الداء والدواء
{ كلاّإِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى*أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}[العلق:6-7]مرض الطغيان والشعور الكاذب بالاستغناء والاستعلاء.. من أخبث الأمراض وعلّ القرآن أشار إليه في بداية الوحي لأنه من أكبر الصوارف عن الوحي.. فالذي يشعر بالاستغناء ويطغى لن ينعطف أبدا تجاه القرآن وسيعجز عن الدخول من بوابة القرآن التي هي الشعور بالافتقار والحاجة إلى القرآن..فالقرآن لا يفتح كنوزه إلا لمن دخل من هذا الباب فهو {هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[الكهف:52]للمؤمنين وأكرر للمؤمنين بصلاحيته وبأن فيه الشفاء والهدى لهم أمّا المستكبرون فأنى لهم هذا الشعور ولذا قال الله{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا}[الأعراف:146]
علاج الطغيان من خلال السورة
ما كان القرآن ليشير إلى المرض دون ذكر العلاج..وهو علاج ناجع لمن تدبره وتناوله بكف الصدق.
- تذكير الإنسان بأنه مربوب له رب يرعاه ويشرف على وجوده{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}[العلق:1].
- تذكير الإنسان بأصل خلقه{خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ}[العلق:2] فمن كان هذا أصله فعلام يتكبر؟!.
- التذكير بحتمية الرجوع إلى الآخرة{إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى}[العلق:7] فإن كان الإنسان بطلا وقادرا حقا فليحمى نفسه من الموت والعودة لبارئه..والتفكر في العودة إلى الله والوقفة بين يديه كفيلة بدكِّ حصون الغرور والكبر التي قد يأوي إليها الإنسان.
وهذه العلاجات ذكرت في القرآن في موضع آخر وسبحان من قال:{وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ}[الأنعام:105]..نعرضها في سياقات مختلفه علّ الإنسان يتنبه إن فاته موضع ولم يعقل فيه الخطاب.
تأمل هذا الحوار الذي دار بين هذين الرجلين في سورة الكهف:
رجل أصابه الغرور بما لديه وقال لصاحبه:{ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا}[الكهف:34] فقال له صاحبه{أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا}[الكهف:37]..وبعدها بقليل نجد قوله تعالى:{ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا*وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا}[الكهف:47-48]..فهاهي الأدوية بين يديك يا صاح فتناولها واصبر عليها يتحقق لك الافتقار وتعرف حقا لذة الذل لمولاك والانكسار وتنفتح لك كنوز القرآن لتغترف من بحره وتنكشف الأسرار.
مختارات