أنماط: (29) نمط المتكلِّف المنكوس
ومن الأنماط العجيبة نمط الأخ المتكلِّف منكوس الرأس متهدل المنكبين..
وهذا النمط يظن أن من علامات الالتزام والتدين أن يُنكِّس المرء رأسه ويهدل كتفيه ويسير كسيرًا بين الناس! يقبل الإهانة ويرضى بالمذلة ويألف الضيم ويظن أنه بذلك مُخبِتٌ متواضع، وأن هذه هي علامات الخشوع لله!
أقول:
ما هذا بالتزام ولا علاقة له بتدين..
إن هذا الدين مصدر عِزَّةٌ وشرفٌ في غير مخيلة ولا كِبر، وهو لا يأمر أتباعه بهوانٍ أو مسكنةٍ وانكسارٍ لغيره،
أما الذلة على المؤمنين وخفض الجناح لهم فذلك يعني التواضع ولين الجانب وليس المهانة والامتهان..
ولقد رأى الفارق عمر رضي الله عنه رجلًا طأطأ رقبته في الصلاة، فقال: " يا صاحب الرقبة! ارفع رقبتك، ليس الخشوع في الرقاب، إنما الخشوع في القلوب "..
ولقد ذكر الإمام ابن القيم أن أحد السلف رأى رجلًا خاشع المنكبين والبدن، فقال: " يا فلان! الخشوع هاهنا، وأشار إلى صدره، لا هاهنا، وأشار إلى منكبيه ".
ورأت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها شبابًا يمشون ويتمارون في مشيتهم، فقالت لأصحابها: " من هؤلاء؟ فقالوا: نسَّاك، فقالت: كان عمر بن الخطاب إذا مشى أسرع، وإذا قال أسمع، وإذا ضرب أوجع، وإذا أطعم أشبع، وكان هو الناسك حقًا ".
إن المسلم الحق لا ينحني إلا لمولاه، ولا ينكسر إلا بين يديه، ولا يتمسكن إلا إليه، لا يرضى الدنية في دينه، ولا يقبل أن تُهان كرامته التي كرَّمه بها ربه..
فهو شريفٌ كريم النفس، عزيزٌ مستغنٍ عن الناس يكون بينهم كأنه شامةً كما أوصاه قدوته وإمامه صلى الله عليه وسلم، لكنه في الوقت نفسه مفتقِرٌ ذليلٌ كسيرٌ مخبتٌ خاشعٌ بين يدي مولاه وسيده جل وعلا وهو هيِّنٌ ليِّنٌ في يدِّ إخوانه غير مستعلٍ ولا مستكبرٍ عليهم..
ذلك هو التوازن الصحيح وليس تكلُّف الخشوع والمسكنة في غير مواضعها..
فارفع رأسك يا أخي ولا تحني جبهتك إلا لمولاك، واعلم أن الخشوع في القلوب وليس في الرقاب، ودع عنك التكلُّف فقدوتك وإمامك هو صاحب شعارٌ وقيمةٌ ومبدأ {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص من الآية:86].
مختارات