إطلاق البصر (2)
اصرف بصرك!
قال جرير بن عبد الله: " سألت رسول الله ﷺ عن نظرة الفجأة؟ "، فقال: «اصرف بصرك» (صحيح أبي داود [2148])، وأنس بن مالك بن النَّضر وقد طالت صحبته للنبي ﷺ حتى بلغت عشر سنواتٍ قال يوصيك: " إذا لقيت امرأةً فغمِّض عينيك حتى تمضي ". والنظرة الأولى هي لبيان الجنس، أي التي تميِّز بها جنس من رأيت: ذكرًا أم أنثى، وهي لك، وما زاد عليها فهو عليك!
ولم يقل سبحانه قل للناس يغضوا من أبصارهم؛ لكن قال {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ} [النور من الآية:30]، {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ} [النور من الآية:31]، فلا يستجيب لأمر الله إلا المؤمنين والمؤمنات.
ولابد لمن أراد الشفاء أن يتناول جرعات الدواء، لكن ليس شرطًا أن يحصِّل المريض الشفاء من أول محاولة ومع أول جرعة، بل حتى المريض مرضًا عضويًا إذا شفي من مرَضِه؛ يبقى معه بعض آثار المرض لبعض الوقت، ولكن مع تكرار الدواء والإصرار على العلاج يتحقق الشفاء ولو بعد حين.
ممنوع الاقتراب من المقدِّمات
اجتنب المثيرات التي تحرِّك شهوتك، وتثير غريزتك، فتجنَّب -ما استطعتَ- أماكن الاختلاط، وما يحرِّك كوامن الشهوة، ولا تغْشَ الأسواق لغير ضرورة، ولا تتهاون بمشاهدة الأفلام، وسماع الغناء الدائر حول أوصاف الحبيب وأحوال العاشقين، وتخلَّص مما لديك من وسائل وصور ورسائل تضعف نفسك برؤيتها..
عدم اتباع خطوات الشيطان هو الأهم في رحلة علاج الإدمان، والابتعاد عن هذه المقدِّمات أهون بكثير من الاسترسال معها حتى السقوط في بئر المهلكات.
معرفة أن غض البصر أقصر الطرق إلى محبة الله
قال الحسن بن مجاهد: " غضُّ الْبَصَر عن محارِم الله يورث حُبَّ الله "، فإذا تركت شهوة في سبيل رضاه آواك وهداك ووقاك ورقّاك. وهل أحد أكرم من الله يتفضَّل على من قدَّم رضاه على هواه؟!
قال ابن سعدي: " ومن تَرَك ما تهواه نفسه من الشهوات لله تعالى، عوَّضه الله من محبته وعبادته والإنابة إليه ما يفوق لذات الدنيا كلها ".
وتذكروا وعد ربكم لكم: {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الأنفال من الآية:70].
التوبة الفورية!
كلما كانت توبتك أسرع كان قبولها إليك اقرب!
وباب التوبة مفتوح، وبوارق الأمل تلوح، لكن إياك والتأخُّر! فقد يأخذك الموت على حين غِرَّة؛ فإنه الله على محارمه غيور، وإن أقمت على معاصيه وأنت غارقٌ في نعمه فاحذر إمهال الصبور، وأبشر بعظيم مغفرته وسعة رحمته.. إنه غفور شكور.
تفكر في عواقب النظرة المُهلكة!
في الحديث: «إن الشيطان قد أيس أن يعبد بأرضكم هذه، ولكنه قد رضي منكم بما تحقِرون» (صحيح المسند [1384]).
والتدرج حيلة إبليسية متكررة على مدار التاريخ. قيل لحذيفة بن اليمان: " أتركت بنو إسرائيل دينها في يوم؟ "، قال: " لا، ولكنَّهم كانوا إذا أُمِروا بشيءٍ تركوه، وإذا نهوا عن شيءٍ ركِبوه، حتى انسلخوا من دينهم كما ينسلخ الرجل من قميصه ".
وقد قيل قديمًا: حبس اللحظات أيسر من دوام الحسرات.
وهي حسرات كثيرة:
- حسرة ذهاب أوقاتٍ توجب فوت الحسنات على حساب شراء السيئات.
- وحسرة إنفاق الدرهم والدينار في سبيل شراء النار.
