"الظلـــم "
" الظلـــم "
ذم الظلم والنهي عنه:
#### أولًا: في القرآن الكريم:
الآيات الواردة في ذم الظلم والظالمين كثيرة ومتنوعة فمنها:
- آيات وردت في تنزيه الله تعالى نفسه عن الظلم، قال تعالى: " وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ " [غافر: 31] وقال: " وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ " [فصلت: 46] وقال: " وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ " [آل عمران: 108]،
(أي: ليس بظالم لهم بل هو الحَكَم العدل الذي لا يجور؛ لأنه القادر على كل شيء، العالم بكل شيء، فلا يحتاج مع ذلك إلى أن يظلم أحدًا من خلقه؛ ولهذا قال: " وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ " [آل عمران:109] أي: الجميع ملْك له وعبيد له " وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ " [آل عمران:109] أي: هو المتصرف في الدنيا والآخرة، الحاكم في الدنيا والآخرة) تفسير القرآن العظيم،لابن كثير].
- وقال سبحانه: " إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا " [النساء: 40] وقال: " إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ " [يونس: 44].
قال القرطبي: (أي لا يبخسهم ولا ينقصهم من ثواب عملهم وزن ذرة، بل يجازيهم بها ويثيبهم عليها، والمراد من الكلام أنَّ الله تعالى لا يظلم قليلًا ولا كثيرًا) [الجامع لأحكام القرآن].
#### ثانيًا: في السنة النبوية:
- عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تبارك وتعالى: يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا؛ فلا تظالموا...) [رواه مسلم].
قال ابن تيمية: (هذا الحديث قد تضمن من قواعد الدين العظيمة في العلوم والأعمال والأصول والفروع؛ فإن تلك الجملة الأولى وهي قوله: (حرمت الظلم على نفسي) يتضمن جلَّ مسائل الصفات والقدر إذا أعطيت حقَّها من التفسير، وإنما ذكرنا فيها ما لا بدَّ من التنبيه عليه من أوائل النكت الجامعة، وأما هذه الجملة الثانية وهي قوله: (وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا) فإنها تجمع الدين كله؛ فإنَّ ما نهى الله عنه راجع إلى الظلم، وكل ما أمر به راجع إلى العدل) [مجموع الفتاوى،لابن تيمية].
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ظلم قِيد شبر من الأرض طُوِّقه من سبع أرضين) [رواه البخارى ومسلم].
#### من آثار الظلم:
1- الظالم مصروف عن الهداية:
قال تعالى: " إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " [المائدة: 51].
2- الظالم لا يفلح أبدًا:
قال تعالى: " إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ " [الأنعام:21].
3- الظالم عليه اللعنة من الله:
يقول الله عزَّ وجلَّ: " يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ " [غافر: 52].
4- الظالم يحرم من الشفاعة:
قال تعالى: " مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ " [غافر: 18] ويقول عليه الصلاة والسلام: (صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي: إمام ظلوم غشوم، وكل غالٍ مارق) [حسنه الألبانى فى صحيح الجامع]
5- تصيبه دعوة المظلوم ولا تخطئه:
قال عليه الصلاة والسلام: (واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) [رواه مسلم].
#### أقسام الظلم:
(الظلم ثلاثة: الأول، ظلم بين الإنسان وبين الله تعالى، وأعظمه: الكفر، والشرك، والنفاق، ولذلك قال: " إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ " [لقمان:13] وإياه قصد بقوله: " أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ " [هود:18] " وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا " [الإنسان: 31] في آي كثيرة، وقال: " فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ " [الزمر: 32] " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا " [الأنعام: 93].
والثاني: ظلم بينه وبين الناس، وإياه قصد بقوله: " وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا " إلى قوله: " إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ " الآية وبقوله: " إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ " [الشورى: 42] وبقوله: " وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا " [الإسراء: 33].
والثالث: ظلم بينه وبين نفسه، وإياه قصد بقوله: " فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ " [فاطر: 32] وقوله: " ظَلَمْتُ نَفْسِي " [النمل: 44] " إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ " [النساء:64] " فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ " [البقرة:35] أي: من الظالمين أنفسهم " وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ " [البقرة:231].
