهم هداية ولقد قال الله تعالى عن القرآن:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29] وقال عنه أيضا:{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الأنعام:155] فلا هداية إلا بالقرآن ولا رحمة إلا بالقرآن فهو إذن رسالة الله إلى خلقه لهدايتهم ورحمتهم فحري بنا إذن أن نقرأه قراءة المتأني يبحث عن نقصه ليستكمله وعن حاجته ليسدها وحينها ننتفع بالقرآن.إنه لعجيب أن تأتينا رسالة من الله العظيم الغني عنا وهي كلامه ثم تجد كثيرا منا يهملها فلا يقرأها أو يقرأها فلا يحاول فهمها ولا تدبرها والله تعالى يقول:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:57] موعظة وشفاء وهدى ورحمة! سبحان الله! أما يكفي هذا كله ليدفعنا إلى قراءته بتدبر ومعايشته؟! ثم لا هو {من ربكم}يا لها من كلمة تحتاج إلى وقفة طويلة جدا!
إن الإنسان تأتيه من رسالة أحيانا من رئيسه في العمل أو من رجل ذا منصب أو مكانة فيعيرها اهتمامه كله ويقرأها ويفهمها ويقدرها فهذا القرآن هو كلام الله! ثم هو {من ربكم} ذكر لفظ الرب لما فيه من معنى الرحمة والتربية والرعاية والولاية فيا ليتنا ننتبه لمصدرية القرآن حتى نحسن الإقبال عليه.
مختارات