{وأصلحنا له زوجه} - [الجزء الثاني]
ولا زلنا في ظلال هذه الآية العظيمة من سورة الأنبياء، ولكننا في هذه المرة سنوجه الخطاب إلى نساء القرآن اللاتي أكرمهن الله بالعيش مع كتابه والتفيؤ في ظلاله وتلاوة آياته والتنافس مع الأتراب في حفظه وتفسيره.
لا شك أن هذا المقطع من هذه الآية لن يكون مروره عابراً على قلب المرأة المسلمة التي تسعى لتكون من أهل القرآن، ولن تقرأه إلا قراءة من تسعى لتكون مثل هذه المرأة التي تتحدث عنها الآية، ولن يتأتى العمل بالقرآن دون تدبره.
إن إعجاز القرآن هنا في بلاغته، إذ إن إصلاح الله لزوج زكريا باق على عمومه، فيشمل كل ما ذكره المفسرون بأنها كانت عقيماً فجعلها ولوداً، وكانت سيئة الخلق فأصلحها الله بأن رزقها حسن الخلق كما يقول إمام المفسرين ابن جرير الطبري، وأهم إصلاح الله لها هو إصلاحها له في دينها كما يقول الرازي في تفسيره.
صلاح المرأة في دينها وخلقها هو أهم أركان صلاحها الذي بيدها، وأما إصلاحها في ولادتها إن كانت عقيماً فلا دخل لها فيه ولكنها بدعائها لربها وابتهالها إليه يرزقها الله كما رزق امرأة إبراهيم عليه السلام الولد وهي عجوز: ﴿أَأَلِدُ وَأَنا عَجوزٌ وَهـذا بَعلي شَيخًا إِنَّ هـذا لَشَيءٌ عَجيبٌ﴾، بل إن صلاحها في دينها يتضمن صلاحها في خلقها وولادتها، وإذا أصلح الله المرأة في هذه الثلاث صارت قرة عين لزوجها ولوالديها ولبنيها ولمجتمعها.
وتفسير إصلاح المرأة بأنه سوء خلقها لمن فتح الله على المفسرين وهذا من الفهم الدقيق للدين، فالدين كله خلق فمن زاد عليك في خلقك زاد عليك في دينك، وقد ذكروا رحمهم الله تعالى مثالاً لسوء خلقها بأنه كان في لسانها طول فأصلحها الله تعالى، وطول اللسان مما تبتلى به كثير من النساء بل ربما رأين فيه شجاعة ولا أُبعد النجعة إن قلتُ إنه أسوأ أخلاق المرأة، وهذا الخلق الذميم سبب تعاسة البيوت وشقاء الزوج معها، ومما يؤسف له أنه لم يعد لـ " لسانها طويل " مذمة عند النساء، ولكن القرآن هنا يعيد للأخلاق وزنها فيحذر صاحبته من هذا الخلق المشين، وعلى ضوء هذا التفسير فإن فتاة القرآن الفطنة تدرك أن أي خلل في خلقها هو نقصٌ في ديانتها، وأن عبادتها وقنوتها لله ينبغي أن تؤتي ثمارها في حسن خلقها لبعلها ولأهلها ولعامة الناس.
ولا نريد من فتاة القرآن أن تعدد أقوال المفسرين في معاني إصلاح المرأة في هذه الآية، بل يريد القرآن منها أن تكون هذه الآية مشروع إصلاح لها، فيظهر أثر تربيته لها في خلقها كما في دينها، فلا يجد أهلها إلا أن يصفوا خلقها بأنه خلق القرآن كما وصفت أمنا عائشة رضي الله عنها خلق النبي صلى الله عليه وسلم.
وليس المراد من قصص القرآن التسلي ولكنما هي ﴿ عِبرَةٌ لِأُولِي الأَلبابِ ما كانَ حَديثًا يُفتَرى وَلـكِن تَصديقَ الَّذي بَينَ يَدَيهِ وَتَفصيلَ كُلِّ شَيءٍ وَهُدًى وَرَحمَةً لِقَومٍ يُؤمِنونَ﴾، فلما تقرأ صاحبة القرآن معاني صلاح المرأة في كتاب الله تسعى جاهدة في إصلاح نفسها، سائلة الله أن يصلح عوج خلقها ونقص دينها كما أصلح الله زوج زكريا.
ويريد القرآن من فتاته أن تدرك أن صلاحها ينعكس على أهل بيتها، فعليها إذا رامت بيتاً كبيت زكريا عليه السلام أن تصلح نفسها مستعينة بربها في ذلك كما أصلح الله زوج زكريا فيكون بيتها نسخة من بيت زكريا: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾، وظننا أن كل قارئة لكتاب الله تتوق إلى مثل هذا البيت.
مختارات