وكل هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس؛ فإنَّ الإنسان في أول ما يهمُّ بالظلم فقد ظلم نفسه، فإذا الظالم أبدًا مبتدئ في الظلم، ولهذا قال تعالى في غير موضع: " وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ " [النحل:33] " وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [البقرة:57]، وقوله: وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ " [الأنعام:82]) [مفردات ألفاظ القرآن،للراغب الأصفهانى].
#### من صور الظلم:
لا شكَّ أنَّ الظلم له صور كثيرة، وسنقتصر على ذكر بعضها حتى نكون منها على حذر، وهذه الصور منها:
أولًا: ظلم العبد نفسه:
1- أعظمه الشرك بالله:
قال تعالى: " إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ " [لقمان:13].
قال ابن تيمية: (ومما ينبغي أن يُعلم أنَّ كثيرًا من الناس لا يعلمون كون الشرك من الظلم، وأنَّه لا ظلم إلا ظلم الحكام أو ظلم العبد نفسه، وإن علموا ذلك من جهة الاتباع، والتقليد للكتاب، والسنة، والإجماع، لم يفهموا وجه ذلك، ولذلك لم يسبق ذلك إلى فهم جماعة من الصحابة لما سمعوا قوله: " الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ " [الأنعام:82] كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث ابن مسعود أنهم قالوا: أيُّنا لم يظلم نفسه؟! فقال رسول الله: (ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح: " إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ " [لقمان:13] ؟) وذلك أنهم ظنُّوا أنَّ الظلم - كما حدَّه طائفة من المتكلمين - هو إضرار غير مستحقٍّ، ولا يرون الظلم إلا ما فيه إضرار بالمظلوم، إن كان المراد أنهم لن يضروا دين الله وعباده المؤمنين، فإنَّ ضرر دين الله وضرر المؤمنين بالشرك والمعاصي أبلغ وأبلغ) [جامع المسائل].
2- التعدِّي على حدود الله:
" تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ " [البقرة:229].
قال ابن جرير: (تلك معالم فصوله، بين ما أحل لكم، وما حرم عليكم أيها الناس، قلا تعتدوا ما أحل لكم من الأمور التي بينها وفصلها لكم من الحلال، إلى ما حرم عليكم، فتجاوزوا طاعته إلى معصيته، وإنما عنى تعالى ذكره بقوله: " تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا " هذه الأشياء التي بينت لكم في هذه الآيات التي مضت: من نكاح المشركات الوثنيات، وإنكاح المشركين المسلمات، وإتيان النساء في المحيض، وما قد بين في الآيات الماضية قبل قوله: " تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ " مما أحل لعباده وحرم عليهم، وما أمر ونهى) [جامع البيان،للطبرى].
3- الصدُّ عن مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه:
" وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ " [البقرة: 114].
قال ابن جرير: (وأي امرئ أشد تعديًا وجراءة على الله وخلافًا لأمره، من امرئ منع مساجد الله أن يعبد الله فيها) [جامع البيان،للطبرى].
4- كتم الشهادة:
قال تعالى: " أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ " [البقرة: 140].
قال السعدي: (فهي شهادة عندهم، مودعة من الله، لا من الخلق، فيقتضي الاهتمام بإقامتها، فكتموها، وأظهروا ضدها، جمعوا بين كتم الحق، وعدم النطق به، وإظهار الباطل، والدعوة إليه، أليس هذا أعظم الظلم؟ بلى والله، وسيعاقبهم عليه أشد العقوبة) [تفسير الكريم الرحمن].
#### معاونة الظالم على ظلمه:
من يعين الظالم فهو ظالم مثله، ومشارك له في الإثم:
الظلم من الإثم والعدوان والله سبحانه وتعالى أمر بالتعاون على البرِّ والتقوى، ونهى عن التعاون على الإثم والعدوان فقال: " وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " [المائدة:2] وعن جَابِرٍ رضي الله عنه قال: (لَعَن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وموكله وَكَاتِبَه وَشَاهِدَيْه وقال: هُم سَواء) [رواه مسلم].
قال النووي: (هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابين والشهادة عليهما وفيه: تحريم الإعانة على الباطل) [شرح صحيح مسلم للنووى].
وقال ميمون بن مهران: (الظالم، والمعين على الظلم، والمحب له سواء) [مساوئ الأخلاق للخرائطى].
مختارات