- وحسرة ضياع المنزلة والمهابة عند الأهل والأصحاب وأصحاب المكانة.
- وحسرة سلب نعمةٍ حالية وحرمان رزقٍ حاضرٍ دنيوي وإيماني.
- بل وحسرة فقدان نعمةٍ مقبلة ورزقٍ واسع مرتقب عقوبة على إساءتك.
- وحسرةٌ بحصول همٍّ وغمٍّ وحزن وخوف لا يداني أبدا لذة النظرة المحرَّمة.
قم بِمحاصرة خلواتك!
الخلوة خطوةٌ واسعة ومزَلَّة خطيرة في طريق الحرام، فإذا انفردت على غير طاعة كقراءة القرآن أو الصلاة فإنك تستدعي بذلك وسوسة الشيطان، وغالبًا ما ستقع في ما يُغضِب الله، ولذا كان من أغلى النصائح للمبتلين بهذه القبائح:ترك الانفراد والوحدة ما استطاعوا إلى ذاك سبيلًا، وفي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ:«نهى عن الوحدة أن يبيت الرجل وحده أو يسافر وحده» » (مسند أحمد [8/38]).
الفراغ فيه سمٌّ قاتل
لأن الشهوة إنما تشتعل في الفراغ، وتخمد شعلتها بعواصف العمل ورياح الانشغال، ومن ترك نفسه فارغا فقد قدَّم قلبه لقمة سائغة لشيطان يقلِّبه حيث يشاء، ومن شغل وقت فراغه فقد انتزع السكين من يد إبليس قبل أن يذبحه به!
راقب الوساوس والخواطر
قديما قال بعض الصالحين: " من راقب الله في خواطره، عصمه في حركات جوارحه ".
والتفكير في حد ذاته لا يأثم عليه الإنسان، لكن الاستغراق في التفكير في الحرام أخطر ما يكون على الشاب والفتاة، فإذا ألقى الشيطان في روعك الوساوس والخطرات فإياك أن تسترسل معها، وإلا قادتك للغواية، وهوت بك إلى شر غاية، بل اقطعه في الحال، واشغل فكرك بالخير تنطرد عنك فكرة الشر، واملأ وعاء عقلك تفكرًا في الخيرات تنزع عنه التفكير في السيئات، وخواطر السوء غالبًا ما تزورك عند الانفراد أو النوم، فلا تدع نفسك فارغا، ولا تذهب إلى فراشك إلا متعبا، أو ذاكرا لله بلسانك حتى حلول نعاسك.
العفة استعداد!
فالبداية من عندك، وحبل الاستقامة طرفه بيدك، وقد أرشدك رسول الله ﷺ: «من يستعفف يعِفَّه الله، ومن يستغْنِ يُغنِه الله، ومن يتصبَّر يُصبِّره الله» (صحيح البخاري [1469]).
فإمداد الله لك بطوق النجاة بحسب استعداد قلبك لتلقفه والتشبث به، وهلاكك قرار كما أن النجاة قرار! وهو ما يشبه ما يسمى بقانون الجذب لكن بمنظورٍ إيماني، فالعفة تنجذب لطالب العفة، والصبر ينزل في قلب المتصبِّر أي طالب الصبر؛ الراغب فيه.
وفي حديث أبي هريرة: قال رسول الله ﷺ: «ثلاثةٌ حَقٌّ على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمُكاتَبُ الذي يريد الأداء، والنَّاكِحُ الَّذي يُريدُ العفاف» (سنن الترمذي [1655]، حسن).
راقِب من لا تخفى عليه خافية
قال رجُلٌ للجنيد: " بِمَ أسْتعين على غَضِّ البَصَر؟! "، فقال: " بِعلمك أنَّ نظر الله إليك أسبق من نظَرك إلى المنظور إليه ".
ما زلت تُتبِعُ نظرةً في نظرةٍ *** في إثر كلِّ مليحةٍ ومَليحِ
وتظنُّ ذاك دواء قلبك وهو *** في التحقيق تجريحٌ على تجريحِ
فَذَبَحْت طَرْفَك بِاللِّحَاظِ وَبِالْبُكَا *** فَالْقَلْبُ مِنْك ذَبِيحٌ ابْنُ ذَبِيحِ
مختارات